تواصلت أشغال المؤتمر الإقليمي الثامن لحزب الاتحاد الاشتراكي بمدينة الرباط تحت شعار «مسار نضالي في خدمة مدينة الأنوار»، على مدى يومي 30 أبريل و1 ماي 2024 بالمقر المركزي للحزب بالرباط.
وشهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي للحزب، التي نظمت بفضاء المسرح الوطني محمد الخامس، حضورا مكثفا ونوعيا وكميا، غصت به كل قاعات وطبقات المسرح، وللإشارة هي المرة الأولى في تاريخ الحزب التي ينظم فيها هذا الحفل الافتتاحي للمؤتمر الإقليمي للرباط، بهذا الفضاء الوطني، وبهذا الحضور الجماهيري المكثف الذي خلق حدثا سياسيا وتنظيميا واجتماعيا غير مسبوق.
لقد كان في مقدمة الحضور بهذا الحفل الافتتاحي الذي ترأسه إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، والذي كان برفقته جمال الشوبكي، السفير الفلسطيني المعتمد بالرباط، الفعاليات السياسية والقيادية للحزب المتكونة من أعضاء المكتب السياسي وأعضاء المجلس الوطني وقياديات منظمة النساء الاتحاديات وأعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية وأعضاء وعضوات الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلسي البرلمان، المنتخبين بمجلس الجهة والإقليم والجماعات الترابية بالرباط، فضلا عن أعضاء التنظيمات الحزبية بفرع الحزب في كل من اليوسفية، السويسي، والرباط حسان ويعقوب المنصور و أكدال حي الرياض، والمؤتمرات والمؤتمرين والجماهير المنتمية إلى كل الأحياء والجماعات الترابية لعاصمة الرباط.
لقد كان هذا الحفل الافتتاحي للمؤتمر الوطني الثامن، الذي نسق أشغاله وأدارها الكاتب الإقليمي المناضل عبد اللطيف شنطيط، يوما مشهودا، سيسجل بمداد من الفخر والاعتزاز على صفحات سجل التاريخ النضالي الحزبي، ليس فقط على صعيد العاصمة الرباط ولكن على المستوى الوطني كذلك.
ما ميز هذا الحفل الافتتاحي هي الكلمة التي ألقاها إدريس لشكر الكاتب الأول للحزب، والتي أكد فيها أن انعقاد هذا المؤتمر الإقليمي الثامن، يكتسي طابعاً خاصا لما تزخر به هذه المدينة من حمولة حضارية وتاريخية ومكانة سياسية مهمة باعتبارها العاصمة، كما أن تنظيم المؤتمر الإقليمي لا ينفصل عن العلاقة المتجذرة التي تربط حزب الاتحاد الاشتراكي بهذه المدينة، منذ البدايات الأولى لحركة التحرير الوطني، ثم بعد ذلك خلال مرحلة الاستقلال وبناء المغرب الحديث، ومع العهد الجديد ومن اللحظة الراهنة.
وذكر الكاتب الأول للحزب بالتاريخ المشرق والعريق لمدينة الرباط، الضاربة جذورها في التاريخ، وبهذا العمق التاريخي والحضاري على جميع المستويات تم إدراجها من طرف اليونسكو سنة 2012 في قائمة التراث العالمي.
كما استعرض الكاتب الأول التاريخ والمسار النضالي المشرق للاتحاد الاشتراكي بالعاصمة الرباط، قبل وبعد الاستقلال، وفي مسيرة التنمية والديمقراطية المحلية، وعلى صعيد الجماعات الترابية ومجلسي النواب والمستشارين، والأدوار الطلائعية التي لعبها المناضلون الاتحاديون، على مستوى الحركة الوطنية والحركة الطلابية والحركة النسائية، حيث ترأس الاتحاد الاشتراكي أول مجلس بعد الميثاق الجماعي لسنة 1976، مذكرا كذلك بالدور السياسي والاجتماعي لعريس الشهداء المهدي بنبركة، ابن مدينة الرباط الذي انتخب كأول برلماني للمدينة، وترأس كذلك في نهاية الخمسينيات المجلس الوطني الاستشاري كأول برلمان للمغرب.
وأبرز الكاتب الأول للحزب أن الاتحاد الاشتراكي كان حاضرا بقوة في تطوير الديمقراطية التمثيلية من خلال جماعاتها أو غرفها المهنية، ولحد اليوم لا تزال الساكنة شاهدة على تلك الفترة المتميزة للتغيير والتدبير الجماعي، وكان كل ذلك الزخم النضالي انطلاقا من قناعات الاتحاد الراسخة بالبناء المؤسساتي لذلك كنا حاضرين بقوة في إقرار قانون التنظيم الجماعي سنة 1976 ، وكذا في كل المناظرات الوطنية التي حضرت لكل القوانين والإطارات التنظيمية للعمل الجماعي بالبلاد.
وسجل إدريس لشكر أن التجربة الاتحادية في التسيير والتدبير الجماعي بالرباط وقعت على العديد من البرامج والمشاريع والاتفاقيات التنموية، مستحضرا، في نفس الوقت، العناية الملكية الكبرى بالرباط، وبالخصوص البرنامج الملكي المندمج الذي يحمل عنوان : « الرباط عاصمة الأنوار والثقافات»، الذي أعطى توهجا جديدا للعاصمة من حيث تثمين الموروث الحضاري والثقافي وصيانة الفضاءات الخضراء وتعزيز البنيات الطرقية.
وفي هذا الإطار سجل لشكر بعض الملاحظات بشأن تمارة الصخيرات – سلا، كمدن كبرى مكونة للعاصمة الرباط، المفروض أن تسير في مستوى وتيرة التنمية والتقدم والتطور، الذي تشهد الرباط على كل هذه الأصعدة، خاصة النقل والسكن والتعليم والصحة، داعيا إلى ضرورة الاهتمام بهذه الجوانب والعناية بالفئات الهشة والفقيرة تكريسا للعدالة الاجتماعية ومحاربة كل الآفات الاجتماعية التي من شأنها تعطيل التنمية الحضرية والاجتماعية بهذه المناطق، مع ترسيخ العدالة المجالية وإعادة هيكلة الأحياء غير القانونية، والتي تنقصها التجهيزات في إطار مخطط مندمج للتنمية الثقافية والسياحية.
وعلى المستوى السياسي أكد الكاتب الأول للحزب أن هذه الحكومة سائرة في مسلسل التغول الذي بدأت به ولايتها، خاصة حين وقعت على هذا الاتفاق الاجتماعي الأخير بمناسبة فاتح ماي وبمنهجية الحوار الاجتماعي التي اعتمدتها، مبرزا في هذا الصدد، وفاء الحكومة لتغولها من خلال إقصاء النقابات المعارضة، وعلى رأسها الفيدرالية الديمقراطية للشغل، خاصة إذا ما استحضرنا أنها المركزية النقابية التي فاوضت في جل القطاعات العمومية، وساهمت، بجدية ومسؤولية، في إقرار عدد من الاتفاقات سواء في التعليم أو الصحة، فضلا عن كونها نقابة ممثلة في البرلمان، واصفا استمرار الحكومة في نهجها الإقصائي على أنه مؤشر مقلق على مدى احترام التعددية والديمقراطية.
وأبرز الكاتب الأول للحزب أنه إلى جانب هذه الملاحظة المنهجية هناك خلط لدى الحكومة بين الحوار والمقايضة، حيث أنها تقايض تحسين الدخل والزيادة العامة في الأجور بملفات اجتماعية أساسية كأنظمة التقاعد وقانون الإضراب وقانون النقابات، مسجلا كذلك أن هناك ضبابية كبيرة حول جدوى الحوارات القطاعية خاصة أن رئيس الحكومة سبق له في بداية ولايته أن أكد على أهميتها باعتبارها روافد للحوار الاجتماعي المركز، معتبرا أنه بهذا الفعل هناك نوع من تنصل الحكومة مما تم التوصل إليه خلال الحوارات القطاعية.
وأكد لشكر على محورية النقابي وأهمية إخراجه من الفوضى، وفق ما يعزز العمل النقابي، وتدبيره ودمقرطته، مما يعيد الثقة للأجراء في التنظيمات النقابية ويؤطر الحوارات سواء قطاعيا أو مركزيا، ومراجعة القوانين المنظمة للانتخابات المهنية، وجعلها أكثر ديمقراطية وإنصافا خاصة في المعايير المجحفة والتميز الحاصل بين القطاع العام والخاص.
ومن جهة أخرى على المستوى العربي أكد الكاتب الأول على ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، ووضع حد لهذه الإبادة الجماعية، معبرا عن التضامن اللامشروط للاتحاد الاشتراكي والمغرب كله مع الشعب الفلسطيني في إقامة دولته فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
ومن جهته، وجه السفير الفلسطيني جمال الشوبكي التحية للمملكة المغربية ملكا وحكومة وشعبا، على الدعم المادي والمعنوي والتضامن اللامشروط الذي ما فتئت تقدمه المملكة المغربية للشعب الفلسطيني، كما وجه تحية تقدير للمجهودات التي يقوم بها جلالة الملك بصفته رئيس لجنة القدس عبر كل المبادرات والمجهودات المبذولة في هذا الإطار إزاء الشعب الفلسطيني والقدس الشريف والمقدسيين عبر كل الأنشطة والمبادرات التي تقوم بها وكالة بيت مال القدس.
كما ندد السفير الفلسطيني بنفس المناسبة باستمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية للشعب الفلسطيني الأعزل، واقتراف الجرائم الحربية إزاءه، ودعا إلى مزيد من التضامن والدعم للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يقاوم العدوان الإسرائيلي بصمود منقطع النظير وتماسك اللحمة العربية من أحل إقرار قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
كما تناول الكلمة في هذا الحفل الافتتاحي للمؤتمر الوطني الثامن للحزب كل من ممثل الشبيبة الاتحادية بالإقليم ونعيمة المكاوي الكاتبة الجهوية لمنظمة النساء الاتحاديات لجهة الرباط سلا القنيطرة.
وأكدت نعيمة المكاوي، الكاتبة الجهوية لمنظمة النساء الاتحاديات، أن الحزب يعيش دينامية غير مسبوقة، والتي تأتي طبعا في سياقات مهمة، ومن بينها ما يشهده الحزب من دينامية تنظيمية كبيرة على مستوى الجهات والأقاليم بالمغرب، ما يبين بالملموس القدرات الذاتية والمؤسساتية للحزب في صنع الحدث واستعادة المبادرة، وفي استيعاب يقظ لأدواره ومهامه المتواصلة في التأطير والاستقطاب والإقناع والإشراك في المعارك النضالية على اختلاف مواقعها، بما يعني أن الجسد الاتحادي معافى، وأن الروح الاتحادية مازالت تسري في شريان المجتمع، ومن بين الأولويات هي استثمار هذا الرأسمال من أجل مد جسور التواصل مع المواطنات و المواطنين و الإنصات إليهم والمساهمة في حل قضاياهم وإشكالياتهم على اختلاف مستوياتها.
وشددت المكاوي على أن حزب الاتحاد الاشتراكي سيظل هو الحزب الحامل للاختيارات والتوجهات الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية ذات الحمولة الديمقراطية والاجتماعية، والتي تدافع عن الحقوق والمطالب والحاجات المجتمعية التي لا يستقيم المجتمع الديمقراطي من دون تحقيقها، بل إن تمكين المواطنات والمواطنين منها يتوقف أساسا على ضمان المساواة والعدالة الاجتماعية.
وأبرزت القيادية النسائية أن الاتحاد في هذه المحطة التنظيمية كما في باقي المحطات، بقدر التزامه بقضايا الديمقراطية والحقوق والحريات، بقدر التزامه بالقضية النسائية التي ظل يعتبرها قضية مجتمعية، وجزءا لا يتجزأ من نضالاته المتواصلة، ويحرص بقيادة الكاتب الأول في كل المحطات على إيلاء التمثيلية النسائية حقها في التنظيمات الحزبية عموديا وأفقيا وكذا المنتخبة بما يضمن الإنصاف وتكافؤ الفرص ونصرة قضايا النساء بجميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد شكل التنظيم النسائي الاتحادي نواة صلبة في الحركة النسائية المغربية في جميع المحطات النضالية التي شهدتها المطالب النسائية المغربية من أجل المساواة والقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ومحاربة العنف الذي يطالها…
واستعرضت المكاوي أهمية المجهودات والنضالات والمعارك السياسية والاجتماعية التي قادتها النساء الاتحاديات للنهوض بأوضاع المرأة المغربية والدفاع عن حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية، وفي مقدمتها المشاركة السياسية والمساهمة في صنع القرار السياسي، وملف مراجعة مدونة الأسرة والتمثيلية النسائية في المؤسسات المنتخبة.
إلى هذا أكدت المكاوي أن الحاجة ماسة اليوم في ظل ما تعرفه البلاد من تطورات ومن رهانات، فضلا عن الإرادة الملكية، إلى مزيد من إشراك حقيقي للنساء في التنمية الشاملة للمجتمع عبر آليات التمكين من مواقع القرار في المجال العمومي الاقتصادي والحقوقي والسياسي والإعلامي….)، لأن ذلك يجسد بالفعل أحد العوامل المساهمة والحاسمة في إحداث ثورة ثقافية تقتلع جذور التمثلات التي تكرس دونية المرأة، وتعيد إنتاج الصور النمطية التي تتجاوزها التطورات المتسارعة في عالم العلم والمعرفة والتكنولوجيا والابتكار.
وبهذه المناسبة، جددت المكاوي التضامن المطلق مع النساء الفلسطينيات والشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية لإقرار حقوقه التاريخية المشروعة.
وعرفت هذه الجلسة الافتتاحية تكريم عدد من القياديين الاتحاديين الذين بصمت نضالاتهم تاريخ النضال الاتحادي بالعاصمة الرباط، ووصل صوتهم وإشعاعهم النضالي إلى كل ربوع المملكة، وفي مقدمة هؤلاء، المناضل والسفير محمد لخصاصي، والمناضل الاتحادي مصطفى الكثيري، المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير، والمناضلة الفذة رائدة الحركة النسائية أمينة أوشلح، والمناضل السياسي والنقابي الأصيل أحمد ابوه، رئيس النقابة الوطنية للتجار والمهنيين، والبرلماني حسن الخطار .
تعليقات الزوار ( 0 )