أيتها الاخوات أيها الإخوة،
تنعقد دورة مجلسنا الوطني مباشرة بعد إجراء الاستحقاقات الانتخابية ليوم 8شتنبر 2021، وما أفرزته من ملامح جديدة في المشهد السياسي والحزبي، وخلفته من أصداء إيجابية على الصعيدين الوطني والدولي. فها هي بلادنا مرة أخرى، تصنع نموذجها الخاص المتفرد بتوجيه من جلالة الملك، من خلال تنظيمها الجيد لكل الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجهوية والمحلية في يوم واحد على الرغم من إكراهات الجائحة. وهو ما يؤكد الحرص على تطوير البناء الديمقراطي وترسيخ دولة المؤسسات لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة والمقبلة.
ولنا أن نعتز بالمشاركة غير المسبوقة التي سجلتها هذه الاستحقاقات الانتخابية لحوالي 9 ملايين مغربية ومغربي، حيث تجاوزت نسبة المشاركة 50% على الصعيد الوطني، فيما تراوحت بين 58 و67% في أقاليمنا الجنوبية، مما يؤشر على وعي المواطنات والمواطنين وتعبيرهم عن التلاحم الوطني في إفراز مؤسسات منتخبة قادرة على كسب الرهانات المطروحة. إن هذه المشاركة المكثفة تمثل مكسبا كبيرا في مسارنا الديمقراطي، يؤكد وحدة وتلاحم كل مكونات هذا الوطن، ويترجم مرة أخرى الحقيقة التي كنا نرددها، وهي قوة مؤسسات البلد وصلابة وتماسك جبهته الداخلية.
ولنا أيضا أن نعتز بالأصداء الإيجابية التي خلفها التنظيم الجيد للعملية الانتخابية في أوساط المراقبين الدوليين الذين تابعوا أطوارها عن كثب، وبمواقف الإعجاب التي أبداها الرأي العام الدولي والعديد من الحكومات والهيئات الإقليمية والدولية.
ولذلك، لا بد لنا أن نرفع التحية عالية لأبناء وبنات الشعب المغربي لأنهم أعطوا إشارة قوية لكل المتربصين بكينونة ووحدة هذا الوطن، وحرصوا على التوجه بشكل طبيعي إلى صناديق الاقتراع في ظل الطوارئ الصحية، في الوقت الذي تعثرت فيه ديمقراطيات عريقة سجلت انتخاباتها مشارك ضعيفة. تحية إكبار للشعب المغربي الذي تعبأ لإنجاح هذه المحطة الانتخابية التي انبثق عنها مشهد حزبي جديد سيخلق التحول الضروري الذي تمليه الظرفية الحالية ويتطلبه التوجه الوطني نحو تحقيق الإقلاع التنموي الشامل.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
لا بد لا أن نتوجه إلى كل الأخوات الاتحاديات والإخوة الاتحاديين في السهول والجبال، في القرى والمدن، والذين كانت لهن ولهم مساهمة قوية في هذا المكسب الوطني، وفي وقف مسلسل التراجعات الذي عرفه الحزب منذ بداية الألفين.
لابد أن نتوجه إلى كل المرشحات والمرشحين الذين حالفهم الفوز، أو الذين كان بينهم وبين الفوز بعض الأصوات القليلة، أو الذين لم يحالفهم الفوز، لابد أن نتوجه إلى هؤلاء جميعا لنشكرهم على الجهد الذي بدلوه، وعلى العمل الذي قادوه وطنيا وجهويا ومحليا بمعية كل الاتحاديات والاتحاديين، وكل المتعاطفات والمتعاطفين معهم. ولابد أن نتوجه كذلك بالتحية لكل الأطر الحزبية التي أدارت وقادت الحملة الانتخابية انطلاقا من البرنامج الانتخابي والمتابعة الإعلامية والتواصلية والقانونية واللوجستيكية للحملة الانتخابية.
إن هذه التعبئة الحزبية الجماعية هي التي أدت إلى انبعاث جديد للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من خلال التقدم الذي حققه عن جدارة واستحقاق بحصوله على عدد مهم من الأصوات والمقاعد. وقد حقق حزبنا في هذه الانتخابات مكسبا كبيرا بعودته إلى المربع المتصدر للمشهد الحزبي من خلال ارتقائه في عدد المقاعد بنسبة 70%، حيث انتقل من 20 مقعدا في استحقاقات 2016 واحتلاله للمرتبة السادسة إلى 34 مقعدا في الاستحقاقات الحالية واحتلاله للمرتبة الرابعة، وهي مرتبة متقدمة على المرتبة الخامسة التي احتلها الحزب في انتخابات 2011. وقد لاحظتم جميعا ما لقيه هذا الانبعاث من تفاعل إيجابي، سواء في أوساط الرأي العام الوطني والدولي، أو في أوساط المنظمات السياسية الصديقة والقوى الاشتراكية في العالم.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
إن الأدوار الجديدة التي يتطلع إليها الاتحاد الاشتراكي في المرحلة القادمة محكومة بنفس المبدأ الأساسي الذي حكم مساره التاريخي والنضالي الطويل، وهو خدمة المصلحة العامة والوفاء للوطن أولا وأخيرا. ويكفي أن نذكر بأن الحزب ظل قوة اقتراحية لما فيه خير البلاد، منخرطا في تفعيل مختلف التوجهات الملكية في ما يتعلق بالمشاريع المهيكلة الكبرى والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية العميقة.

الأخوات والإخوة عضوات وأعضاء المكتب السياسي،
الأخوات والإخوة عضوات وأعضاء المجلس الوطني،
أجد أنه من واجبي عليكم أن أخاطبكم اليوم، في هذا المنعطف الانتخابي والسياسي الصعب الذي سيرهن مستقبل البلاد لمدة خمس سنوات، ستكون حاسمة في تحديد الاختيارات الكبرى للبلد وتنزيلها.
وبالطبع ستكون حاسمة في مستقبل حزبنا، في سعيه لاستعادة المبادرة كاملة في أفق أن يتبوأ الحزب مركز الصدارة انتخابيا مستقبلا، ذلك أننا يجب أن نكون دوما محصنين بالطموح، وطموح واقعي سواء بالنظر لتاريخ الحزب ومرجعياته، أو بالنظر لكفاءاته وقوته السياسية.
وهذه القوة السياسية مازلت أعتقد أنها أكبر من وزن الحزب الانتخابي، طبعا أنا مثلكم سعيد بنتائج الانتخابات، رغم كل الملاحظات في هذه المنطقة أو تلك.
سعيد أننا عدنا من بعيد قياسا بنتائج الانتخابات منذ 2007، وسعيد أننا استطعنا الرد على كل الأصوات والكتابات التي كانت تقول بنهاية الاتحاد الاشتراكي، بل إن البعض وصلت به الوقاحة لتنظيم جنازة رمزية للحزب، ليستفيق على طقس عزاء قريب من بيته، لا شماتة.
ولكن رغم كل هذا، مازلت ككاتب أول للحزب أعتبر أن هناك أمورا كثيرة علينا إنجازها، وتحديات كثيرة ستواجهنا، وأن هناك من أزعجته نتائجنا، وسيعمل ما وسعه الجهد لمحاصرتنا.
ونقولها بكل الوضوح الكافي: سيستمر الاتحاد الاشتراكي كما كان ومازال هو التعبير الأول عن الصف الحداثي التقدمي الديمقراطي.

الأخوات والإخوة،
لكي نفهم قيمة ما حصلنا عليه من مقاعد في المؤسسة البرلمانية وفي باقي المؤسسات التمثيلية، يجب أن نتذكر الحرب الشرسة وغير الأخلاقية التي شنت ضدنا، ومن اتجاهات متناقضة في أسباب هجومها على الحزب، ولكنها كانت متوحدة في هدف هزمه، وتحويله إلى حزب صغير؛
لذلك ربما حتى بعض مناضلاتنا ومناضلينا لن يقدروا قيمة ما حصلناه من نتائج.
لم نكن فقط نمارس طقسا انتخابيا، بل كنا كذلك نحصن حزبنا، وندافع عن وزنه السياسي، وعن استمرارية التعبير الاتحادي في المستقبل.
ليس أصعب من قيادة حزب مثل الاتحاد الاشتراكي الذي قاده زعماء وطنيون كبار، وفي ظرفية مثل هذه، وأنت مطوق بمقارنات ولو أن السياق غير السياق، والممارسة الحزبية غيرها، ليس في المغرب فقط بل في العالم كله.
ولذلك اسمحوا لي أن أحيي أخواتكم وإخوانكم في المكتب السياسي، ممن ترشحوا في هذه الظروف الصعبة، وممن لم يترشحوا وكانوا حاضرين أثناء الحملات الانتخابية بثقلهم الرمزي.
وأن أرفع الشارة عاليا لكل مناضلات ومناضلي المجلس الوطني وكافة المؤسسات الحزبية وعموم القواعد الذين كانوا في مستوى الرهان، مما يدل أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فعلا وليس ادعاء هو حزب استمرارية صمود وممانعة وأنه يكبر في الأوقات الصعبة.

الإخوة والأخوات،
أعرف أنكم تنتظرون بفارغ الصبر الموقف من المشاركة في الحكومة من عدمها.
والحقيقة أن الموقف النهائي هو موقفكم، وليس موقف الكاتب الأول للحزب أو المكتب السياسي.
فالمجلس الوطني هو من قرر المعارضة في أول انتخابات نظمت بعد إقرار الدستور الجديد، وهو كذلك من قرر المشاركة في الحكومة الحالية.
على أنه يجب أن أوضح بعض النقط الضرورية،
ولذلك سيكون من المهم العودة إلى الشعار المركزي لحملتنا الانتخابية.
ذلكم الشعار لم يكن للإثارة أو الماركوتينغ الانتخابي كما فعلت أغلب الأحزاب.
فالحزب الذي أغنى الأدبيات السياسية المغربية بمفاهيم: استراتيجية النضال الديمقراطي، والحزب السري، والأحزاب الإدارية، والتناوب التوافقي، وجيوب المقاومة والمنهجية الديمقراطية، والوافد الجديد، وغيرها من المفاهيم التي يستعملها اليوم الجميع، بل منها من هو موضوع أطروحات جامعية.
مثل هذا الحزب، لا يقنع سوى بأن يكون شعاره الانتخابي مكثفا لتحديات المرحلة، ومختزلا لبرنامجه ورؤيته للمرحلة.
قلنا: المغرب أولا: دلالة على ضرورة البحث عن صيغة لإشراك أكبر كتلة ممكنة في المرحلة، المقبلة بالنظر لأن النموذج التنموي الجديد يجب أن يرافقه أقل قدر من التوترات السياسي أو الاجتماعية، خصوصا وأن كل القوى سواء التي كانت جزء من الأغلبية السابقة أو المعارضة أعربت عن تبنيها لهذا النموذج التنموي وسعيها لتملكه إيجابا.
وقلنا بتناوب جديد، وقد أثبتت مخرجات العملية الانتخابية أنها رغبة الكتلة الكبرى من المواطنات والمواطنين والناخبات والناخبين، فبعد عشر سنوات من قيادة الحكومة من طرف حزب محسوب على إيديولوجيا الإسلام السياسي، كان الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وكذا حتى الوضع الإقليمي والدولي يقتضي تغييرا عاجلا، حتى لا ندخل في وضع أكثر احتباسا.
وكنا موفقين في أن هذا التناوب لا يمكن أن يكون إلا عبر صناديق الاقتر اع، حتى يكون أكثر قوة، فيكون محصنا بشرعية انتخابية وبشرعية دستورية، فتكون نتائجه أقوى، ولا بأس أن نعيد التذكير بمقتضيات التناوب التوافقي الأول الذي قدناه بحكمة وصبر على الأذى وتحمل للمسؤولية، فقد كان تناوبا محمولا على التوافق ولم يكن مسندا بدستور لم يكن يسمح للجهاز التنفيذي بما يسمح به اليوم، ولذلك نعتقد أنه كما لم يكن عذر للحزب الأغلبي السابق لعدم وفائه بتعاقداته، فكذلك لن يكون عذر لكل القوى التي سيتم تمثيلها في الحكومة مستقبلا، بل إننا نعتقد أن المحاسبة الشعبية في المرحلة المقبلة ستكون أقوى، بالنظر للآمال التي فتحتها هذه الانتخابات.
وقلنا بالديمقراطية الاجتماعية، وحين نتأمل خطب جلال الملك في السنتين الأخيرتين وخصوصا خلال مرحلة الجائحة، وتقرير النموذج التنموي الجديد، وبرامج الأحزاب الأربعة الأولى، نجدها كلها تتقاطع حول أولوية الاجتماعي دون التفريط في الديمقراطية.
صحيح أن حزبنا يقدم منظوره للديمقراطية الاجتماعية من خلفية تطور حصل داخل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، ولكن كذلك فإن الأحزاب الثلاثة الأخرى تنطلق مرجعيا من الوسط الاجتماعي، وبذلك فإن ممكنات التوافق كثيرة جدا ومتقاربة.
هذا يقودنا إلى نتيجة أولى وهي أن المواطنات والمواطنين أعطوا أصواتهم لهذا الخيار الديمقراطي الاجتماعي.
وهذا يعني أن موقع الاتحاد الاشتراكي بحسب أصواته ومرجعيه وبرنامجه وقوته السياسية وعلاقاته وتحالفاته ماضيا وحاضرا، هو أن يكون جزء من السلطة التنفيذية في هذه المرحلة.
تبقى مسألة واحدة، أن الأمور غير مرتبطة فقط بمخرجات العملية الانتخابية، بل بوجود عرض واضح نهائي ومفصل من طرف السيد رئيس الحكومة المكلف بتشكيلها الذي نجدد له تهانينا بالثقة الملكية.
هذا العرض هو الذي سيحد موقعنا النهائي.
نحن نعتبر أن موقعنا حسب نتيجة الانتخابات هو أن نكون جزء من الفريق الحكومي لمرافقة المرحلة الجديدة لتنزيل مقتضيات النموذج الجديد، لكن وفي نفس الوقت نحن حزب ديمقراطي، ونحترم المقتضى الديمقراطي في روحه وشكله.
روح الديمقراطية بالنظر للأصوات التي حصلنا عليها ووزننا السياسي وبرامجنا وتحالفاتنا في المرحلة السابقة يقود إلى أننا يجب ان نكون في الأغلبية.
لكن الشكل يربط هذا الحضور بالعرض الذي سيقدمه رئيس الحكومة المكلفة، وطبعا هو له تقديراته، وإذا كانت تقديرات أخرى سنحترمها وسيكون موقعنا هو المعارضة.
ولن نختبئ خلف بعض الصيغ الملتبسة مثل المساندة النقدية، فأصحاب المساندة النقدية في بداية حكومة السي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله، انتقلوا بعد ذلك للمعارضة الهوجاء بعد أن كادوا يزجون بالبلد في انقسام مجتمعي بسبب مناهضتهم للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، لولا حكمة جلالة الملك ويقظة القوى الديمقراطية.
فانتهاء الانتخابات يعني تشكل أغلبية ومعارضة، وليست هناك منطقة وسطى.
الأغلبية تعني أن نكون جزء من التدبير بكل ما يتطلبه الأمر من تفان وحرص على نظافة اليد وإنجاح عمل الحكومة، وحرص على الانسجام وتحمل المسؤولية الجماعية، والمعارضة تعني مرافقة المرحلة من بوابة الرقابة والمساءلة والنقد والتقويم.
وختاما فإن قوة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هي أنه لا يهاب لا المشاركة في الحكومة ولا المعارضة، فإذا شارك فهو مخلص لحلفائه، وقد خبروه، وإذا سارت الأمور في غير ذلك المنحى، فشعاره: المغرب أولا.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني

في البيان العام للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية