البيان العام للمؤتمر العاشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
إن المؤتمر الوطني العاشر، للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقد أيام 19-20-21 ماي 2017، ببوزنيقة، وبعد مناقشة مستفيضة للتقريرين الأدبي والمالي، والمصادقة عليهما، وبعد عرض مشروعي التقرير التوجيهي والتقرير التنظيمي، على المؤتمرين، الذين تداولوا فيهما بعمق ومسؤولية، واقترحوا تعديلات هامة، فإنه يعبر عن تثمينه للعمل الجاد والكبير الذي قامت به كل من اللجنة التحضيرية، واللجنة الإدراية والمجلس الوطني، والذي امتد الى مختلف الجهات والأقاليم، حيث ساهم فيه مئات المناضلات والمناضلين، في إطار عملية تشاور وحوار و جدل واسعة، شَكّلَت نموذجا ديمقراطيا متميزا في التحضير للمؤتمر، بروح جماعية وانصات متبادل وإشراك شامل.
وبناءً على ماورد في هذه المشاريع والمساهمات، وكذا ما تضمنه التقرير الأدبي، ومختلف التدخلات التي طرحت أفكارا ومقترحات عملية وغنية، سواء في الجلسات العامة أو في اللجان أو في الجلسة الافتتاحية، فإن المؤتمر يستحضر:
أولا: الظرفية الذي ينعقد فيها على المستوى الوطني، والتي تميزت بمشاركة حزبنا في الائتلاف الحكومي، الحالي، كاختيار قررته أجهزته الوطنية ذات الصلاحية، والذي جاء ثمرة تطورات سياسية، دعت الحزب إلى السعي نحو تحقيق رؤيته وبرنامجه الإصلاحي، من داخل الحكومة، خصوصا، بعدما أكدت المشاورات، التي تعثرت لأكثر من خمسة أشهر، أن حزبنا كان ومازال مكوناً أساسيا، في المعادلة السياسية، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، ليس على مستوى الأغلبية الحكومية، فحسب، بل أيضا على مستوى التقاطب الذي حصل عند انتخاب رئاسة مجلس النواب، وهي العملية التي تبوأ فيها حزبنا مرتبة متقدمة، من خلال رئاسته لهذا المجلس، مما أكد، مرة أخرى، المكانة المتميزة، التي يحظى بها الإتحاد الاشتراكي، والثقة السياسية التي كانت حاسمة في نجاحه في هذه المحطة الهامة، و ما تلاها من تشكيل للحكومة.
ثانيا: السياق الإقليمي والدولي، الذي يتميز بتحولات فكرية عميقة، خٓفّتْ فيه الكثير من اليقينيات، بفعل التأثيرات المتسارعة والقوية للعولمة، التي تجلت في تغليب كفة الليبرالية المتوحشة وسيادة مطلقة لاقتصاد السوق، مما جعل هذا التطور المتواصل يؤدي إلى ردة فعل نكوصية وتراجعية، ذات طبيعة متأصلة في أنساق الهوية، تجلت أساساً في تنامي النزعات العنصرية والشوفينية والانغلاق والإنطواء، وكذا في انتشار التطرف الديني ، الذي يصل الى حد ممارسة الإرهاب وكعقيدة عمياء.
لقد شكلت هذه التحولات الملموسة، فرصة لانتشارالفكر اليميني والشعبوي ، سواء في مقاربته للواقع، بمختلف توابثه ومتغيراته أو من خلال تجلياته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، مما طرح جملة من التحديات على الأحزاب الإشتراكية في العالم بأسره، أرغمها على التأقلم مع هذا الوضع الجديد، في السعي نحو البحث عن أجوبة جديدة للأسئلة الكبرى التي تطرحها العولمة والتحولات المرافقة لها، بالنسبة لقضايا الاقتصاد والمجتمع، والدور الذي ينبغي أن تلعبه الدولة، وكذلك الموقف من الحركات الاجتماعية والثقافية، المتجددة والمستقلة، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالعدالة والمساواة والتضامن والبيئة والهجرة وحقوق الأقليات…، وهي قضايا مطروحة على حزبنا وعلى مكونات اليسار كلها.
ثالثاً: التغييرات والتحولات العميقة والنوعية، التي عرفها المجتمع المغربي، على مختلف المستويات الديمغرافية والسوسيولوجية والعمرانية، والتي غيرت بنيته، بشكل جذري، مما كان له تأثير جلي على الهرم السكاني وعلى التوزيع الجغرافي والتوازن العمراني، حيث تطورت حاجيات ومتطلبات متعددة، في إطار نموذج إجتماعي جديد، كان له تأثير واضح في تصور الأفراد والجماعات لعلاقتهم بالدولة وبالمؤسسات وكذا بالهيآت السياسية والنقابية والجمعوية، بالإضافة إلى انتشار جملة من مستجدات التواصل عبر التكنولوجيات الحديثة، مما كان له كبير الأثر في عادات وعلاقات الناس بمحيطهم المحلي والوطني والإقليمي والدولي.
إستناداً إلى هذه المعطيات السياسية والثقافية والإجتماعية، وبناءً على ما عرض في المؤتمر من مشاريع ومساهمات وتقارير، وما عرفه من نقاشات ومطارحات، فإن المؤتمر يؤكد:
1-على المستوى السياسي:
- ضرورة مواصلة الورش الذي فتحه الإصلاحالدستوري، خصوصا في محاوره الأساسية، التي عرفت أعطاباً وارتباكاً، في ظل التجربة الحكومية السابقة، والمتعلقة بالمكتسبات الحقوقية، والمرفق العام والحريات الجماعية والفردية، وحرية التعبير والصحافة، والتوجه الديمقراطي الحداثي المنفتح على الحضارات الإنسانية، بالإضافة إلى احترام حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وتفعيل مبدأ المناصفة كما ورد في الوثيقة الدستورية.
- السعي إلى تكريس “ملكية دستورية، ديمقراطية، اجتماعية، برلمانية”، طبقا لما ورد في الدستور، المتوافق بشأنه ، عبر توازن السلط، واحترام الصلاحيات الدستورية، وتوطيد المؤسسات على قواعد قانونية عادلة، والسهر على إستقلالية القضاء، وحماية المواطن من كافة مظاهر التسلط والقمع والإساءة والإهانة والإذلال، وتحصين المجتمع من تيارات التطرّف والغُلو، و من مختلف جماعات الضغط غير المشروعة، والقهر الاقتصادي والإجتماعي، وتعزيز آليات المواطنة الحقة، في مختلف مظاهرها السياسية والحقوقية والقانونية.
- مراجعة المنظومة الانتخابية، التي أثبتت، من خلال الإستحقاقات المتعددة التي شهدتها بلادنا، أنها في حاجة إلى تقييم شامل، سواء في المحور المتعلق بالعزوف عن التسجيل في اللوائح وفي المشاركة، أو في أنماط التقطيع والإقتراع والمراقبة، وأشكال التمثيلية، وغيرها منالقضايا التي تهم العمليات الانتخابية والخروق التي شابتها، من توزيع غير مشروع للأموال، تارة في إطار رشوة إنتخابية، وتارة أخرى، في إطار شراء مسبق للأصوات الانتخابية باسم الإحسان الخيري أوالديني أو ماشابه، مما يطرح التساؤل حول نجاعة العملية الإنتخابية ويشجع على العزوف.
- محاربة الفساد والزبونية والرشوة، ضمن مخطط شامل،وإرساء آليات الحكامة، لسيادة قواعد الشفافية، كشرط أساسٍ وحاسم للديمقراطية، ومحاربة اقتصاد الريع والمحسوبية، عبر تطوير الترسانة القانونية، سواء من خلال وضع قانون ديمقراطي للحق في الحصول على المعلومة أو في اعتماد قوانين ومساطر وإجراءات التنافسية وتكافؤ الفرص، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحسين علاقة الإدارة بالمواطنين، والشروع في إصلاح إداري يستجيب لحاجيات النجاعة والفعالية واحترام مبدإ المرفق العام، مع وضع برنامج واضح لتجاوز التمركز الإداري في أفق تعزيز الجهوية بالمغرب.
2 -على المستوى الاقتصادي والإجتماعي والثقافي:
- تعزيز دور الدولةعبر التدخل لصالح الفئات الاجتماعية الهشة والمتضررة في المجتمع، من خلال توفير شروط العيش الكريم، والحماية الاجتماعية العادلة، والرعاية الصحية، للحد من آثار الفوارق الطبقية والتأثيرات المتزايدة للعولمة والليبرالية المتوحشة، والعمل على رفع الحيف عن الفئات الفقيرة والمتوسطة التي اكتوت بنار الغلاء وسوء الخدمات العمومية، وخاصة منها الطبقة العاملة والتجار والحرفيين والفلاحين، وسن نظام ضريبي منصف، واعتماد سياسة اقتصادية وطنية، لصالح المقاولات المتوسطة والصغيرة، في مختلف جهات البلاد، لتشجيع الإسثتمار المنتج والإبتكار، عبر سياسة قروض جديدة، تتجاوز النظام المصرفي والبنكي الحالي، الذي لم يخدم سوى الفئات الغنية والمحظوظة.
- حماية المكتسبات الاجتماعية، التي حققتها الشغيلة،واحترام الحق النقابي، والحريات النقابية، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ومحاربة البطالة، من خلال تعزيز قدرات التشغيل، ورفع العزلة والتهميش عن العالم القروي، بكل الأشكال الممكنة والمتاحة، وعدم الانسياق وراء الحلول السهلة، التي تكون على حساب الجماهير الشعبية.
- اعتبار ورش إصلاح التربية والتعليم، إستراتيجي، بالنسبة لبلادنا، التي عانت من هدر متواصل، في أهم ركن من أركان وجودها، وهي مواردها البشرية، وفي هذا الإطار، فإنه لا يمكن عزل هذا الورش، عن إصلاح المدرسة العمومية، وعن متطلبات الحداثة والعمل على انخراط المغرب، في مجتمع العلم والمعرفة والإبداع، والإنفتاح على ثقافات العالم ولغاته الحية الفاعلة، وذلك بالتخلي عن كل الأغلال التراثية والثقافية واللغوية والمنهجية، التي يرزح تحتها التلاميذ والطلبة، والتي جعلت من تعليمنا نموذجا للفشل وإعادة إنتاج منظومة التخلف.
- التشاورالواسع مع مختلف الفعاليات الثقافية والإبداعية، من أجل وضع مخطط واضح ومضبوط، لتطوير مجالات الإنتاج الثقافي والفكري والفني والإبداعي، مع الاهتمام البالغ بالمكونات اللغوية للمجتمع المغربي، بتعددها وتنوعها، وخاصة اللغة الأمازيغية، التي عانت من التهميش والإقصاء، مما يستدعي تفعيل ما ورد في الدستور، بخصوصها، على أرض الواقع.
- وضع سياسات تنموية، بشكل يراعي التوازن بين الجهات، خاصة في المناطق التي تعرضت للتهميش، كما هو الحال بالنسبة لمنطقة الريف،حيث يعرف إقليم الحسيمة، إحتجاجات، نابعة من الإحساس بالظلم والمهانة، وبغياب مشاريع تنموية حقيقية، لإخراج المنطقة من عزلتها وتهميشها، على مختلف المستويات.
والمؤتمر إذ يجدد تضامنه مع الشعارات المرفوعة لرفع الحيف والتهميش، يؤكد أنه لا يمكن الخروج من هذا الوضع، اعتمادا على الحل الأمني، بل أساساً بالحوار مع الهيآت السياسية والنقابية والجمعوية، المحلية، ذات المصداقية، والبحث عن حلول جدية، مستعجلة وآنية، دون إغفال الإصلاحات المتوسطة والبعيدة الأمد.
- نهج سياسة واقعية، تراعي الحجم المتزايد لمغاربة العالم، ومساهمتهم النوعية، علىكافة الأصعدة الاقتصادية والإجتماعية والثقافية، والعمل على التجاوب مع حاجياتهم ومطالبهم العادلة، بالإضافة إلى الإلتزام بما وٓرٓدَ في الدستور، بالنسبة لمشاركتهم في الهيآت التمثيلية الوطنية.
3 – على المستوى الإقليمي والدولي:
- ضرورة إدراك خطورة التحديالإقليمي، الذي يجعل من بلادنا محوراً لمخطط متواصل للمس بوحدتها الترابية، من خلال مؤامرة تقسيمية، بدأت منذ أن تعرض المغرب للغزو الإستعماري.
إن استمرار هذا المخطط، المتمثل، على الخصوص، في تشجيع الإنفصال، في الصحراء المغربية، من طرف الدولة الجزائرية، لم يسعٓ إلى عرقلة مسار التنمية والإستقرارفي المنطقة، فحسب، بل ألقى بظلاله على مستقبل الشعوب المغاربية، التي تعاني من آثار هذه السياسة التي تهدد وحدة بلدنا ووحدة هذه الشعوب، وتقضي على كل فرص التكامل والتعاون الإقتصادي.
وقد تجاوز هذا التأثير السيء، المحيط المغاربي، ليصل إلى مجموع القارة الإفريقية، التي استرجع فيها المغرب، المبادرة، بفضل الديبلوماسية الشجاعة لجلالة الملك، محمد السادس، التي سارت على طريق قادة التحرر الأفارقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وكذا الدور الذي لعبته الديبلوماسية الموازية، والمبادرات الاقتصادية، التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، بالإضافة إلى مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الصحرواية، الذي كان له صدى إيجابي في هذه القارة، وفي المنتظم الدولي.
- التأكيد على حق الشعبالفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وتجديد التضامن التام والشامل مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ودعوة المنتظم الدولي إلى التخلي عن سياسة اللامبالاة، تجاه هذه القضية، لوضع برنامج ملموس جدي، من أجل إقرار حقوق الشعب الفلسطيني، وإدانة تواطؤ الدول التي تدعم الكيان الصهيوني في مخطط الإستعمار الإستيطاني.
- إدانة الإنتشار المقلق للفكر والجماعات الإرهابية، في المنطقة العربية والمغاربية، وأيضا في الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء، مما يشكل خطرا على الاستقرار والأمن في المنطقة كلها، و يفرض على الدول والقوى التي تخلق الشروط المواتية لتفشي هذا الخطر، تحمل مسؤوليتها.
- استنكار التدمير والتخريب والتشريد، الذي تعرضت له بلدان وشعوب عربية،نتيجة التدخل الأجنبي، الذي عمل على تعميق التناقضات داخلها، والدفع نحو الإشتباك في حروب أهلية ومواجهات طائفية، عبر تهميش المعارضة السياسية السلمية، وتمويل الجماعات المتشددة والدينية، ومدها بالسلاح والدعم البشري واللوجيستيكي، لخدمة مخططات التقسيم والتخريب.
إن المؤتمر الوطني العاشر، وهو يؤكد على الهوية الإشتراكية الديمقراطية، للحزب، ويعتبرنفسه جزءا من حركات التحرر والديمقراطية، في العالم، ويعتز بكونه قلب اليسار في المغرب، فإنه يسعى إلى أن تكون مواقفه ومبادراته، متسمة بالواقعية، عبر شعارات واختيارات قابلة للتنفيذ، و من خلال تحالفات وتنسيقات، تخدم مصالح الجماهير ومصلحة البلاد، ولا تناقض مبادئه وتاريخه.
و في هذا الإطار، يجدد وفاءه لصناع التحرير والديمقراطية، واستماتته من أجل صيانة وحماية ذاكرة الحزب، التي تزينها صُوٓرُ الشهداء والمعتقلين والمناضلين، الذين رسموا خريطة المجد والتضحية في هذا الوطن.
ويعتبر أن الآثار والتفاعلات الإيجابية، لنجاح هذا المؤتمر، ينبغي أن تتواصل، في برنامج حزبي، على كل الأصعدة الوطنية والجهوية والإقليمية والمحلية، منفتح على الطاقات الجديدة، والفئات الحية والشباب والنساء، وعلى قوى المجتمع المدني، وإدماج كل مناضلات الإتحاديات والمناضلين الإتحاديين، بناءً على الإخلاص لقيم الإتحاد الإشتراكي ومواقفه وقراراته.
ويثني على ثقافة الالتزام ضمن جدلية الحقوق والواجبات، التي ينبغي أن تسود في كل التنظيمات وبين كافة الأعضاء، إناثا وذكروا ومن مختلف الأجيال، على أساس سيادة قيم ومعايير الإستحقاق والكفاءة والنضالية والتضحية والتفاني والحضور الدائم في النضالات وداخل المجتمع، في علاقة وثيقة بالجماهير، من أجل التحضير المتواصل، لاستحقاقات 2021، التي يجب على حزبنا أن يربح رهانها، لأنه حزب الجماهير الشعبية، حزب الديمقراطية والكرامة والعدالة والمساواة.
عاش الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية،
المجد والخلود لقافلة التحرير والشهداء.
تعليقات الزوار ( 0 )