يونس مجاهد
من المفترض أن يكون الحزب، في كل المجتمعات عامل تطور وتحديث، لأنه ينسج روابط تضامن والتزام بين الأعضاء، مبنية على علاقات موضوعية، أهمها قناعات إيديولوجية وسياسية، مشتركة، وقوانين وضوابط، تنظم المسؤوليات والالتزامات، لذلك فالتنظيم الحزبي، في صورته النظرية المثلى، نقيض للقبيلة والطائفة والزاوية، لأنه يتجاوز ويتعالى على روابط القرابة والولاء والزبونية.
غير أن هذا النمط المثالي، لا يُحترٓمُ في العديد من البلدان، حيث تداخلت البنيات التقليدية، مع بنية الحزب، لتعيد إنتاج نفس العلاقات الأولية، التي يسميها عالم الاجتماع، إيميل دوركايم، التضامن الآلي، التي تسود المجتمعات البدائية والتقليدية، والتي تناقض التضامن العضوي، الذي يميز المجتمعات الحديثية.
ويمكن القول إن ما تعاني منه البنية الحزبية، في المغرب، هو تهديدها المستمر من طرف روابط التضامن الآلي، التي تنبني على العلاقات الأولية، التي لا تعترف بالروابط الموضوعية، التي تٌغٓلّبُ نظام الحقوق والواجبات، والمساواة بين الأعضاء، واعتماد معايير الكفاءة والنزاهة والمواظبة والتضحية والمحاسبة والشفافية، وغيرها من آليات التحديث.
وفي هذا السياق، يمكن تقييم العديد من المبادرات والنداءات، التي تأتي من أعضاء سابقين، لم تعد تربطهم بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أي علاقات قانونية/تنظيمية، بل منهم من أعلن قطع أي علاقة بهذا الإطار السياسي.
وهنا ينبغي التمييز بين أمرين: الأول هو أن المساهمة في النقاش الدائر حول هذا الحزب، سواء من أعضاء حاليين أو سابقين، أو من غير الأعضاء، أمر محمود، مادام يلتزم بالنزاهة والموضوعية وأخلاقيات الجدل السياسي والفكري. الثاني، هو أن محاولة التأثير في قرارات الحزب، والتدخل في شؤونه التنظيمية، من غير الأعضاء، أي من طرف الذين قطعوا كل الصلات به ولا يؤدون واجبات الانخراط، كشرط أولي، للانتماء لأي حزب، ولا يلتزمون بقراراته، التي تتخذها هيئاته التقريرية، ولا يشاركون في معاركه النضالية، ولا يحترمون عضواته وأعضائه، أمر غير مقبول، لأنه يخالف قانون الأحزاب، ولأنه يحتقر الأعضاء الملتزمين، تنظيمياً ومالياً ونضالياً.
فالانتماء للحزب، ليس وراثياً، أو أبدياً، مهما كانت المسؤولية السابقة، التي تولاها أي عضو، بل هو انخراط والتزام، طبقاً للقوانين الجارية، لأنها تضمن المساواة بين الأعضاء، في الواجبات والحقوق، وتساهم في بناء علاقات موضوعية، إذ لا مكان في الحزب لمنظومة الأنجال والأقرباء والإثنيات، فهذه روابط تقليدية، غير ديمقراطية، ولا توافق تاريخ حزب بني بسواعد وتضحيات القوات الشعبية، وليس من طرف الأرستقراطية.
تعليقات الزوار ( 0 )