عندما انطلقت ملحمة جيش التحرير من‮ ‬بولمان وتازة والحسيمة والناظور

يخلد الشعب المغربي،‮ ‬ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير،‮ ‬يومه الجمعة بأقاليم بولمان وتازة والحسيمة والناظور،‮ ‬الذكرى الـ66‮ ‬للانطلاقة المظفرة لعمليات جيش التحرير بشمال المملكة،‮ ‬والتي‮ ‬جسدت معلمة وضاءة في‮ ‬سجل ملحمة التصدي‮ ‬للوجود الأجنبي‮ ‬ومن أجل استقلال المغرب ووحدته وعودة جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في‮ ‬الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني‮ ‬والعائلة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن،‮ ‬معلنا رحمه الله عن انتهاء فترة الحجر والحماية وإشراقة شمس الحرية والاستقلال‮.


وذكر بلاغ‮ ‬للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أن هذا الحدث شكل محطة تاريخية زاخرة بأمجاد وروائع الكفاح الوطني‮ ‬وطافحة بقيم الصمود والتضحية والفداء،‮ ‬حيث كانت هذه الانطلاقة امتدادا طبيعيا لحركة المقاومة المسلحة التي‮ ‬خاضها المغاربة حينما انتهكت سلطات الاحتلال الأجنبي،‮ ‬حرمة المغرب واستفزت الشعور الوطني‮ ‬لأبنائه بنفي‮ ‬أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في‮ ‬الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني‮ ‬والأسرة الملكية الشريفة إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر‮.


وقد كان القصد من هذه المؤامرة النكراء هو تفكيك العروة الوثقى التي‮ ‬تربط بين العرش والشعب وإخماد شعلة الحركة الوطنية والنضال السياسي،‮ ‬فعم السخط كل شرائح المجتمع المغربي‮ ‬واندلعت المظاهرات العارمة بجميع أنحاء البلاد للتعبير عن مدى تمسك المغاربة بملكهم ووحدتهم وذودهم عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية‮.


وشكل هذا الحدث إيذانا بانطـلاق الشرارة الأولى لحركـة المقاومـة والفداء،‮ ‬حيث سارع أبناء إيموزار مرموشة وتازة والحسيمة والناظور إلى تنظيم جيش التحرير لضرب مصالح ومنشآت المستعمر،‮ ‬وتطوع المقاومون المتشبعون بروح الوطنية الصادقة والحماس الفياض والمتقد فداء لوطنهم وملكهم وخاضوا معركتهم المقدسة بشهامة وشجاعة ونكران للذات وأبلوا البلاء الحسن في‮ ‬مواجهة ضارية للمستعمر وزعزعة أركانه وإنهاء وجوده‮.


فمنذ أواخر سنة‮ ‬1954،‮ ‬بادر المجاهدون للحصول على السلاح وتأسيس خلايا وتشكيلات وفرق لجيش التحرير،‮ ‬وتم فتح مراكز للتدريب على استعمال السلاح وحرب العصابات والتخطيط لتنظيم الهجومات على ثكنات المستعمر متخذين من المنطقة الخليفية بشمال الوطن التي‮ ‬كانت تحت الحماية الإسبانية،‮ ‬مجالا لهذه التداريب العسكرية ولإعداد المخططات الاستراتيجية،‮ ‬والتحقت العناصر القيادية لحركة المقاومة آنذاك بالمنطقة الشمالية من الوطن للإشراف على تأطير جيش التحرير ليضطلع بمهام التحرير والخلاص من الاحتلال الأجنبي‮ ‬وعودة بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول،‮ ‬جلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن‮.


وفي‮ ‬شهر مارس من سنة‮ ‬1955،‮ ‬توجهت الباخرة‮ «‬دينا‮» ‬إلى رصيف شاطئ رأس الماء شرق مدينة الناظور قادمة من المشرق العربي‮ ‬محملة بالأسلحة،‮ ‬وهي‮ ‬العملية التي‮ ‬شكلت منعطفا حاسما في‮ ‬دعم انطلاقة جيش التحرير بالشمال وأيضا دعم حركة التحرير الجزائرية التي‮ ‬كانت المملكة قاعدتها الخلفية ودرعها الواقي‮ ‬تجسيدا لروح التضامن المغاربي‮ ‬والمصير المشترك‮.


وقـد تضافـرت الجهود وتكاثفـت المساعي‮ ‬لاستقدام باخرة محملة بالسلاح لدعم جيش التحرير المغربي‮ ‬وجيش التحرير الوطني‮ ‬الجزائري،‮ ‬حيث تولى قيادتها من المشرق المناضل المرحوم إبراهيم النيل السوداني‮ ‬الجنسية،‮ ‬ورست ليلة‮ ‬30‮-‬31‮ ‬مارس‮ ‬1955‮ ‬برأس كبدانة واقتربت من اليابسة بحوالي‮ ‬20‮ ‬مترا‮.


وعلى الفور،‮ ‬تم إفراغ‮ ‬حمولة الباخرة على‮ ‬يد أبطال جيش التحرير ليلا في‮ ‬جنح الظلام وقبل طلوع الفجر وبما‮ ‬يجب من الحيطة والحذر مستعملين قطيع الأغنام لإخفاء آثار أقدام المجاهدين حتى لا تكتشف السلطات الاستعمارية أمر عملية إنزال السلاح،‮ ‬ومدت الحبال من الباخرة إلى الشاطئ،‮ ‬وشرع الأبطال المغاربة والجزائريون من جيش التحرير المغربي‮ ‬والجزائري‮ ‬في‮ ‬الصعود إليها لنقل الأسلحة حيث انتهت عملية إفراغها من الأسلحة قبل الشروق‮.


واستمر الإعداد والتدريب والتخطيط وتمرير السلاح عبر ملوية إلى ايموزار مرموشة بإقليم بولمان والى مراكز جيش التحرير بإقليم تازة‮. ‬واستمر التربص والترصد إلى أن حل اليوم الموعود،‮ ‬يوم فاتح أكتوبر‮ ‬1955،‮ ‬حيث انطلقت عمليات جيش التحرير مستهدفة مراكز جيش الاحتلال الفرنسي‮ ‬وثكناته بايموزار مرموشة،‮ ‬وبعده في‮ ‬اليوم الموالي‮ ‬2‮ ‬أكتوبر،‮ ‬لتصل العمليات الهجومية إلى مراكز بورد واكنول وتيزي‮ ‬وسلي‮ ‬بإقليم تازة ومركز سيدي‮ ‬بوزينب بإقليم الحسيمة‮.


وقـد اتسعت رقعة المعارك في‮ ‬مناطق الشمال عموما وبإقليم تازة بوجه خاص،‮ ‬لتشمل العديد من الدواوير والمداشر التي‮ ‬اقترن اسمها بالاشتباكات والهجومات كما كان الأمر بالنسبة لبين الصفوف وجبل القرع وبوسكور وتيزي‮ ‬ودارن،‮ ‬وكلها معارك تكبد فيها المستعمر خسائر كبيرة في‮ ‬الأرواح والعتاد على أيدي‮ ‬المجاهدين الذين توالت انتصاراتهم وانضمت إليهم أعداد كبيرة من الجنود المغاربة المنضوين آنذاك في‮ ‬الجيش الفرنسي،‮ ‬فارين بسلاحهم وبنادقهم ورشاشاتهم،‮ ‬معززين صفوف المجاهدين من أعضاء جيش التحرير،‮ ‬فشكلت هذه الثورة العارمة ضغطا سياسيا على السلطات الاستعمارية،‮ ‬جعلها تذعن لموقف جلالة المغفور له محمد الخامس تجاه الحكومة الفرنسية التي‮ ‬ما كان لها إلا أن ترضخ لإرادة العرش والشعب وتضطر لفتح الحوار وإجراء المفاوضات من أجل استقلال البلاد وحريتها‮.


ويسجل التاريخ أنه بعد انصرام‮ ‬45‮ ‬يوما على انتفاضة أكتوبر‮ ‬1955‮ ‬المجيدة،‮ ‬كانت العودة المظفرة لبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس،‮ ‬ورفيقه في‮ ‬الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني‮ ‬والأسرة الملكية الشريفة إلى أرض الوطن‮ ‬يوم‮ ‬16‮ ‬نونبر‮ ‬1955،‮ ‬ليزف إلى شعبه الوفي‮ ‬في‮ ‬أول خطاب له في‮ ‬يوم العودة الميمونة،‮ ‬بشرى بزوغ‮ ‬فجر الحرية والاستقلال وتوحيد شمال المملكة وجنوبها ويقول قوله المأثور‮: ‬رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر‮.


وقـد خص جلالته رضوان الله عليه فيمـا بعد مدينة تازة بزيارته التاريخية‮ ‬يوم‮ ‬14‮ ‬يوليوز‮ ‬1956،‮ ‬والناظور‮ ‬يوم‮ ‬15‮ ‬يوليوز‮ ‬1956‮ ‬لتفقد مراكز جيش التحرير،‮ ‬تقديرا من جلالته لتضحيات المجاهدين وصلة الرحم معهم والترحم على أرواح شهداء معارك وملاحم جيش التحرير بشمال المملكة‮.


وأشارت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى أن أسرة المقاومـة وجيش التحرير لتغتنم هذه المناسبة لتجدد ولاءها وإخلاصها للعرش العلوي‮ ‬المجيد،‮ ‬وتؤكد استعدادها التام وتعبئتهـا المستمرة تحت القيادة الحكيمــة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة،‮ ‬معربة عن دعمها اللامشروط للمبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي‮ ‬موسع للأقاليم الجنوبية المسترجعة،‮ ‬باعتبار هذا المشروع‮ ‬ينسجم مع الشرعية الدولية،‮ ‬ويحظى بدعم المنتظم الأممي،‮ ‬ويعتبره المراقبون والمحللون الدوليون آلية ديمقراطية لإنهاء النزاع المفتعل بالمنطقة‮.


وأبرزت أن تخليد هذه الذكرى‮ ‬يوحي‮ ‬للأجيال الجديدة والمتعاقبة بواجب التأمل والتدبر واستخلاص الدروس والعبر والعظات في‮ ‬تقوية الروح الوطنية وشمائل المواطنة الإيجابية لمواجهة التحديات وكسب رهانات الحاضر والمستقبل تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لجلالة الملك الذي‮ ‬يحمل لواء بناء وإعلاء صروح المغرب الحديث وارتقائه في‮ ‬مدارج التقدم والازدهار لترسيخ دولة الحق والقانون وتوطيد دعائم البناء الديمقراطي‮ ‬والمؤسساتي‮ ‬وتطوير وتأهيل قدراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية،‮ ‬وتعزيز مكاسبه في‮ ‬كل مجالات التنمية الشاملة والمستدامة والمندمجة‮.


وإحياء لهذه الذكرى،‮ ‬ستنظم المندوبية احتفاليات رمزية ولقاءات تواصلية حضورية وعن بعد،‮ ‬ستدشنها‮ ‬يومه الجمعة باحتفالية حضورية بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بجماعة ايموزار مرموشة بإقليم بولمان؛ تليه احتفالية رمزية ‬غدا السبت بمقر النيابة الإقليمية بتازة،‮ ‬وندوة فكرية عبر التناظر المرئي‮.


وستتواصل هذه الفعاليات باحتفالية رمزية مع ندوة فكرية عن بعد عبر التناظر المرئي‮ ‬بمقر النيابة الإقليمية بالحسيمة،‮ ‬يوم الأحد المقبل،‮ ‬ولقاء تواصلي‮ ‬حضوري‮ ‬بمقر عمالة إقليم الناظور‮ ‬يوم الاثنين القادم‮.‬
كما ستحتضن النيابات الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير عبر التراب الوطني‮ ‬برامج احتفالية تؤثثها ندوات فكرية ومحاضرات وعروض وقراءات في‮ ‬الحدث التاريخي‮ ‬ومقاصده وأبعاده‮.


وبهذه المناسبة،‮ ‬سيتم تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير،‮ ‬وتوزيع إعانات مالية على عدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم،‮ ‬بالإضافة إلى إمدادات مالية لفائدة بنات وأبناء المنتمين من حاملي‮ ‬مشاريع اقتصادية ذاتية صغرى ومتوسطة‮.‬‮ ‬

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الفريق الاشتراكي يطالب بمنهجية تشاركية لأجل قانون إضراب يخدم المجتمع

بيان منظمة النساء الاتحاديات

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»