أعربت الأممية الإشتراكية، في بلاغ صحفي لها على موقعها، عن تؤثرها الشديد برحيل عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول الأسبق، والكاتب الأول للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الأسبق، والذي شغل أيضا منصب نائب الرئيس الأسبق لمنظمة الأممية الإشتراكية، علاوة على كونه صديقا ورفيقا عزيزا، والذي وافته المنية عن عمر يناهز 96 سنة.
شهد التاريخ ولادة السياسي الفد، عبد الرحمان اليوسفي في مدينة طنجة، وقد أبان منذ شبابه عن توجهه السياسي الإشتراكي، مواكبا منذ سنوات مسيرته السياسية الأولى، الحاجة إلى حماية حقوق الإنسان، ومحاولا بكل قوته دعم الطبقة العاملة، خصوصا بمدينة الدار البيضاء وهو في سن 20 سنة فقط. غادر بعدها إلى فرنسا، في عام 1949 لدراسة القانون والعلوم السياسية، ولم يتوقف هناك عن الدفاع عن مبادئه، ملتزما بالعمل من أجل حقوق العمال المهاجرين المغاربة في الخارج. وفي وقت لاحق، عاد إلى الجزائر العاصمة، لممارسة مهنة المحاماة ما بين 1952 إلى 1960، قبل ان يصبح رئيسا لنقابة المحامين في ولايته.
في سنة 1953، وبعد خلع الملك محمد الخامس، ساهم السيد اليوسفي بدوره، في حركة المقاومة من اجل التحرير في المغرب، وفي سنة 1959 شارك ورفاقه، في تأسيس للإتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي سيتحول لقوة لمعارضة مركزية بالنسبة للنظام. شهدت هذه الفترة، من تاريخ عبد الرحمان اليوسفي، إعتقاله رفقة أعضاء آخرين من الحزب، قبل ان يحكم عليه بالسجن لمدة عامين، بتهمة التآمر ضد النظام.
في سنة 1965، غادر إلى مدينة باريس، وعاش في فرنسا في المنفى الطوعي لمدة 15 سنة، كما انه لم يتوقف عن نشاطه الحقوقي، في مجال حقوق الإنسان ولينظم على إثره إلى “إتحاد المحامين العرب”، وهي منظمة غير حكومية، عينته في طياتها كنائب للامين العام بها، ما بين سنوات 1969 إلى 1990. إشتغل أيضا بمؤسسات عربية ودولية أخرى، على غرار “المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، و”المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب” و”المعهد العربي لحقوق الإنسان”، في وقت كان يبحث له في المغرب، عن تهم جديدة شملت حتى عقوبة الإعدام.
في سنة 1975، تغير إسم الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلى الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، ومنه تم تعيين عبد الرحمان اليوسفي، كمندوب دائم خارج المغرب للحزب، قبل ان يصبح عضو في مكتب الحزب السياسي في 1978. عرفت سنة 1980، صدور عفو ملكي عن السيد عبد الرحمان اليوسفي، كما عاد في نفس السنة لأرض الوطن. تسلم عبد الرحمان اليوسفي، جائزة “الشمال والجنوب” في 1991، تقديرا لإلتزامه ومساهمته في مجال حقوق الإنسان.
تولى في سنة 1992، منصب الكاتب الأول، لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، وفي السنة الموالية، غادر اليوسفي مرة أخرى المغرب، إحتجاجا منه على التزوير الإنتخابي الذي وقع في 1993، قبل أن يعود في سنة 1995 إلى المغرب، بيد أن حزبه كان في أمس الحاجة إليه. فاز حزب عبد الرحمان اليوسفي، في سنة 1997 بالإنتخابات التشريعية البرلمانية، وعين رئيسا للوزراء، في تاريخ 4 فبراير 1998 من قبل الحسن الثاني، في منصب ضل يشغله إلى أكتوبر 2002. طوال فترة عمله في الحكومة، واصل عبد الرحمان اليوسفي، سعيه في تعزيز الحريات وحقوق المغاربة، وتحول لمعقل للديمقراطية الإجتماعية، ليس في بلده فقط بل وفي جميع أنحاء المنطقة.
لذلك، وليس من المستغرب، أن يكون عبد الرحمان اليوسفي، عضوا نشطا وملتزما في الأممية الإشتراكية، إذ يشرفنا أن نتذكر تفانيه وعمله الدائمين، في دعم مبادئنا وقيمنا الدولية. لقد شارك في حياته، في العديد من المجالس والمؤتمرات، المنظمة من قبل الأممية الإشتراكية، بما في ذلك المؤتمر 21 في باريس، والمؤتمر 22 في ساو باولو، لينتخب فيه نائب رئيس المنظمة. في تاريخ 1 أكتوبر 1998، إستضاف الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، النسخة الثانية من الندوة الدولية، لرؤساء بلديات المدن في مدينة فاس، تجمعا يضم اكثر من 250 عمدة للحكومات والمنظمات البلدية.
وقد شدد رئيس الوزراء الأسبق، السيد عبد الرحمان اليوسفي، في كلمته خلال الندوة الدولية بمدينة فاس، على أن القيم المشتركة للضيوف الحاضرين، مثل العدالة والتضامن والمساواة الإجتماعية والديمقراطية، علاوة على إحترام حقوق الإنسان، ضرورية لتهيئة افضل لظروف المواطنة الحقيقية. وخلال مجلس الأممية الإشتراكية، في سنة 1998 بمدينة جينيف، تم إعتماد قرار لدعم جهوده الرامية، إلى تعزيز العملية الديمقراطية، وسيادة القانون ومكافحة البطالة، وتحسين مستوى معيشة المواطنين المغاربة. في سنة 2001، إستضاف السيد عبد الرحمان اليوسفي، أعضاء منظمة الأممية الإشتراكية، خلال إجتماع أعضاء لجنة المنظمة، حول الإقتصاد والتماسك الإجتماعي والبيئة في الدار البيضاء، معلنا خلاله “حتى اليوم، اصبح الكوكب منقسما بحدة، والفجوات آخدة في الإتساع”، جملة تأكد تصميمه على بناء مجتمع، يسوده العدل بين الجميع. في 2002، إستضاف رفقة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، مجلس الأممية الإشتراكية في الدار البيضاء، حيث تمت الموافقة على قرار تاريخي، يخص الصراع القائم في الشرق الأوسط.
إن عبد الرحمان اليوسفي، على رأس الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، كان قائدا ملتزما ومخلصا في ما يرتبط، بنشاطاته داخل منظمتنا الدولية. لقد حظي الراحل بإحترام واسع النطاق في جميع انحاء العالم، كما حظي دوره كرئيس سابق للأممية الإشتراكية، بمستوى عالي من التقدير العميق، بين جميع رفاقه من كل قارات العالم. إنه لمن دواعي سرورنا وشرفنا، لقد عملنا سويا فيما مضى، وسنسعى ان تستمر ذكراه ضمن عائلتنا السياسية العالمية. إن مشاعرنا ونجوانا اليوم، مع كل من زوجته ماري-هيلين اليوسفي وعائلته، كما لا يسعنى إلا تقديم تعازينا الحارة، إلى حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وجميع أعضائه.
ترجمة: المهدي المقدمي
تعليقات الزوار ( 0 )