جاء هذا الترحيب “أهلا بكم في الاشتراكية الديمقراطية” الذي أعلنه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، موجها إيّاه لباقي الفاعلين الحزبيين والسياسيين في أخر لقاء صحافي له يوم الخميس 29 يونيو 2021، في إطار برنامج تواصلي نظمته وكالة المغرب العربي للأنباء، “جاء” ترحيبا بصيغة تعليق على التحول الذي طرأ على خطابات مجموعة من قيادات الأحزاب السياسية بالمغرب، والذين صاروا بوعي أو من دون وعي يدافعون عن قيم وتصورات وغايات الاشتراكية الديمقراطية، التي كانوا ينتصبون دائما ضدها، وضد اختيارات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية باعتباره الحامل الأول والشرعي لها بالمغرب كهوية سياسية.
قد يقول قائل، مبررا هذا التحول في مواقف واختيارات بعض الفاعلين السياسيين، حتى صاروا من مناصري الدولة الاجتماعية، بكل ما تعنيه من تدابير وإجراءات لا تجد ما يؤسس لها إلا في الاشتراكية الديمقراطية كاتجاه فكري وكهوية سياسية، بأن تداعيات جائحة فيروس كورونا، وآثارها على اقتصاد البلد، وعلى الأوضاع الاجتماعية لمواطني البلد، تستدعي استحضار إجراءات وتدابير تدفع في اتجاه تجاوز هذه المرحلة من الأزمة، وبأن الأمر لا يعدو أن يكون تكتيكا، واختيارا فرضته شروط الظرفية، ولا علاقة له بأي صورة من صور الهزيمة الإيديولوجية.
لكن التاريخ يثبت أن نشأة الاشتراكية الديمقراطية، التي تهدف بشكل مباشر إلى إقامة الدولة الاجتماعية، هي نشأة ارتبطت بوظيفة تصحيح اختلالات الرأسمالية، ومن بعدها اختلالات النيو- ليبرالية، وما ينتج عنها من تقويض لمبدأ العدالة الاجتماعية، ومن توسيع للهوة بين الطبقات الاجتماعية، ومن ارتفاع لمستويات الفقر والهشاشة الناتجين عن الاستغلال الذي ترعاه باسم الحرية الاقتصادية التي تؤدي إلى كوارث اجتماعية، كما أن الواقع يبين أن تداعيات جائحة فيروس كورونا، كانت أكثر حدة بالنسبة للدول التي ترعى هذا الاستغلال، بمعنى أن الأزمة التي نتجت عن تفشي هذا الفيروس، هي مجرد حلقة من حلقات أزمة يعيشها نموذج اقتصادي وسياسي، عنوانها تردّي الأوضاع الاجتماعية لغالبية المواطنين.
لقد جاء ترحيب الأستاذ إدريس لشكر بباقي الفاعلين الحزبيين والسياسيين في الاشتراكية الديمقراطية، بمثابة إعلان واضح، عن استمرار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في الدفاع عن قيم الاشتراكية الديمقراطية، والتي لا يمكن تصور تكريسها إلا مع قيام الدولة الاجتماعية، التي تعني قيام دولة قوية، بمؤسسات قوية، قادرة على ضبط وتنظيم المجالين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال مجموعة من التدابير التي تضمن حماية المواطنين من أخطار اقتصاد السوق، وتهدف إلى التوزيع العادل للموارد من خلال تقديم مجموعة من الخدمات الاجتماعية، التي تكون بمثابة علاج للاختلالات الاجتماعية.
إن التداعيات التي عرفها المغرب والعالم بسبب انتشار فيروس كورونا، لم تكن إلا دقة أخرى من دقات ناقوس حمله الاشتراكيون الديمقراطيون في العالم منذ نشأتهم، وحمله الاتحاد الاشتراكي في المغرب منذ تأسيسه، لينبّه به أنه لا بديل عن قيام دولة قوية وعادلة، وعن بناء مجتمع ديمقراطي ومتضامن، كما أنها لم تكن إلا حلقة من حلقات مسلسل أزمة النيو- ليبرالية، والتي جددت كما الحلقات السابقة التي عرفها هذا النموذج تاريخيا، طرح ضرورة تبني المقومات والقيم التي طالما نادى بها الاشتراكيون الديمقراطيون، والمتمثلة أساسا في قيام الدولة الاجتماعية، بكل ما تعنيه من توزيع عادل للثروة، ومن حماية اجتماعية، ومن ولوج مجاني للخدمات الاجتماعية، ومن ضمان استمرار حضور القطاع العام، ومن مجموعة من التدابير والاختيارات السياسية والاقتصادية التي تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو بالضبط ما دفع باقي الفاعلين السياسيين اليوم، وبالرغم من اختلاف إيديولوجياتهم وهوياتهم السياسية، إلى إعلان تبني قيم واختيارات الاشتراكية الديمقراطية.
لقد أثبتت الأزمة التي خلفتها هذه الجائحة، أن استماتة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الدفاع عن بناء الدولة الاجتماعية، التي تجد أساسها وخصائصها في مقومات هويته السياسية، لم تكن أبدا صورة من صور الحنين الإيديولوجي، بل كانت مسؤولية سياسية، عبّر عنها الاتحاد الاشتراكي دائما، بربط نضالاته من أجل الديمقراطية، بالنضال من أجل قيام الدولة الاجتماعية، ذلك أنه من الصعب بل من المستحيل تصور قيام دولة اجتماعية في غياب الديمقراطية، وعليه فإن الالتفاف الحاصل اليوم حول قيم الاشتراكية الديمقراطية، يعني بالضرورة حصول إجماع حول إقرار الديمقراطية كما نادى بها الاتحاد الاشتراكي تاريخيا، وهي تلك الديمقراطية الممتدة لجميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تتأسس على فكرة إقامة الدولة الاجتماعية كخيار إيديولوجي، وكحل لأزمات الدولة النيو-ليبرالية، وكوظيفة طبيعية ووجودية للدولة.