بقلم عبد الحميد جماهري

تكشف بعض اللايفات السياسية التي تتكرم علينا بها بعض القيادات عن بؤس عميق في التواصل المؤسساتي، كما قد تحيلنا، في المنطق العام، على محاولة اغتيال علنية وعلى المباشر .. للسياسة.
وقد كثرت جنازاتنا في الآونة الأخيرة بالرغم من رفض جثامين سياسية محددة،الذهاب الى مثواها الأخير..!
بعضها يكون على حدود التشويق الفكاهي: يدق صاحبه الباب، ثم يتصنع هيئة الجالس في الداخل ويرد »شكون دق الباب »!
لكن ما كشفته »لايفات« الأمين العام لحزب »العدالة والتنمية، منذ استئنافه للعمل القيادي الميداني، أبعد من ذلك قليلا. إنها تكشف في المقابل عن أزمات أعمق، تتطلب النبش بعيدا تحت الطبقات العليا من الفرشة البئيسة للحياة المؤسساتية!
الأكثر خفة منا في الاستنتاج قد يميل إلى القول بأنها تبخس السياسة ولغتها، وأن البعض في البطولات الافتراضية وضع نفسه قربانا لهذه المهمة، ويصر على إنهاء ما تبقى فيها من شرف البلاغة وقوة القاموس، وإبداعية في التشخيص، عبر السهل الممتنع، والوصول إلى الخلود السياسي بعبارات مسكوكة وممشوقة البيان، اشتقت بلسان من ذهب.
لكن لابد من أن نضحي بالإغراء الكامن في السخرية، وما تعطيه من شاعرية في المؤانسة والإمتاع، وما تمنحه من خفة الروح والدم، ولحظات تزيد في العمر قليلا.. ونطرح السؤال الأعمق أي ما تحت الخروج الصحافي، وما هو أعمق من زلات اللسان الذي يعود إلى أصله في التجريح..كلما حَنَّ إلى / recyclage «تدوير « لغة السب والشتم والتسفيه!
ما هو أعمق في تقدير العبد الفقير لرحمة ربه، هو صعوبة الاندماج في حقل سياسي وإعلامي ومؤسساتي، من الدولة إلى المجتمع المدني، مرورا بالأحزاب والأفراد والإعلام، وذلك بعد تفويت الفرصة في بناء بدائل ذات ارتباط بتعاقدات المغاربة السياسية.. هناك أزمة اندماج تتجاوز العزلة الفردية إلى العجز عن الانخراط في التعاقدات الواسعة في الحقل السياسي. وإلا ما معنى إطلاق النار وتتفيه كل مكونات المشهد الوطني السياسي والإعلامي والصحافي ؟
أولا: الإعلام متهم، ولا فرصة له أمام أحكام التجريح، إلا ميل أصحابه الى ما يشبه التصفيق والصمت والمباركة..
ثانيا: الخصوم السياسيون عرضة للتسديد من قناص يتنقل، في معادلات لزجة، ما بيت الحكومة والمعارضة بدون التفريق بينهما!!، وهو أمر لم يحصل لوجود تميز أخلاقي أو سياسي إجباري، أتى بعد الهزيمة الانتخابية التي لم تعترف به، بل إنه أمر أسس له وتأسس في الواقع منذ النقاش حول الانتخابات، وقانون الكيف وقانون الإطار المتعلق بالتربية والتعليم والبحث والعلمي وغيره من قرارات الدولة الكبرى، وحصول إجماع واسع داخل الحقل السياسي والنقابي والمدني حول هذه المنعطفات، مقابل ما عبرنا عنه بوجود »عزلة سياسية بقفل دستوري« (انظر المقال سابقا)..
ثالثا: الدولة، لا هي العاشقة ولا هي المتعالية في عشقها(المتعفرة)، لا هي التي تحب ولا هي التي تكره، ومع ذلك فهي في لغة »اللايفات« كيان له مشاعر وليس له عقل تاريخي وآداب معينة وتعاقدات، دولة لا هي »الليفياتان«، ولا هي العقل التاريخي المحض، ولا هي السلطان في آداب المسلمين المتقدمة، وعلوم أبو حامد الغزالي، ولا هي دولة الحق والقانون بل مجرد »دولة البْغو.. والهجران«.
والمشترك في كل هذا، هو أن كل الأماكن التي تبنى فيها التعاقدات والتي تبنى فيها قيم التعايش المدني والسياسي، بغض النظر عن مستوى نضجها، تتعرض الى القصف والتنكيل وتتعرض إلى التشكيك تارة، ثم إلى التعالي تارة أخرى كما يتعرض الأفراد إلى الكذب أو التجريح الشخصي المنحط!
بالنسبة لحداثة الدولة ( وهي بالمناسبة حداثة مادية وفكرية في نفس الوقت ) وما ترفعه من شعارات بناء على التزامات وطنية، أخلاقية وروحية وفكرية وخارجية ذات أفق كوني، وبناء على معادلات التطور الحضاري الشامل، تم اختزالها في زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء بدون أدنى عقلانية أوهدوء.. وفي محاولة تأليب عاطفي ديني غير وارد في الأجندة الوطنية المحلية، وفي فضاءات النقاش العمومي!
والغريب أنه، إلى حد قريب كانت نخبة من تيار استعداء المغاربة على الحداثة الحالي، تعتبر وصفها بالحداثة في السياسة امتيازا صار لها بعد أن لم »تفز« به الأحزاب التي سبقتها أو أعلنت انتماءها إلى أفق إنساني وجودي يخترق الكيانات البشرية من الفرد الى الدولة..بهدف تحقيق الرفاه والسعادة.
إن أزمة الاندماج تتطلب أبعد من تسفيه الدولة والأفراد والهيآت والقناعات والمشاعر. ولعل الإصرار على ذلك، هو الطريق المضمون إلى الالتباس السياسي… الذي لا يفرق فيه صاحبه بين أعراض التنفيس السيكولوجي، وبين التحليل العقلاني للمواقف، والقراءة الذكية للتحولات…بما فيها الموقف من 20 فبراير، وما فتحته من إمكانية للتموقع كبديل تناوبي ثابت في الحقل السياسي. وهي قصة أخرى!.
ختاما، لقد ثبَّت الاتحاد لغته وقاموسه، وجعلهما عتبة في السياسة وسقفا في الأخلاق، ولم يتنكر ولن يتنكر لذلك، وما يملي عليه مواقفه هو قراءته للتطورات والمواقف، من زاوية واحدة ووحيدة هي مصلحة الوطن والمواطنين، وقد بنى مواقفه بإرادته وبإدارته لكل المحطات، ولتفاعلات العلاقة بين مكونات الحقل السياسي، كما لم يصنع لنفسه قفصا، ولو من ذهب، يحشر نفسه فيه كلما حانت أوقات صعبة.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

بيان منظمة النساء الاتحاديات

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني