دعا الكاتب الأول للحزب ، إدريس لشكر أول أمس السبت بالرباط، إلى تشكيل قطب يساري قوي بمختلف الصيغ الملائمة والممكنة قادر على الاستقطاب والجذب.

وأكد لشكر، في كلمة له خلال ندوة وطنية في موضوع «في ضرورة اليسار»، نظمتها مؤسسة المشروع للتفكير والتكوين، أن السبيل الوحيد لبلوغ هذا الهدف هو إرساء الحوار مع كل الطيف اليساري ليكون اليسار رافعة أساسية لرقي وتطور المجتمع في كل مجالاته.

وشدد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال هذه الندوة التي احتضنها المعهد العالي للاعلام والاتصال، على ضرورة صياغة قوى اليسار لمنظومة فكرية وسياسية وطرح بدائل مدققة تقطع الطريق على مستغلي شقاء الناس.

وأوضح لشكر، أن اليسار المغربي منذ الستينيات من القرن الماضي، كان فاعلا في المشهد السياسي سواء على المستوى الدولي أوالوطني، مضيفا أن قوى اليسار على مر عقود لعبت أدوارا طلائعية في مقاومة الظلم والاستبداد والرجعية والقوى المتطرفة.

وأكد الكاتب الأول للحزب ، في هذا اللقاء الذي حضرته فعاليات من أحزاب سياسية، وأكاديمية ومجتمعية، على ضرورة جعل اليسار قوة قادرة على مواجهة الإسلام السياسي، مؤكدا في السياق ذاته على ضرورة مواصلة العمل من أجل المحافظة على أسس اليسار.
وتوقف لشكر على مجموعة من التحديات التي تواجه اليسار المغربي، حيث تساءل حول ما إذا كان يكفي التوفر على دستور متقدم كي تتحقق الديمقراطية؟، وعن ضرورة تحريك دورة الإنتاج، وكذا التباطؤ في السياسات الاجتماعية وحول البديل لسياسة الارتجال وأيضا ضرورة تأهيل بنيات السياسة الفوقية.
وأشار الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في هذا الصدد، إلى أن النموذج الزبوني في المجال السياسي سواء تعلق الأمر بالأعيان أو بالمرجعية الدينية الرجعية التي تستغل المشترك الديني من أجل استقطاب فئات أكثر هشاشة من بين التحديات التي يجب مواجهتها.

وفي هذا السياق قال لشكر إن مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية تفرض اليوم صياغة تصور عام للمشروع الاشتراكي، كما تتطلب من قوى اليسار المراهنة على تعبئة الطاقات التقدمية وتجميع القوى المتشبعة بالمبادئ الاشتراكية والقناعات المشتركة.

وأكد لشكر أن مكونات اليسار في الوقت الراهن في حاجة إلى نقذ ذاتي وإلى خط سياسي واضح المعالم، مضيفا أن المرحلة اليوم تتطلب الابتعاد عن الحسابات الضيقة والقطع مع التردد وجلد الذات وطي صفحة السجالات.

وأوضح لشكر في الإطار ذاته، أن مكونات اليسار ستظل وفية لتاريخها السياسي الذي نهل من البناء الديمقراطي مشروعا مجتمعيا تنمويا ينبني على تنزيل الدستور عبر قوانين متقدمة تعطي للنص التأسيسي المدى الذي يفتح المجال أمام قفزة نوعية في البناء الديمقراطي، وتنظيم سلطة الدولة وأجهزتها انطلاقا من مبادئ فصل السلط ومراقبتها وسيادة كلمة الشعب عبر الانتخاب الحر والنزيه والمحصن من اللوبيات، وكذا مواصلة الاصلاحات السياسية للوصول إلى ملكية دستورية برلمانية، ديمقراطية واجتماعية وتوطيد مكونات المناعة الوطنية وحماية الوحدة الترابية والوطنية ومواصلة الانخراط في المواثيق الدولية وكذا تشكيل قاعدة لجبهة ديمقراطية يقودها اليسار في مختلف مواقع تواجده في المجتمع سياسيا ونقابيا وحقوقيا وشبيبيا ونسائيا والعودة إلى النقاش المفتوح حول الإصلاحات التي عرفها المغرب في مرحلة الحراك.

ومن جانبه أشار الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، عبد السلام العزيز إلى أن اليسار بكل تلاوينه في العالم يعيش أزمة دفعته إلى التخلي عن عمقه الاجتماعي، وصعود تنظيمات أصولية معادية لليسار، الذي طالما تعرض للقمع والتضييق، الأمر الذي أربكه فكريا وجعله غير واضح الرؤية الاستراتيجية.
بالمقابل، أكد العزيز، خلال هذا اللقاء الذي أطره الاستاذ ادريس بنسعيد، أن اليسار المغربي ضرورة مجتمعية قوية تتطلب من كل مكونات الطيف اليساري الانخراط في قراءة نقذية لواقعه الحالي وموضحا أن تشخيص مكامن الخلل لن تكون إلا في مصلحة اليسار.

وتوقف الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، عند التحولات التي عرفها اليسار خاصة على المستوى الجهوي بظهور تنظيمات أصولية لأسباب ثقافية وبروز دعم مستمر للحركات المناهضة لليسار.
وشدد العزيز على ضرورة بناء يسار مستقل قوي، مشيرا في السياق ذاته أن الحركة اليسارية، التي تعرضت للقمع و التضييق، هي اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تشخيص أزمة اليسار وسياقاته المختلفة.

وأشار الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي إلى عدم قدرة اليسار على تدبير الاختلاف في المواقف السياسية وضعف ثقافة الحوار وكذا افتقاده الانصات الهادئ وما يصاحبه من صعوبة التواصل بالإضافة إلى كونه أصبح اليوم غير قادر على تأطير الحركات الاجتماعية والديمقراطية والنضالية الجماهيرية.
وبالموازاة، أكد العزيز على ضرورة قراءة تجربة التناوب التوافقي في سياقها السياسي، كما توقف عند ضعف اليسار بالمدن في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.

وقال الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، مصطفى لبراهمة أن اليسار يتوفر على شرعية تاريخية

ونضالية جعلته يصمد ضد الاختراقات رغم تشرذمه وتشظيه وتفاوت معارضته للنظام.

وأوضح لبراهمة أن اليسار شكل لعقود أمل المغاربة في التحرر والتقدم والعيش الكريم، كما كان على مدى تاريخه خزانا للأطر التي مد بها الحقل النضالي والكفاحي في المجال النقابي والحقوقي والثقافي والمجتمع المدني.

وأشار الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي أن اليسار استقطب النخب المثقفة والواعية الراغبة في الانخراط وتأطير نضال جماهير الشعب المغربي مضيفا أن اليسار جسد على مدى عقود المعارضة للنظام والرغبة في إصلاحه.

وبالمقابل أوضح لبراهمة أن مسار اليسار اعترته العديد من الاختلالات والأعطاب، تتجلى حسبه، في عدم قدرته على الانغراس في القوى الأساسية في التغيير، والتدبدب والضبابية في اختياراته بين الإصلاح والتغيير وحتى التطبيع مع النظام القائم والإندماج فيه.

وأضاف الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي أن اليسار أبان عن عدم قدرته على الحفاظ على تماسك تنظيماته وانقسامه المستمر، وضعف التواصل والتضامن بين مكوناته، ناهيك عن غياب ثقافة الوحدة التنسيق، التحالف، الإندماج.

وأبرز لبراهمة أن اليسار تخلي عن الحقول التقليدية التي كانت تغديه بالأطر، بالإضافة إلى عدم إعطائه الأهمية لمسألة الهوية، الدين، ولمسألة الأمازيغية وهي قضايا يتم تأطيرها اليوم من خارج اليسار.
وطالب الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي بعودة اليسار إلى الانغراس في القوى الأساسية للتغيير، والمساهمة في بناء حركة نقابية قوية والتنسيق داخلها والتحالف بين مكونات اليسار في الكتلة والديمقراطية وانفتاحه على القوى الوطنية، وبين مكونات اليسار بكل أطيافه من أجل إحداث التقاطب المطلوب داخل الحقل السياسي وأيضا الى التكامل والنضال من داخل أو خارج المؤسسة بالاضافة الى ضرورة الحفاظ على حد أدنى من التواصل والتضامن داخل اليسار بمختلف مكوناته وأطيافه.

ومن جهته قال عبد الواحد سهيل، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن ثقافة الاختلاف ملازمة للقوى الاشتراكية، مشيرا الى أن هذا العنصر يعتبر تحد لأنه يعني الغنى والتنوع ويعني كذلك التفرقة والتشتت وفي كثير من الأحيان تغليب التناقض الثانوي على التناقض الأساسي.

وأوضح سهيل أن الخلافات والاختلافات لها دور في بلورة فهم الواقع المتعقد باستمرار دوليا واقليميا ووطنيا وتحديد المهام المتولدة عن فهم هذا الواقع والمشروع المجتمعي والتحالفات والاستراتيجية والتكتيك المناسبين لهذا الفهم وهذه المهام والمشروع.

وقال عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن تحدى صياغة مشروع لليسار المغربي يقتضي منا أن نجعله ممكنا نظرا لقواسمنا المشتركة ونظرا لتطلعنا جميعا لبناء الدولة الديمقراطية بمؤسساتها ودستورها وحرياتها السياسية والمدنية وتوجهها الإنمائي وعدالتها الاجتماعية وحكامتها الجيدة وتكافؤ الفرص بين أبنائها وبناتها وجهاتها وتعابيرها الثقافية، وارساء التضامن بين مكونات مجتمعها ومساهمته في بلورة السياسات العمومية التي تخدم هذه الأهداف المسطرة ومراقبة الحاكمين على جميع القرارات السياسية والاجتماعية.

وبالمقابل أوضح سهيل أن صياغة البرنامج البديل وإن كان ممكنا لن يكون مجديا إذا لم نعمل جميعا على بلورته، خصوصا ونحن نعلم على أننا أقلية في المجتمع وأن واقع البلاد أفرز قوى سياسية لها مشروع مختلف بل ومضادا لهذا المشروع الذي نريد من ورائه تحويل المجتمع نحو أكبر عدالة اجتماعية.

وأوضح أن تعدد الأدوات والمواقف السياسية داخل الصف التقدمي الديمقراطي ­ اليسار ­ يشكل تحد موضوعي للعملية التحويلية داخل المجتمع مضيفا أن التعددية اليسارية لها ارتباط بالانقسامات التي طالت عددا من الأحزاب.

وأشار انه من بين المفارقات أن التقدم في مجال الحريات والممارسة الديمقراطية والدستورية يواكبه ضعف اليسار في المجتمع وتراجع قوته التنظيمية وكتلة ناخبيه وسلطة صحافته وقدرته على التأطير.
وأكد أن واقع اليسار اليوم يطرح على كاهل المناضلين التقدميين والاشتراكيين مهام النقد البناء والنقد الذاتي الرصين والموضوعي للوقوف عند مكامن الضعف ومنطقة الأخطاء والأخطاء المترامية لتوظيفهم في عملية المراجعة وإعادة الاعتبار والبناء، مهمة قيادة معارك الشعوب للمزيد من السلم والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وبدوره تقاسم نائب حزب الطليعة الديمقراطي، علي بوطوالة البحث عن اجوبة للاسئلة الراهنة حول واقع اليسار في المغرب، وعبر عن قلقه من وضعية الطيف اليساري المغربي.

وانخرط بوطوالة في مطلب ممارسة مكونات اليسار المغربي نقدا ذاتيا يمكن من تجاوز عوائق المرحلة الحالية التي يعانيها اليسار والتي تؤثر فيها بالإضافة إلى العوامل المحلية هناك عوامل جهوية فاليسار يتأثر بما يجري في محيطه، معبرا عن الرغبة في أن يشكل النقاش المفتوح اليوم حول اليسار، فرصة لانطلاقة جذرية تقطع مع الماضي وتعيد هذا المكون السياسي الأساسي والتاريخي إلى وهجه يربط بين البعد النضالي الاجتماعي والمؤسساتي .

وتوقف نائب حزب الطليعة الديمقراطي عند وضع العالم العربي الذي لا يمكن إلا أن يوصف اليوم بالرجل المريض بالنظر لكل المشاكل التي يجتازها سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وكذا في ذات الآن على الاخطار التي تحذق بالمغرب والتي لا يمكن تجاهلها.

وبدوره قدم بوطوالة تشخيصا لوضع اليسار المغربي، مشيرا الى ضرورة تأسيس جديد لمرجعياته في ظل التطورات التي يعيشها الحقل السياسي راهنا، متوقفا عند التحدي النظري الذي يروم من خلاله تحديا فكريا لليسار، أيضا عند التحدي السياسي لليسار الذي يستوجب خلق دينامية جديدة، وعند التناقض في الخطاب السياسي والممارسة مشددا على تميز واستقلالية اليسار.

لم تكن ندوة «في ضرورة اليسار»، التي نظمتها مؤسسة «مشروع للفكر والتكوين» بمناسبة عودة مجلة «مشروع» إلى الصدور سياسية بما تحمل الكلمة من معنى تسعى إلى لم شتات اليسار، وحشد مكوناته استعدادا للمرحلة القادمة، بل كانت لقاء فكريا وثقافيا لاستكمال «المشروع» «مهمة انخرطت في أدائها في الثمانينات من القرن الماضي مضيفة بأن زمن صدورها يختلف عن زمن عودتها إلى مشهدنا الثقافي في القرن 21 الأمر الذي يفيد ان عودتها ترتبط بضرورة تجديد وتطوير المفاهيم والمقاربات في زمن اختلطت فيه كثير من الأوراق.لم يتردد الأستاذ عبد الله ساعف خلال هذه الندوة، التي تميزت باستعراض للأفكار بامتياز، تراوحت فيها المداخلات بين التشخيص الراهن لواقع اليسار وطرح الأسئلة وبحث آفاق ومستقبل اليسار المغربي، في التأكيد أنه اليوم يجد نفسه أمام يسار مغربي تختلف قوته عن ذي قبل، وتساءل الباحث المغربي كيف يمكن للمجتمع المغربي أن يعيش التوازن وكأنه ليس في معادلة.واستحضر الأستاذ عبد الله ساعف في عرضه ،خلال هذه الندوة التي سيرها الأستاذ محمد الداهي، مبادرات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال عقد لقاءات متعددة في أفق إيجاد جواب عن سؤال حول مستقبل اليسار في المغرب.و توقف الباحث المغربي عند مجموعة من العناصر ذات طابع إشكالي في مقاربته لواقع اليسار المغربي في سيرورته التاريخية وباعتباره فاعلا سياسيا أساسيا في الحقل السياسي المغربي و بالنظر لقيمه وأيضا لديناميته في محيطه.وحاول الأستاذ عبد الله ساعف أن يقارب إشكالية الوحدة والتشتت منذ نهاية الستينيات التي تميز اليسار المغربي في مسار المجتمع المغربي في استرجاع لسيرورة التشرذم والتفرقة مما اعتبره مرضا بنيويا يتجلى أساسا في عدم قدرة اليسار على تجاوز الاختلافات. وسجل الباحث المغربي أيضا عدم قدرة اليسار المغربي على التجميع وهو اعتبره جزءا من التركيبة الذهنية لليسار التي تطبع سلوك اليسار في محطات مختلفة من الاستحقاقات الانتخابية، معتبرا أن الملكية البرلمانية المفتاح السري لتجاوز كل الإشكالات.وتوقف الأستاذ عبد الله ساعف عند البعد الفكري و النظري لدى اليسار المغربي كإحدى إشكالياته في علاقة مع تغيرات المنظومة الفكرية والمرجعية في العالم وأيضا في ارتباطه ببناء الأسس الفكرية لليسار، وكذا إلى أن عدم تدقيق هوية اليسار اليوم ضر باليسار بسبب الانفتاح والليونة.و استعرض الباحث المغربي أيضا مسألة المشاركة السياسية من خلال الممارسة الحكومية مستحضرا تجربة عبد الله ابراهيم في بداية الاستقلال وتجربة التناوب مشيرا في السياق ذاته إلى الكتلة التاريخية و أيضا إلى أن التمايزات في ظل أغلبية حكومية لم تعد واضحة مما يطرح السؤال كيف يكمن بلوغ ممارسة حكومية دون المس بالتوجهات الأساسية لليسار والتطور اليساري؟ وقد كان عبد اللطيف كمال الخبير بعدة منظمات عربية حاضرا بحسه الفكري الثاقب وهو يستحضر تحدي طلائع اليسار في بناء يسار قوي يوازيه تطور في الفكر اليساري القائم وليس الذي يبحث لنفسه عن مكان اليوم.فقد أشار كمال عبد اللطيف الى التحديات وإشكالات اليسار اليوم في المغرب، وقال «يبدو لي أن هنالك قلة قليلة تدرك عمق التحديات التي تواجهها طلائع اليسار في مجتمعنا فواقع الحال معقد جدا ورغم أني كنت من الذين ساهموا في اقتراح هذا الموضوع»وقال أن عنوان «في ضرورة اليسار «لم يكن يمتلك الجاذبية الضرورية ذلك أنه يحمل الكثير من الأسى فنحن اليوم نتحدث عن ضرورة اليسار، وهو موجود ونريد أن يبقى، إن رمالا تنفلت من بين أصابعنا وهناك أكثر من جهة ساهمت وتساهم في ما نحن عليه وأول الجهات التي ينبغي ذكرها هم نحن حتى لا نلصق معضلة اليسار بأطراف أخرى …»وتوقف عند رصد أفق فكري يسير نحو بلوغ يسار مغربي مغاير بأفق جديد وتصور جديد يحاول تجاوز كل الأعطاب التي ساهمت في تراجعه ومن خلال رفع كل التحديات التي تجعل منه يسارا يساير التحولات. قال الأستاذ محمد سبيلاالذي لم يتمكن من حضور هذه الندوة بسبب مرضه، في كلمة ألقتها بالنيابة عنه الأستاذة رشيدة بنمسعود، «أن التيارات الاشتراكية واليسارية قد أسهمت في تحقيق نقلة نوعية في الممارسات السياسية المغربية على المستويات والتنظيمية والفكرية». وأوضح محمد سبيلا أنه «يجب ألا تخفينا كلمة أزمة لأنها دلالة على الصراع وتدافع القوى أو الديناميات بعضها يحيا ويقاوم عوامل الفناء وبعضها في أفق أن يستمر ويزدهر في الحياة» مشيرا إلى التطورات التي عرفتها الحركات اليسارية في العالم في علاقتها بالاشتراكية، وتوقف في هذا السياق عند التجربة اليسارية المغربية التي عاشت في ظل تلاقح الأفكار الوطنية بالأفكار الاشتراكية.
وأشار محمد سبيلا إلى أن أزمة اليسار الكونية والعربية طالت اليسار المغربي ذاته الذي تبلور غداة الاستقلال إثر انقسام الحركة الوطنية بعد الاستقلال وبالضبط سنة 1959، حيث استقلت الحركة التقدمية كجناح مستقل وفاعل في التاريخ المغربي الحديث خاض نضالات مرة من أجل التحديث السياسي للدولة والمجتمع وذلك خلال عقدين من الزمن على الأقل خلال ما سمي بسنوات الجمر والرصاص.

وأضاف الباحث أن اليسار المغربي فقد، بعد التحولات العالمية المتمثلة أساسا في سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الاشتراكي على العموم، سندا مؤسسيا، وداعما سياسيا ومنبعا أو موردا فكريا، وذلك مقابل تنامي الليبرالية والنيوليبرالية وهيمنة المنظومة الرأسمالية ضمن ما أطلق عليه «نهاية التاريخ»، مشيرا إلى أن التحليلات اختلفت بصدد ما أسماه البعض فشلا وسماه آخرون سقوطا.

وقال محمد سبيلا إن بعض التحليلات ترجع هذا التحول الكبير إلى هيمنة البيروقراطية السياسية والنقابية والثقافية المذهبية وتحولها إلى طبقة متميزة أو نومنكلاتورا أوطبقة مرموقة مما أفرغ المشروع الاشتراكي من محتواه الاجتماعي والطبقي

وأضاف في السياق ذاته أن اليسار تعرض بعد هذه الفترة للعديد من الهزات بعضها فكري وثقافي وبعضها سياسي وخاصة بعد الانتقال من مرحلة الثوري إلى مرحلة الاختيار الديمقراطي الواضح وبخاصة خلال وبعد الفترة التي أطلق عليها مرحلة التناوب والصراعات المرتبطة به واللاحقة له.

وبدوره قال الأستاذ والباحث حسن السوسي، الذي ألقى كلمته نيابة عنه عمر بوعياش، نظرا لتواجده خارج أرض الوطن أن قوى اليسار المغربي تواجه تحديات على مستوى النظرية والخطاب السياسي كما على مستوى التواصل ومستوى البرنامج.

وأكد الباحث حسن السوسي أن إدراك مكونات اليسار ورفعه لهذه التحديات عمل أساسي في تقدمه واستمراره كعنصر هام من عناصر الحياة السياسية المغربية.

واستحضر الباحث المغربي في عرضه، وهو يتحدث عن تحديات النظرية و الخطاب التمييز المنهجي في مقاربته، بين التحديات النظرية وتحديات الخطاب تبسيطا للمقاربة وليس رفضا للترابط بينهما مستحضرا في الوقت ذاته بعض التحولات التي عرفتها مختلف المجتمعات حول مسمى العولمة الشاملة، وبعض ما ترتب عليها من مضاعفات من بينها العولمة.

وشدد حسن السوسي على ضرورة أن يتخذ اليسار اليوم لنفسه موقفا مبدعا وديناميكيا من هذه المعادلة المعقدة، مشيرا إلى أن البت في العلاقة مع هذه المعادلة هو الذي سيسمح بتحديد الجرعة التي يمكن لمجتمعنا هضمها عندما يتعلق الأمر بالانحياز إلى بعض القيم العالمية.

وأشار الى أن اليسار المغربي ليس وليد اليوم، وإنما هو وليد مرحلة سياسية مديدة عرفت تراكمات فكرية ونظرية على مستوى مقاربة قضايا الوطن والمجتمع وقضايا تدبير الشأن العام.

وأضاف إذا كان شبه مستحيل رصد كل التراكمات المتضافرة على مختلف هذه المستويات، فإنه ممكن المجازفة بمحورتها حول عدد من القيم شكلت رافعة لمجمل نضال قوي وتيارات اليسار المغربي منذ عشرات السنين بغض النظر عن التمايزات بينها على مستوى خلفيتها النظرية ذاتها في بعض أبعادها ومحدداتها.
وتوقف عند أهم القيم لتطور نضال اليسار، ويتعلق الأمر بقيم التحرر من ربقة الاستعمار التبعية وإكراهات الاستبداد السياسي أولا، وقيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص ثانيا، وقيم التنمية السياسية العامة التي يكثفها شعار البناء الديمقراطي بمختلف مؤسساته ثالثا، وقيم الحداثة والتقدم والانتصار لفلسفة حقوق الانسان رابعا.

وأكد على ضرورة أن يشتغل اليسار المغربي بجدية لتحديث خطابه العام حول المجتمع والدولة وما يتعلق بالممارسة السياسية وأهدافها المرحلية المدى، كي يواكب مستجدات الواقع، ولا يتخلف عن التحولات الحالة بالمجتمع والدولة والمقاربات المستجدة في هذا المجال، مضيفا أنه ينبغي على اليسار المغربي مغادرة نطاق اللغة الخشبية في مختلف المجالات، والعمل على ابداع ونحت مصطلحات نوعية تكون قادرة على الإلمام بالمعطيات والتفاعل معها في سياق تطور الخطاب النظري والسياسي للفاعلين في مختلف المجالات ، بما في ذلك المجالات التي لا تعرف التجدد والتطور إلا ما هو بطيء الوتائر مثل المجال الديني والايديولوجي والقيمي بوجه عام.وأوضح السوسي أن خطاب اليسار المغربي يعتبر على درجة كبيرة من التعقيد إلى درجة كونه صعب القراءة وتفكيك الرموز التي يتم نسجه بها بالنسبة للمتخصصين في تحليل الخطاب السياسي، فأحرى بالنسبة لمن لا يملك قدرا لو يسيرا من الثقافة والثقافة السياسية، معتبرا البرنامج السياسي عقدة العقد لدى اليسار المغربي سواء تعلق الأمر بطبيعة العلاقة بين البرنامج والتصور النظري لليسارـ أو بدرجة تمثل البرنامج لطبيعة المرحلة النضالية ومجمل تحدياتها وشعاراتها المركزيةـ أو بمدى قدرة البرنامج على تكثيف مجمل مصالح وطموحات الشعب بأسره وليس مصالح وطموحات فئات محدودة على اتساعها ما لم يكن هذا البرنامج برنامجا للوطن و لطبقات دون أخرى.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني

في البيان العام للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية