كيف هي أوضاع الاتحاد الاشتراكي اليوم؟
كما تعلمون، وكما أكدنا في أدبياتنا، الاتحاد حزب جماهيري. كان عنده وجود متميز في المجتمع، يمكنني أن أقول إنه كان الحزب الأول، وكان يجسد النبل في الدفاع عن الحق والمساواة، بل كان يجسد نموذجا للتضحية من أجل هذه المطالب.
إن تقرير هيأة الانصاف والمصالحة يوضح حجم التضحيات التي قدمها الاتحاد، لذلك كان التعاطف معه تلقائيا وكبيرا، وهو ما أدى إلى تحملنا مسؤولية الانتقال الديمقراطي، سواء في شكله المبتدئ سنة 1976، أي المشاركة في الانتخابات الجماعية، أو في شكله المتقدم حينما تحملنا مسؤولية قيادة حكومة التناوب.
لا شك أن قيادتنا للحكومة، وتسييرنا للجماعات والأقاليم، وكذا بعض العوامل الذاتية أثر في شعبيتنا، وهذا التأثير وصل قمته بعد سنة 2003، أي استقالة قائد الحزب عبد الرحمان اليوسفي. أن يستقيل من الحزب قائده ليس أمرا هينا، ولكم أن تتصورا مآل حزب ينسحب منه قائده مثل ربان ينسحب من السفينة دون أن يحدد الاختيارات
هل تعتقد أن انسحاب عبد الرحمان اليوسفي كان خطئا؟
أنا لست مؤرخا. الحكم يبقى للمؤرخين. أنا من موقعي أقول إن الحزب عاش مرحلة صعبة بعد نزول القائد من السفينة، بل إنه قد عاشها قبل استقالته، و تجلت في خروج ثلاث أحزاب من رحم الاتحاد في عهد أخينا عبد الرحمان اليوسفي، فضل عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
بعد ذلك جاءت انتخابات 2007 التي كانت كارثية بالنسبة إلينا، حيث فقدنا كل شيء، ودخلنا في صراعات داخلية حول تفسير ما وقع، واختلفت الرؤى. كل واحد من القيادات كانت له وجهة نظر فيما وقع، قمنا بجلد الذات في عدد من المحطات التنظيمية في محاولة فهم ما حدث، وما يحدث، ومحاولة إيجاد الأجوبة له، لكن مع كامل الأسف، هذا الأمر أدى الى تباعد وتنافر، كل طرف يحمل الطرف الآخر المسؤولية، إلى أن وصلنا إلى المؤتمر الثامن، الذي كاد أن يعصف بالاتحاد، لكونه أول مؤتمر لم يستطع الحزب إنهائه، وكنا مضطرين لشوط ثاني من أجل استكمال أشغاله، لكن الإيجابي في هذا المؤتمر أنه أطلق عهدا جديدا فيما يتعلق بانتخاب القيادة، والكاتب الأول بناء على التنافس عكس ما كان يتم سابقا.
هذا التنافس جعل الاتحاد الاشتراكي يتميز عن كل أحزاب المشهد السياسي في المغرب، فالكاتب الأول ينتخب من المؤتمر مباشرة، وليس من هيئة وسيطة، ربما هشاشة وضعنا كانت تجعل هذا الاختيار مقلقا وصعبا، وربما الذات الحزبية غير قادرة على اختيارات من هذا الحجم، ولذلك أحمد الله أن عود الاتحاد صلب، وهو ما مكننا من اجتياز المؤتمر الثامن ونصل إلى مرحلة المؤتمر التاسع.
قبيل المؤتمر التاسع أعلن ربان السفينة أخونا عبد الواحد الراضي أن الاتحاد يعيش “حالة انتحار جماعي”.
تلك هي الوضعية التي كان عليها الاتحاد حينما تحملت المسؤولية، بعد انتخابات شارك فيها رموز الاتحاد: الحبيب المالكي، وأحمد الزايدي، وفتح الله ولعلو، ولذلك حاولت بعض الأطراف نسف عملنا منذ البداية.
إن ما تعرض له الاتحاد من هجومات بسبب إبداعه في طريقة اختيار كاتبه الأول، الذي انتخب بالأغلبية المطلقة من المؤتمر، وتأسيس المنافسة كان أكبر من حجم المشهد الحزبي في بلادنا.
يمكنني أن أقول بكل اعتزاز أننا تجاوزنا مرحلة “الانتحار الجماعي” ونجحنا في معركة الوجود، الاتحاد لازال موجودا، ولا زال فاعلا أساسيا في المشهد الحزبي، واحتفظنا بنفس المكاسب، لدينا فريقان في البرلمان، ونلعب دورا داخل الأغلبية الحكومية، إنها ولادة جديدة للاتحاد الاشتراكي.
قبيل انتخابكم على رأس الاتحاد الاشتراكي تعهدتم بتحقيق المصالحة بين الاتحاديين، لكن كثير من المتتبعين يرون أنكم لم تحققوا هذا الهدف؟
قلت لك إن 3 أحزاب خرجت من رحم الاتحاد الاشتراكي ونحن نقود الحكومة، لكن خلال ولايتي عادت أحزاب كانت قد خرجت. إن أي محلل موضوعي، وبعيدا عن الإشاعات لا يمكن إلا أن يقر بهذا الإنجاز، لقد عادت أحزاب إلى حضن الاتحاد بعدما خرجت منه، لكن إذا تعلق الأمر ببعض النجوم الذين يرفضون المصالحة فإن المسيرة لن تتوقف بسببهم.
المصالحة تمت بعدما تم الاندماج بين الاتحاد و حزبين خرجا منه
لكن كثيرا ممن وصفتهم بالنجوم غادروا الحزب في عهدكم؟
كثير لفظة لا تفيد شيئا، ما معنى كثير؟، هل يمكن أن نتحدث عن “الكثيرين” إذا كان الأمر يتعلق بخمسة أو عشرة أشخاص؟
لكنها أسماء لها ثقل؟
إن أعضاء المكتب السياسي الذي كان إلى جانبي بعد المؤتمر التاسع يتجاوز متوسط العمر الذي قضوه في السجن خمس سنوات، أليست هذه أسماء لها ثقل؟ إن الرمزية والثقل تبقى نسبية.
اليوم لدينا 13 عضوا في لجنة التحكيم التابعة للحزب كلها أسماء كبيرة ولها ثقل كبير، لو كانت تشتغل هذه الأسماء مع معاول الهدم لقلتم لي إن ذلك كثير، ولكنكم لا تركزون على اشتغالهم وانخراطهم في الحزب، أنتم تبحثون دائما عن النصف الفارغ من الكأس.
لا أحد يمكن أن يتغاضى عن تاريخ الاتحاد الاشتراكي، لكن عددا من مناضليه يتساءلون اليوم هل الاتحاد مازال هو الاتحاد، أم لم يعد كذلك؟
من اتخذ قرارا بمغادرة الاتحاد لم يعد يعنينا في شيء، هل الذي خلق حزبا آخر، واختار مسارا آخر، أو دعم حزبا آخر يمكن أن يحسبه نفس على الاتحاد؟
من خرج واختار مشروعا آخر، سواء عن يسارنا أو عن يميننا، لا حق له في مساءلة الاتحاد بعد فشل مشروعه في الإطار الآخر. هؤلاء هم من يتحدثون اليوم، بعدما عقدوا الاجتماعات وتحدثوا عن التغيير، بعد ذلك فشل مشروعهم، وبدل أن نسائلهم عن فشل مشروعهم نجعل منهم قضية لمساءلة الاتحاد. لا حق لأحد في مساءلة الاتحاد إلا أبناؤه الأوفياء، الذين صمدوا، الذين استطاعوا أن يؤكدوا أنه لن يكون هناك بديل للاتحاد، وأنه سيبقى قائدا لليسار
هل تخلى عن الاتحاد أبناؤه، أم هو الذي تخلى عنهم؟
إنهم لم يفوا بالتزاماتهم، منهم من صعد البرلمان، ولم يؤد مشاهرته طيلة خمس سنوات. وعندما يصل الأمر إلى أن يكون الصعود عن طريق “الريع” عبر اللائحة الوطنية، ومع ذلك لم يؤد المشاهرة، ولو مرة واحدة لحزبه، فلا حق إذن للحديث عن النبل والأخلاق، ونحن أعلم الناس بأخلاق البعض وممارساته.
لكنهم يقولون أنكم استبدلتموهم بالأعيان، وبأشخاص لا علاقة لهم بالاتحاد؟
أين هو هذا الاستبدال، هؤلاء رشحناهم، ووضعناهم في لوائحنا، وكنا نظن أنهم سيشكلون قيمة مضافة للحزب، لكنهم لم يكونوا كذلك، أرجوك لا أريد أن أذكر الأسماء وأدخل في الشخصنة.
هل فعلتم مسطرة أداء المشاهرة والالتزام المالي؟
نعم فعلناها، والوزراء والبرلمانيون يؤدون، والمجلس الأعلى للحسابات يسجل أي اختلالات على مستوى مالية الحزب.
بكم يساهم برلمانيو الاتحاد في ميزانية الحزب؟
هذا شأن داخلي، ولكن تأكد أنهم يؤدون ما قررته الأجهزة الحزبية في هذا الشأن.
عرضت عليكم المشاركة في الحكومة بعد انتخابات 2011 ورفضتم، ما الذي جعلكم تتشبثون بالمشاركة بعد انتخابات 7 أكتوبر؟
نحن قمنا بتحليل، وقررنا أن لا نكون بعيدين عن المشروع الإصلاحي الذي يقوده الملك محمد السادس، وأن الأمر يتطلب الإصلاح من داخل المؤسسات، ورغم أننا كنا نقول إننا لا نرفض العمل مع رئيس الحكومة السابق كنتم لا تثقون بنا، وها قد تبين أنه هو الذي كان يرفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، لقد صرح أمام المؤتمر الوطني لشبيبة حزبه بأن الاتحاد فرض على العدالة والتنمية في الحكومة.
حزب العدالة والتنمية اتخذ قرارا بأن لا يكون الاتحاد الاشتراكي ضمن الحكومة، وظل يدغدغ العواطف، ويردد أنه منفتح على أحزاب الحركة الوطنية، أي الاتحاد والاستقلال من أجل أن يكونا معه في الحكومة، وأن الاتحاد هو الذي يرفض، هاهي الحقيقة اليوم قد انكشفت وتبين أن بنكيران لم يكن يريد من الاستقلال والاتحاد سوى تقوية موقعه التفاوضي، لقد كانت مناورة سياسية أفصح هو عنها بوضوح.
كيف تشاركون في حكومة أطرافها متنافرة، ورئيسها لا يريدكم ضمن فريقه؟
رئيسها السابق، وليس الحالي، لقد حلت المشاكل مع الرئيس الحالي، في الوقت الذي لم يكن من الممكن تشكيل الحكومة مع بنكيران.
إن رئيس الحكومة الحالي لا يكن حقدا للاتحاد، ولم يخرج في مظاهرة عند اغتيال شهيده عمر بنجلون، السي عبد الإله بنكيران خرج في مظاهرة لصالح قتلة بنجلون، هذا الحقد الذي عبر عنه في مفاوضات تشكيل الحكومة، هو الذي قاومه الاتحاد مع حلفائه.
لكن بنكيران عرض عليكم المشاركة في أول لقاء معكم أثناء مشاورات تشكيل الحكومة؟
نعم لقد عرض علينا المشاركة، وطلبنا منه أن يعلن ذلك، لكنه رفض.
وما الذي دار خلال اللقاء الثاني الذي جمعك به في منزله؟
في ذلك اللقاء، طلب مني مده بالأسماء المرشحة للاستوزار، لكنني عندما سألت رفاقه في القيادة ما إذا كانوا قد منحوا له الأسماء أيضا، أخبروني أنهم لم يتذاكروا في الأمر بعد، فعرفت أن الغرض لم يكن تسلم الأسماء، لقد كان الهدف تفجير الاتحاد وخلق المشاكل داخله، لقد اخترت عن وعي أن لا أقدم أي اسم، إلى حين الاتفاق على هيكلة الحكومة، ثم إنني لم أكن أملك أسماء جاهزة دون معرفة الحقائب التي ستسند لحزبي.
لقد تأنيت في الأمر، وتأكد لي في النهاية أنها لم تكن سوى مناورة، ومؤامرة من مناورات السي عبد الإله بنكيران.
لقد استمر بنكيران في رفضه لمشاركة الاتحاد، وأحدث بأنانيته أزمة في البلاد وتركها بدون حكومة لشهور، ولذلك جاء تدخل جلالة الملك في الوقت المناسب وعين الدكتور سعد الدين العثماني.
كيف تلقيت تعيين سعد الدين العثماني، وكيف تجاوزتم المشاكل السابقة؟
بكل صدق، كانت طريقته ومنهجيته في المشاورات مغايرة، ومختلفة، ولذلك نجح بسرعة في تشكيل الحكومة.
اعتبرتم أن مصلحة البلد تقتضي وجودكم في الحكومة، ما الذي جناه المغرب اليوم من هذه المشاركة؟
انظر على سبيل المثال إلى ورش اصلاح الإدارة الذي ندبره، الرأي العام يتابع ما نقوم به في هذا الورش، ونفس الشيء يقال عن موضوع الجالية، حيث بدلت الحكومة مجهودا كبيرا من أجل إرجاع أبنائنا من ليبيا، دون أن نتحدث عما تقوم به وزيرتنا أيضا في مجالها.
نحن مرتاحون لما يقوم به وزراؤنا في حكومة الدكتور سعد الدين العثماني.
كيف تلقيتم التصريحات الأخيرة لبنكيران التي هاجمكم فيها؟
مشكل أن يحضر رئيس الحكومة للتقريع من طرف شخص لم تعد له أية مسؤولية في مؤسسة حزبية. من غير المعقول أن يتم سب التحالف الحكومي بكلمات نابية، هذا نوع من التشويش على السيد
لشكر2/1: بنكيران يكن حقدا للاتحاد منذ خروجه للتظاهر مع قتلة بنجلون
تعليقات الزوار ( 0 )