بعد محطة مراكش، حل الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر بمدينة أكَادير، وقدم ، خلال هذا اللقاء الجهوي الذي حضره أعضاء المجلس الوطني وكتاب الكتابات الإقليمية بجهة سوس –ماسة، عرضا متماسكا لكل المعيقات والمثبطات التي تعاني منها الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها بلادنا حاليا في ظل جائحة كورونا، بيّن بالأرقام والمعطيات حجم الآثار السلبية التي تركتها هذه الجائحة، ووقف عند المجهودات الجبارة التي قامت بها الدولة المغربية في هذا الصدد، والتي حظيت بإشادة دولية على ما بذلته سواء في التعبئة الوطنية وتخصيص غلاف مالي ضخم لتدبير المرحلة في سياق التصدي لتداعيات جائحة كورونا، أو في الإجراءات المتخذة على مستويات عديدة سواء في طابعها الاحترازي والتحسيسي التوعوي في صفوف المواطنين والمواطنات أو في حجم الدعم المالي المقدم سواء للأجراء المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي أو للفئات الهشة المتضررة التي وجدت نفسها غير مسجلة في هذا الصندوق ولا تحظى بأية تغطية صحية.
ورغم ذلك أبانت هذه الجائحة، يقول الكاتب الأول، عن اختلالات في هذا الجانب حيث ظل عدد كبير من الأجراء ببعض المقاولات والشركات خارج التغطية الصحية، لهذا نأمل من الحكومة أن تسرع وتبذل مجهودات مضاعفة وصارمة لتعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة في أفق 2022، وأضاف ” علينا أن نستخلص الدروس والعبر من تداعيات جائحة كورونا لتحصين اقتصادنا وتمنيعه وتقويته والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وضمان استقرار عملهم بالقطاع الخاص، لتجنيب بلادنا كارثة اقتصادية”، مبرزا أن ” كلفة هذه الكارثة كانت غالية حيث تكلف بلدنا أكثرمن مليار درهم يوميا في الصحة والتعليم ونفقات التدبير اليومي، وهذا ما كان له تأثير على القيمة المضافة وعلى مداخيل الدولة، بل سيجعل الوضع أكثر تأزما في السنة المقبلة إذا لم يتم التغلب على آثار هذه الجائحة ولم يتم تدارك المشكل من أساسه”.
فالتوقعات المالية، يضيف الكاتب الأول، تشير إلى احتمال تراجع المداخيل في سنة 2021، إذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن في ظل ظرفية الجائحة، مع تعميم التغطية الصحية وخلق مناصب الشغل والزيادة في الحماية الاجتماعية وجعل العاملين في القطاعين الخاص والعام متساوين في التعويضات العائلية، مما سيضاعف من مجموع نفقات الدولة إلى حوالي 60 ملياردرهم، أي إذا أضفنا إليها نفقات الدولة على الصحة والتعليم والتدبير الإداري اليومي الذي بلغ 30 مليار درهم.
وقال إدريس لشكر، في هذا اللقاء الذي حضره أعضاء من المكتب السياسي: (بديعة الراضي، نزهة أبا كريم، المهدي المزواري) والكاتب الوطني للشبيبة الاتحادية عبدالله الصيباري، إن جائحة كورونا لم تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني وعلى الحياة الاجتماعية للمواطنين فحسب، بل أثرت أيضا على الحياة السياسية ولاسيما على التدبير الحزبي، بحيث كان من الصعب على بعض الأحزاب التي انتهى أجلها القانوني عقد مؤتمراتها الحزبية والمجالس الوطنية في أوقاتها في ظل هذه الظرفية الاستثنائية التي شهدت انتشار الوباء وتزايد المصابين وسقوط عدد من الضحايا.
مضيفا أنه رغم هذه الصعوبة استطاع المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،عقد اجتماعاته بشكل مستمر لتدارس مختلف القضايا والمشاكل، مراعيا بطبيعة الحال في كل اجتماعاته كافة الشروط الاحترازية المتخذة من قبل السلطات الصحية المختصة.
بل كان حزبنا، يردف لشكر، الأكثر حذرا ومسؤولية وأكثر موضوعية في تقييمه وتشخيصه للوضعية الراهنية ببلادنا في ظل جائحة كورونا،حيث كان الحزب الوحيد الذي نزل بأرضية شاملة في الشهر الأول من بداية انتشار الفيروس، ضمت اقتراحات واضحة وتصورات سديدة لتفادي الآثار المدمرة التي قد تخلفها، لا قدر الله، هذه الجائحة التي عصفت باقتصاديات دول وبلدان أخرى.
وأكد الكاتب الأول أن حزبنا اقترح اجتهادا ماليا قوامه الزيادة في الضريبة على الدخل والثروة وسيكون هذا بمثابة مساهمة تضامنية في هذه الظرفية الاستثنائية حيث يراهن حزبنا على تحصيل حوالي 5 أو6 ملايير درهم من هذه الضريبة، كما يقترح المزيد من الاجتهاد لاستخلاص الأموال وجنيها والبحث عن تمويلات أخرى بهدف التقليل من حجم النفقات إلى 30 مليار درهم عوض 60 مليار درهم.
وقال إن البلاد اليوم تحتاج إلى صرامة حقيقية ووسائل عملية وجريئة للخروج من الإطار غير المهيكل إلى الإطار المهيكل وجعل جميع المستخدمين بالقطاعين الخاص والعام يخضعون لإطار قانوني واحد ولصندوق واحد ولتغطية صحية واحدة، كما اقترح حزبنا على الحكومة إعفاء المقاولات والشركات من الغرامات المترتبة عنها بخصوص عدم تسجيل المستخدمين في صندوق الضمان الاجتماعي الاحتياطي، إذا ما التزمت بتسجيل مستخدميها في التغطية الصحية.
ولم تقتصر اقتراحاتنا على المجال الاقتصادي والاجتماعي، فحسب، يسترسل لشكر ، بل طالبنا بإصلاح سياسي من خلال إدخال تعديلات على قانون الانتخابات، وقلنا في هذا الشأن:”إن المشاركة في الانتخابات الأخيرة كانت ضعيفة لا تنصف العملية الانتخابية برمتها ولا تنصف جميع الأحزاب، وتساءلنا كيف ستكون الانتخابات المقبلة إذا ما بقي الوضع على حاله، بحيث ستعرف هذه العملية أقل مشاركة إذا بقيت القوانين الانتخابية على حالها، لذلك طالبنا بالبحث عن مشاركة أوسع بإجراء تعديل، أولا على يوم الاقتراع ليكون وسط الأسبوع عوض يوم الجمعة خلافا لما جرت عليه العادة خلال الانتخابات السابقة. ثانيا، أن يتم الاقتراع للجماعات المحلية والمجالس الجهوية والبرلمانية في يوم واحد، وأن نعتمد في العتبة والكتلة الناخبة على عدد المسجلين في اللوائح لا على عدد المصوتين لأن هذه العملية، كما قلنا سابقا، غير منصفة لأغلبية الأحزاب.
وتساءل الكاتب الأول: كيف يعقل أن يحصل حزب على100 مقعد بعد أن حصل على مليون صوت، في حين حصل حزب آخر على نصف مليون صوت، ولم يحصل إلا على 20 مقعدا؟ لأنه تم احتساب عدد المصوتين عوض عدد المسجلين في العتبة والكتلة الناخبة وهذا ما تضررت منه عدة أحزاب، وكان بالإمكان أن يحصل الحزب المتضرر على نصف مقاعد الحزب الآخر الحاصل على مليون صوت لو أنصفته العملية الحسابية.
وإن وجدت اقتراحاتنا توافقا وقبولا من طرف معظم الأحزاب أثناء المشاورات، أي بضرورة إجراء تعديل على قانون الانتخابات لضمان مشاركة أكبر للناخبين،لأن الانتخابات الأخيرة لم تعرف سوى مشاركة 6 ملايين ناخب فقط (منها مليون ورقة ملغاة)من أصل 16 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية الأخيرة، ورقم هزيل وضعيف بحيث لم تتعد نسبة المشاركة 34 في المائة، وهي نسبة ضعيفة كما قلنا، فإن البعض رفض هذا الاقتراح وأراد إبقاء الأمور على حالها لأنها تخدمه، بل ربما بفضل ذلك الضعف في المشاركة تمكن من احتلال الرتبة الأولى.
إننا نروم من اقتراحاتنا أيضا، يضيف إدريس لشكر، محاربة الفساد الانتخابي من الرشوة عبر الإحسان أوالمال، وتحصين الانتخابات من كل ما يشوبها من وسائل غير شرعية وقانونية من خلال اقتراح تشديد العقوبات وتجريم بعض الأفعال وتصحيح بعض الاختلالات القانونية، والرفع من التمثيلية النسائية.
كما طالب حزبنا بإيقاف الريع كيفما كان، بما في ذلك تقاعد البرلمانيين وتوقيف ازدواجية التعويضات والاستفادة من أكثر من سيارة عن المهام، وطالب بعدم استعمال سيارات الدولة في الانتخابات، وبعدم استغلال الدين والمساجد ودروس محو الأمية والتعليم الأولي في الدعاية الانتخابية.
ومن جهة أخرى، قدم الكاتب الأول تشخيصا معززا بالأرقام عن الوضعية الحزبية التنظيمية لجهة سوس- ماسة والرهان المعقود عليها مستقبلا من أجل تغطية كل الدوائر الانتخابية والحضور في جميع الجماعات القروية والحضرية بجهة سوس -ماسة البالغ عددها 154 جماعة، وتعبئة 3200 مرشح بالجهة.
وحث الأجهزة الحزبية بالفروع والكتابات الإقليمية والكتابة الجهوية على ضرورة استرجاع الأخوات والإخوة الاتحاديين الغاضبين وكل الطاقات الحزبية المناضلة لفتح الحوار مع جميع المناضلين وفتح الأبواب أيضا لكل الطاقات الجديدة ولاسيما الشابة المبدعة والمجتهدة،ولجميع الفاعلين الجمعويين والاقتصاديين النزهاء الذين يشكلون طاقات مجتمعية نشيطة وخلاقة يأمل منها الحزب أن تكون إضافة نوعية للعمل النضالي والحزبي.
هذا وتفاعلت جميع التدخلات التي أعقبت العرض القيم، الذي قدمه الكاتب الأول، وبعثت برسائل عديدة للحلفاء والخصوم وللسلطات على حد سواء، لتؤكد جميعها أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان وسيبقى مدرسة اتحادية متراصة الصفوف، وأنها اليوم بهذه الجهة الواعدة جسم سليم،ومستعدة لمواجهة المستقبل بعزيمة ثابتة.
كما بعثت تدخلات كل من الإخوة الاتحاديين مصطفى المتوكل الساحلي وعبد السلام رجواني وبلخيرمسوس وإبراهيم أضرضور ومحمد جبري وفؤاد فرجي وحفيظ أكلاكال ومحمد بوعود وغيرهم برسائل إلى إخوانهم بالأقاليم وفي القيادة الحزبية لطمأنة الجميع بأن جهة سوس- ماسة سيكون لها كباقي الجهات دور كبير في الاستحقاقات المقبلة.
وبعثت بتلميحات وإشارات إلى الخصوم بكون النقاشات والاختلافات في الرأي لن تكون أبدا مبعثا لأي انقسام في الجسم الاتحادي، فالكل عازم على التوجه نحو المستقبل، وأرسلت رسائل إلى السلطات بأن الاتحاديين لن يسكتوا عن أي انحياز لأية جهة كانت في الانتخابات المقبلة،ويأملون من السلطات أن تتوخى الحياد التام تجاه المرشحين المتنافسين.
وكانت التدخلات أيضا عبارة عن توصيات أكدت في مجملها أن الاتحاديين والاتحاديات مبدعون ومبدعات حقا في الاختلاف وفي التجاوز أيضا، لكنهم يبقون دوما متراصين متحدين لمجابهة المستقبل بكل ثبات وإصرار وعزيمة، وأنهم على استعداد تام للانتخابات المقبلة من خلال التحضير لبرنامج مسطر يقوم على ثلاثة مداخل أساسية: مدخل تنظيمي، مدخل تمثيلي، مدخل تشريعي، فضلا عن تأسيس أفق جديد لتنزيل الجهوية الحزبية والتنظيم الجهوي على المستوى الإعلامي.
وكان اللقاء الحزبي العائلي والحميمي التي ترأسه الكاتب الأول،على حد قول الكاتب الجهوي عبد الكريم مدون، في كلمته بالمناسبة، انطلاقة فعلية وحقيقية ومساهمة فعالة تتجه إلى المستقبل، مستقبل مبني على الروح الأخوية الاتحادية وعلى السعي إلى استعادة حزبنا لزمام المبادرة في هذه الجهة العزيزة.
20 أكتوبر 2020
تعليقات الزوار ( 0 )