عقدت الأممية الاشتراكية الدورة الأولى لمجلسها الدولي برسم السنة الجارية يومي 6 و 7 يوليبوز بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، بحضور وفود وازنة ممثلة لأزيد من ثمانين حزبا اشتراكيا ومنظمات منتسبة وشخصيات مدعوة إلى جانب الرئيس جورج باباندريو والأمين العام لويس أيالا.

جدول أعمال هده الدورة تضمن مواضيع أساسية ضمن أجندة الأممية الاشتراكية وفي مقدمتها الأمن ومكافحة الإرهاب، أهداف التنمية المستدامة، التغير المناخي في أفق المؤتمر الأممي الواحد والعشرين بباريس أواخر السنة الجارية، إضافة إلى القضية الفلسطينية وإشكالية الهجرة والوضع في فينيزويلا.
واذا كانت كل هذه الموضوعات تندرج في صميم الراهنية الدولية، فان الجميع كان على وعي تام بأن قضية الصحراء المغربية تشكل الرهان الأساسي لهذه الدورة والنقطة المفصلية في جدول أعمالها، ليس فقط لأن المجلس كان مدعوا للاطلاع لأول مرة على تقرير ميداني حول الأقاليم الصحراوية ومخيمات لحمادة، ولكن أيضا لأن التفاعل المنتظر مع مضامين وتوصيات هذا التقرير أصبح يشكل عاملا حاسما في موازين القوى داخل الأممية الاشتراكية و يؤثر بشكل قوي في العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف بين الأحزاب النافدة في المنظمة. ولعل ما يؤكد الأهمية المركزية لقضية الصحراء في دورة نيويورك اعتبارين أساسيين:

الاعتبار الأول هو أن هذه الدورة تميزت وبشكل غير مسبوق بانعقاد اجتماع استثنائي طارئ للجنة البحر الابيض المتوسط من أجل الاطلاع على التقرير والبث في صيغته النهائية قبل عرضه على المجلس الدولي في جلسته العمومية، خصوصا وأن مناورات خصوم الوحدة الترابية المغربية كانت تسعى في البداية إلى تمرير التقرير مباشرة للمجلس من أجل تعويمه في نقاش فضفاض يعيد الملف من جديد الى وضعه السابق باعتباره يندرج ضمن المقاربة الأممية الكلاسيكية لتصفية الاستعمار، وذلك بمبرر أن لجنة المتوسط يتعذر عليها أن تعقد اجتماعا عاجلا لهدا الغرض نظرا لانشغال رئيستها الاشتراكية الاسبانية في الاستحقاقات الجهوية والبلدية ببلادها، غير أن تشبث الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بضرورة عرض التقرير على لجنة المتوسط قبل تقديمه للمجلس طبقا لما قررته في اجتماعها الأخير بفالنسيا وكدا المساعي التي قام بها في اتجاه الاشتراكيين الاسبان والأمانة العامة للمنظمة، فرض في النهاية ضرورة التقيد بالمقتضيات المرجعية المؤطرة لزيارة وفد الأممية الاشتراكية إلى المنطقة، وجعل الأمانة العامة توجه في الدعوة الى أعضاء لجنة المتوسط لعقد اجتماع طارئ حول الصحراء المغربية ساعات قليلة قبل انطلاق أشغال المجلس.

الاعتبار الثاني يخص تشكيلة وفود الأحزاب المعنية مباشرة بهذا التقرير والتي كانت تقودها شخصيات من العيار الثقيل ، حيث ترأست وفد الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني القيادية كارمن تشاكون سكرتيرة العلاقات الدولية للحزب ورئيسة لجنة البحر المتوسط للأممية الاشتراكية ووزيرة الدفاع سابقا في حكومة ثبلطيرو، وقاد الكاتب الأول إدريس لشكر الوفد الاتحادي المكون من حبيب المالكي رئيس اللجنة الإدارية للحزب ورئيس لجنة الهجرة للأممية الاشتراكية، محمد بنعبد القادر عضو لجنة الاخلاقيات للأممية الاشتراكية ، خدوج السلاسي رئيسة المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، وفاء حجي رئيسة الأممية الاشتراكية للنساء وعبد السلام الدباغ عضو لجنة العلاقات الخارجية للحزب، وقاد وفد حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية القيادي في الجبهة عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، أما وفد البوليساريو فقد ضم كلا من محمد سيداتي عضو المكتب السياسي للجبهة والوزير الوهمي المكلف بالعلاقات مع أوروبا، وأحمد بخاري ممثل بوليساريو في الأمم المتحدة.

لجنة الأخلاقيات:

جبهة التحرير الوطني حزب أوتوقراطي

كان واضحا أن كل طرف من الأطراف المعنية بملف الصحراء المغربية سينزل بكل ثقله للضغط والتفاوض والإقناع من أجل حسم الموقف النهائي لصالحه ، وكان الشوط الأول من هذه المعركة الدبلوماسية قد انطلق مع لجنة الأخلاقيات التي اجتمعت غداة انعقاد المجلس للبث في عدد من طلبات العضوية وتغيير العضوية وفقا لإعلان المبادئ والميثاق الأخلاقي للمنظمة، ومعلوم أن هده اللجنة تتشكل من الأحزاب الوازنة وفق توزيع جغرافي قاري يمثل بموجبه القارة الإفريقية حزبان أساسيان في التوازن العام للأممية الاشتراكية هما حزب الزعيم نيلسون مانديلا المؤتمر الوطني الإفريقي وحزب الشهيد المهدي بنبركة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، واذا كان دور المندوب الاتحادي محمد بنعبد القادر في هذه اللجنة حاسما في الطي النهائي لملف جبهة البوليساريو التي كانت تلتمس تغيير وضعها من العضو الملاحظ الى العضوية الكاملة على اعتبار أن الأمر يتعلق بتنظيم عسكري وليس بحزب سياسي ديمقراطي، فان طلب جبهة التحرير الوطني الجزائرية لتغيير وضعها من الصفة الاستشارية الى العضوية الكاملة لقي في اجتماع نيويورك نفس المصير الذي لخصه رئيس اللجنة الاشتراكي البلجيكي بأن الأمر يتعلق بحزب أوتوقراطي لا ديمقراطي وأن الدور السلبي الذي أصبحت تلعبه الجبهة في المشهد السياسي الجزائري ربما أصبح يتطلب إعادة النظر حتى في عضويتها الاستشارية داخل الأممية الاشتراكية.
تميز اجتماع لجمة الأخلاقيات كذلك بمداخلة المندوب الاتحادي حول طلب انضمام المنتدى العربي الديمقراطي الاجتماعي الى الأممية الاشتراكية كمنظمة منتسبة، حيث أبرز محمد بنعبد القادر السياق العربي العام لبروز هدا المنتدى والذي كان عقد مؤتمره التأسيسي بالرباط قبل سنتين في خضم تفاعلات الربيع العربي، وأبرز المتحدث أن المؤسسين لهذا المنتدى هم من القوى التقدمية العربية الأصيلة والرائدة في المنطقة كحركة فتح والاتحاد الاشتراكي والتكتل التونسي والاشتراكي اليمني والديمقراطي الاجتماعي المصري، كما قدم نبذة عن مبادئ المنتدى وبرنامج عمله وفعاليته النسائية والشبابية، لتتم بعد ذلك المصادقة بالإجماع على قبول عضوية المنتدى العربي الديمقراطي الاجتماعي الذي حاول الانفصاليون التسلل الى عضويته مستغلين انهيار الأوضاع في المنطقة واختلاط الأوراق والرهانات قبل أن يحسم الأمر في المؤتمر التأسيسي بالرباط .

لجنة البحر المتوسط،:

الصحراء قضية مصيرية وليست ملفا تقنيا

في بداية اجتماع لجنة المتوسط ذكرت رئيستها كأرمن تشاكون بسياق المهمة التي أنجزتها الأممية الاشتراكية بالأقاليم الصحراوية ومخيمات المحتجزين بتندوف، مستحضرة قرارات مجلسي مكسيكو وجنيف بخصوص إيفاد لجنة تفقدية الى المنطقة، ومؤكدة على المبادئ المرجعية لهده الزيارة كما سطرتها لجنة المتوسط في آخر اجتماع لها بفلنسيا، بعد ذلك أعطت الكلمة لرئيس الوفد الأممي الدبلوماسي الاسباني خوان أنطونيو يانيس الذي قدم الخطوط العريضة لتقرير الزيارة ومنهجية اعداده وخلاصاته الأساسية وتوصياته العامة، وكان أول المتدخلين بعد هذا العرض المندوب الاتحادي حبيب المالكي الذي قدم مرافعة قوية شكر في بدايتها رئيس الوفد وأعضاؤه ورئيسة لجنة المتوسط والأمين العام للمنظمة على كل الجهود التي بدلوها لإنجاح هذه المهمة، غير أن النجاح النهائي يضيف المالكي يبقى رهينا بمدى احترام الموضوعية والروح البناءة والتوازن في إبراز وجهات النظر والتوجه نحو المستقبل وتقديم الخلاصات الاستشرافية بدل الصيغ التأزيمية ، معتبرا أن التقرير يحتاج الى اعادة الصياغة الشاملة لتصحيح أخطائه الفادحة وتصويب تعبيراته غير الموفقة واستدراك اختلالا ته المنهجية مؤكادا في الختام على ضرورة إعطاء وجهة نظر المغرب مكانتها اللائقة لأن الأمر في تقدير الاتحاد الاشتراكي لا يتعلق بملف تقني أو قضية عاطفية، انها بالأحرى مسألة وطنية استراتيجية وذات صبغة مصيرية حاسمة.

مندوب البوليساريو تدخل بعد دلك لترديد اللازمة الانفصالية حول تصفية الاستعمار وتقرير المصير والموقف المبدئي الذي يتعين أن تلتزم به منظمة تقدمية مثل الأممية الاشتراكية.

وفي تعقيبها على المداخلتين أكدت كارمن تشاكون على حسن نية الوفد المكلف بإعداد التقرير رغم الهفوات المنهجية وصعوبة الترجمة من الاسبانية الى الفرنسية وطالبت رئيس الوفد بالشروع فور انتهاء الاجتماع في مراجعة التقرير واعدة صياغته ليكون جاهزا ليوم غد أمام مجلس الأممية.

المفاوضات حول التقرير:

المواقف قبل المناصب

مباشرة بعد ذلك عقد الوفد الاتحادي برئاسة الكاتب الأول اجتماعا طارئا لإعداد أرضية التفاوض مع الدبلوماسي الاسباني رئيس الوفد حول الصيغة النهائية التي يمكن أن تحظى بقبول الاشتراكيين المغاربة، ليبدأ كل من محمد بنعبد القادر وعبدا لسلام الدباغ مفاوضات مراطونية عسيرة في مكتب الأمانة العامة للأممية الاشتراكية بالطابق الرابع والثلاثين للفندق المقابل لمبنى الأمم المتحدة، ساعات طويلة ومضنية من الأخذ والرد والتصعيد والتأزيم ، وفي لحظة ما من توتر المحادثات بين الطرفين أصبح الوفد الاتحادي يفاوض بمنتهى الصرامة من أجل قبول كل مقترحاته التعديلية أو رفض التقرير جملة وتفصيلا مما كان سيعني الفشل الدريع للاشتراكيين الاسبان الدين أشرفوا مباشرة على هده المهمة ، وكان سيعني أيضا فشلا شخصيا للأمين العام للمنظمة لأنه فشل في اقناع الاتحاد الاشتراكي بالانضمام الى مجلس رئاسة الأممية الاشتراكية باعتباره الحزب الوازن في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط علما أن إدريس لشكر الكاتب الأول للحزب فاجأ لويس أيالا في آخر لحظة أنه غير راغب في تقلد منصب نائب الرئيس اذا لم يكن التقرير حول الصحراء منصفا للمغرب، ومع بروز الأشعة الأولى لصبيحة يوم الاثنين المنصرم كانت الصيغة النهائية للتقرير قد استقرت على إدماج كل التعديلات التي تقدم بها الوفد الاتحادي والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

اعادة صياغة تصريحات وأقوال الجانب المغربي الدي استمع اليه الوفد أثناء مهمته بالرباط والعيون بما فيها تدقيق المفردات و توضيح المواقف وتجنب البتر و الاختزال إبراز الأصول الصحراوية لبعض المخاطبين من المسئولين المغاربة الإشارة الى الجولة الاستطلاعية التي قام بها الوفد في مدينة العيون
اعطاء العناية اللازمة للمقابلة التي أجراها الوفد مع السيد محجوب السالك زعيم خط الشهيد
التشطيب النهائي على التوصية المتعلقة بتفكيك الجدار الامني باعتباره يعيق تنفيد إجراءات الثقة المتبادلة
التشطيب النهائي على التوصية المتعلقة بترقية وضع البوليساريو داخل الاممية من ملاحظ الى كامل العضوية كاجراء لتعزيز الحوار حول الصحراء التشطيب النهائي على كل ما من شأنه أن يوحي باستغلال المغرب للثروات الطبيعية للأقاليم الصحراوية التقيد بالمضامين الدقيقة لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة التأكيد على ضرورة انجاز إحصاء للاجئين في مخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية
الإبراز التام للأطروحة المغربية لحل النزاع حول الصحراء المغربية وخاصة مقترح الحكم الذاتي

من بلاغة الحرب الباردة الى حقيقة النزاع في الميدان

ضمن الفقرة المخصصة لتقديم التقارير وخاصة ما يتعلق منها بالهجرة والأخلاقيات والمالية قدمت رئيسة لجنة المتوسط ورئيس الوفد حول الصحراء التقرير النهائي الذي أعقبه تدخل للقيادي الانفصالي لمحمد سيداتي مبديا انه رغم الموقف الايجابي الذي يتخذه من هده المبادرة فانه يؤكد على الطابع الأساسي للنزاع والمتعلق في نظره بتصفية الاستعمار وتقرير المصير.

بعده تدخل محمد بنعبد القادر عن الاتحاد الاشتراكي ليشكر باسم الحزب وكافة التقدميين والديمقراطيين المغاربة الاشتراكيين الأسبان في شخص رئيسة لجنة المتوسط ورئيس البعثة الى الصحراء على جهودهم وحسن تعاونهم لانجاز هذا التقرير الذي أصبح يشكل وثيقة مرجعية أساسية لدى الأممية الاشتراكية في مجال فض النزاعات ، وأبرز المتحدث أن المنظمة باعتمادها لهدا التقرير تكون قد أحدثت تحولا نوعيا في مسار مقاربتها لمسألة الوحدة الترابية المغربية ، اذ بدل أن تواصل اجترار بلاغة الحرب الباردة وتكرار أسطوانة طرف واحد في نزاع مفتعل ومعقد، ها هي اليوم تنزل الى الميدان لتفحص الحقائق على الأرض وتستمع مباشرة الى الصحراويين وتلمس في تقريرها مدى تعلقهم بوطنهم المغرب ومدى رهانهم على الحل الأمثل المتمثل في مقترح الحكم الذاتي الموسع، ولتكتشف أن الأمر يتعلق بصراع جيو سياسي مفتعل بين المغرب والجزائر وليس بنضال شعب من أجل تقرير مصيره وانتزاع استقلاله.

وبتدخل المندوب الاتحادي ختم الأمين العام النقاش في الموضوع بإعلان مصادقة المجلس على التقرير، وهو ما سهل عليه مهمة الإعلان في ختام أشغال المجلس عن انتخاب ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالإجماع عضوا في مجلس رئاسة الأممية الاشتراكية باعتباره نائبا للرئيس إلى جانب زعماء عدد من الأحزاب الاشتراكية الوازنة من إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني

في البيان العام للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية