في لقائه مع الكتابة الإقليمية للحزب بفرنسا
ذاكرة القوات الشعبية كانت محور اللقاء الافتراضي عبر «فيديو كونفيرونس» جمع مناضلي الاتحاد الاشتراكي بأوروبا، ونظمته الكتابة الإقليمية بفرنسا، يوم 22 ماي، مع المناضل الاتحادي والحقوقي الأستاذ عباس بودرقة، الذي سرد مسار وتاريخ القوات الشعبية من سنة 1959 إلى حكومة التناوب التوافقي وعمل هيئة الانصاف والمصالحة سنة 2004، وهو مسار توج مسيرة طويلة من النضال من أجل مغرب ديموقراطي، والثمن الكبير الذي قدمه مناضلو القوات الشعبية، الذين تعرضوا لكل أشكال القمع والتنكيل والتعذيب وفقد بعضهم حياته ثمنا لهذه المسيرة.
ويعتبر المناضل والحقوقي عباس بودرقة أحد الشهود، الذين عاشوا وسط هذه المسيرة الطويلة، والذي كان وراء مبادرات كثيرة من أجل حفظ ذاكرة القوات الشعبية، كان آخرها كتابه «بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة»، الذي أبرز فيه التضحية الكبيرة التي قدمها مناضلو القوات الشعبية ثمنا لما ينعم به المغرب اليوم من حريات وتفتح.
وأكد عضو هيئة الإنصاف والمصالحة أن «الذاكرة لا يمكن حفظها إلا عن طريق الكتابة من خلال استعمال الأرشيف والوثائق المكتوبة أو الشفوية»، مشيرا إلى النقص الكبير الذي يلاحظه وسط الاتحاديين في هذا المجال، وذلك راجع إلى وضعية القمع التي تعرض لها التنظيم، وكيف تمكن شخصيا، رغم ظروف المنفى وكثرة الحركة وعدم الاستقرار، من مراكمة كم هائل من الوثائق التي تهم تلك المرحلة. والتي بدأ بعضها يأخذ طريقه إلى النشر.
وتحدث عن تجربة الإنصاف والمصالحة سنة 2004، والبحث عن أرشيف الإدارات، التي كانت معنية بالقمع في سنوات الرصاص، وغياب هذا الأرشيف في الإدارة المغربية، وهو الأمر الذي طرحته حكومة التناوب التي أثارت الانتباه إلى أن البلاد بدون أرشيف، وأن بعض الإدارات كانت ترميه أو تحرقه.
وتحدث عن المفارقة الكبيرة التي كانت بالإدارة المغربية، أثناء الأبحاث التي قامت بها هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي عثرت على الأرشيف حول أحداث 1965 بالدار البيضاء، حيث تم العثور على الوثائق حول الوفيات لكنها لم تكن موجودة بالنسبة لأحداث الدار البيضاء سنة 1981 أو أحداث 1990، وهو ما جعل الهيئة تعتمد على الشهادات الشفوية لقدماء الحراس والمسؤولين من أجل إيجاد قبور بعض الضحايا في هذه الأحداث المؤلمة التي عرفها المغرب.
وتساءل الأستاذ عباس بودرقة عن هذا النقص الكبير في الوثائق والأرشيفات، الذي يشكل حاجزا من أجل معرفة تاريخ وذاكرة الحزب، ولهذا فإن شباب اليوم لا يعرف العديد من الأحداث التي مر منها تاريخ الحزب وتاريخ المغرب في العقود الماضية.
«على المستوى الشخصي، يقول، عرفت أهمية المحافظة على الأرشيف وقمت بعدد من المبادرات الشخصية في سبيل ذلك، وقمت بحفظ العديد من الوثائق الحزبية والتنظيمية على المستوى الشخصي وبفضلها أنجزت كتاب «بوح الذاكرة إشهاد الوثيقة»، وهو تدوين لما عشته في أحداث 3 مارس 1973 موصولا بما نشأت عليه منذ صغري، مهتما بالوثائق وهواية جمعها.
عند وفاة محمد حرمة باهي سنة 1996، طرح علينا قضية جمع أعمال باهي والمحافظة عليها ونشرها، وقد أوصانا بذلك أحد أصدقائه عبد الرحمان منيف الذي قام بمبادرة، وهي كتاب «عروة الزمان باهي».
أعمال باهي، التي تركها لنا كانت تتضمن رؤية حول التطورات التي سوف يعرفها العالم العربي، وكيف تنبأ قبل جميع المتتبعين للأوضاع بالعالم العربي بإنشاء دولة كردية بالعراق.
الكتابة والوثائق مهمة، وهذا طرح علينا في هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي عالجت ملف أكثر من 800 من مجهولي المصير، ومنهم قضية المهدي بنبركة والحسين المانوزي، وأنا كنت أعتبر نفسي معنيا بهذه القضايا».
واسترسل الحقوقي بودرقة في حديثه قائلا: «كل من لوبيز والتونسي يعرفان الحقيقة، التونسي كان يسافر باسم الشتوكي، وكان باستمرار يكذب علينا. ولم يقل الحقيقة. وطلبنا تحكيما ملكيا في هذه القضية ولم يكن هناك أي تحفظ على الأمر.
ولكن في قضية المهدي بنبركة رغم مرور أكثر من نصف قرن لا نعرف أشياء كثيرة، خاصة من الجانب الفرنسي الذي لم يكشف كل الأرشيف حول هذه القضية».
وأكد بودرقة أن من أهم توصيات الإنصاف والمصالحة «عدم الإفلات من العقاب، والوثيقة التي كنا نسلمها للضحايا تقول إن الدولة المغربية هي المسؤولة عن الخروقات التي يتعرض لها الضحايا. والمسؤول القانوني عن الدولة هو الوزير الأول» .
«ونحن كهيئة للإنصاف والمصالحة لا نمثل القضاء، والقضاء بدوره كان متورطا في هذه الانتهاكات والمحاكمات التي لم تكن عادلة والتحقيق كان يتم تحت التعذيب. ونحن لسنا قضاة وما تم من انتهاكات تم تحت مسؤولية الدولة».
«أما التعويض المادي والاجتماعي وجبر الضرر والتغطية الصحية، يضيف المتحدث، فهو فقط جبر للضرر، لأنه لا يمكن أبدا تعويض الضحايا عما تعرضوا له. كما أن هيئة الإنصاف والمصالحة فرضت التغطية الصحية لصالح هؤلاء الضحايا. كما طالبنا بجبر الضرر للمناطق التي كانت تضم معتقلات سرية والمناطق التي كانت ساحة لأحداث مؤلمة مثل مدينة خنيفرة».
وأردف المتحدث قائلا إن «للاتحاد الاشتراكي فضلا كبيرا على المغاربة، فهو الحزب الذي قدم أكبر عدد من الضحايا في سنوات الرصاص، من خلال الإحصائيات التي قامت بها هيئة الانصاف والمصالحة، وهناك اليوم تشويه لهذا التاريخ». مؤكدا أن الاتحاديين الذين كانوا بالجزائر ، مثلا، كان يتم تخوينهم على اعتبار أن الجارة تدعم الانفصال بالمغرب. بعد أحداث مارس 1973 طلب المغرب بتطبيق اتفاقية الدفاع المشترك التي كانت تربطه بفرنسا، التي أجابت عن ذلك بالقول إن دخول المجموعات المسلحة إلى المغرب لم يكن بعلم السلطات الجزائرية، مضيفا في معرض حديثه عن الموضوع: «نحن كمناضلين اتحاديين بالمنفى الجزائري كنا نعتبر قضية الصحراء قضية وطنية، وهو الخلاف الذي كان مع الجزائر، وهو الأمر الذي جعل العديد من المناضلين يغادرونها وآخرون استمروا بالإقامة رغم الظروف الصعبة. بالرغم من أنها أغرتهم بإمكانيات كبيرة للدخول في مخططها، وهو الأمر الذي تم رفضه».
وفي ما يخص دعم الجزائر، يقول عباس بودرقة، باستثناء المرحلة الأولى، أي فترة حكم أحمد بنبلة، لم يكن هذا الدعم منعدما فقط، بل كانت العواقب وخيمة بالنسبة لمن يقع في أيدي المخابرات الجزائرية متلبسا بحمل السلاح من المناضلين المغاربة، أما بالنسبة لتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني واستقبال شباب صحراويين مثل الوالي مصطفى فهو عمل قام به اتحاديون زاروا منطقة تندوف سنة 1973 لمعرفة كيفية الاشتغال مع الصحراويين لمواجهة الاستعمار الإسباني، لكن اكتشفنا أن أي عمل غير ممكن بسبب الجزائر التي كانت تتحكم في كل شيء بالمنطقة ولا يهمها تحرير الصحراء المغربية من إسبانيا.
وفي ما يخص التناوب وما تم تداوله خاصة في الأوساط الاستقلالية، من كون التعقيد الذي أجهض تشكيل حكومة برئاسة امحمد بوستة، وقع بسبب الاختلاف حول وجود إدريس البصري من عدمه داخلها، فهذا غير دقيق بالمرة، يؤكد المتحدث، أما بالنسبة للملك الحسن الثاني، فلا تناوب بدون عبد الرحمان اليوسفي، كما أكد ذلك في رسالته الشفوية التي بعثها إليه أياما قليلة قبل تعيينه وزيرا أولا لحكومة التناوب التوافقي، والتي حملها إدريس جطو.
وبعد هذا اللقاء الافتراضي شارك عدد من المناضلين بأوروبا في النقاش حول ذاكرة القوات الشعبية.
باريس: يوسف لهلالي
تعليقات الزوار ( 0 )