عبد السلام المساوي

أعتقد أن فهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يقتضي وضعها في إطار السياسات العمومية بالمغرب، لقد أصبح من الثابت في العقد السابق أن السياسة الحكومية تتوجه خاصة إلى الطبقات الوسطى, فنلاحظ سلسلة الزيادات في أجور الموظفين والنتائج المترتبة عن الحوار الاجتماعي، أنها تهم فئات صغرى ومتوسطة, لكن لا مكان فيها للفئات المعدمة والفقيرة والمهمشة… والتي تزداد حالتها سوءا سنة عن أخرى.
إن خريطة الفقر، ونتائج الإحصاء الوطني قد بينت مكامن الخلل في علاقة الطبقات الاجتماعية ببعضها البعض، وإذا كانت المؤسسة الملكية قد انتهت إلى هذا من خلال تدخل مؤسسة محمد الخامس للتضامن، فإن الوضع قد أصبح يستلزم تدخلات أعمق وأشمل توصل إلى الفئات الشعبية الضعيفة حقها في العيش الكريم من خلال الاستفادة من التجهيزات العمومية والخدمات الأساسية، ذلك هو جوهر المبادرة  الوطنية للتنمية البشرية.

 

الجماهير المجهولة

إن المتتبع للسياسة العمومية بالمغرب، سيلاحظ بدون أدنى شك أن ما يسمى بالجماهير الشعبية، حاضرة في الشعارات والخطابات، لكنها غائبة داخل البرامج الاقتصادية والاجتماعية، إنها حاضرة في اللحظات التاريخية الحرجة التي تفجر فيها غضبها من كثرة ضغط الحياة وصعوبة المعيشة، لكنها مغيبة في المخططات التنموية، ومما زاد في تعقيد الوضعية، وهو تعاقب حكومات من نفس التوجهات:

حكومات تقيم لكل ما هو دولي مكانته اللازمة, سواء تعلق الأمر بتوجهات صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي، أو الدول والمؤسسات الدائنة، لكنها لا تقيم وزنا لأي مؤشرات داخلية تنذر بكارثة اجتماعية.
وهكذا، ورغم انفجارات 65-79-84-92، فإن السياسات الحكومية لم تتمكن من استيعاب الدروس، لأنها باختصار كانت بعيدة عن اهتمام هذه الجماهير، وعن مشاكلها المعيشية  اليومية، إنها بعيدة عن همومها وتطلعاتها ولا يهمها إلا لغة الأرقام: التوازنات المالية، خدمة الدين الخارجي، مؤشرات النمو الاقتصادي، الإنتاج الفلاحي والصناعي، مداخيل الفوسفاط، عدد السياح، تحويلات المغاربة العاملين القاطنين بالخارج…. كل شيء  حاضر إلا المواطن الضعيف، المعدم، الفقير،  فذلك وشأنه وتحول بدوره إلى رقم يتم الاختلاف حول حجمه بين الأغلبية الحكومية والمعارضة البرلمانية أو الراديكالية.

استطراد/ في محله

لقد تركز اهتمام الدولة على المدن فتم تزويدها بالمؤسسات التعليمية والصحية والماء الصالح للشرب والكهرباء والواد الحار,فكان لابد لساكنة القرى من الاستفادة كباقي المغاربة، فهاجروا إلى المدن وأنشؤوا في وسطها وحولها أحياء لا تختلف عن القرى إلا من حيث الكثافة: أحياء صفيحية، عشوائية، غير قانونية من جهة، ولا تتوفر على أبسط البنيات التحتية أو الخدمات الاجتماعية من جهة أخرى، لقد تم خلق مدن هامشية تحرف سكانها يغلب عليها الطابع القروي: بيع الخضر والفواكه، كراء خدمات العربات المجرورة بمختلف الدواب….

ومما زاد في ترسيم هذه الوضعية، هو أن المنتخبين أنفسهم لم يهتموا بهذه الأحياء، فعرضوها للإهمال، وتركوها تتخبط داخل مثلث رهيب:  فلا الدولة حاضرة، ولا الأحزاب مؤطرة ولا منتخبون مهتمون، فكان لابد من فك هذا الحصار.

من يفك الحصار؟

 

تصارعت الأحزاب السياسية لفترة طويلة حول أحقية تمثيل “الجماهير الشعبية” التي  كانت تضم في معانيها طبقات وفئات يصعب الجمع بين مصالحها: الطبقة العاملة، الفلاحون الصغار،المهمشون،  الفقراء، البرجوازية الصغرى… كلها شرائح يمكن إدماجها بسهولة ضمن هذا التعبير. إلا أن المحير للأذهان بالنسبة لهذه الأحزاب السياسية هو أن هذه الجماهير الشعبية  التي تنتقض بعنف بين الفينة والأخرى، والتي تملأ شوارع فاتح ماي، هي نفسها الجماهير التي تستقبل صاحب الجلالة في كل تحركاته بصدق وحماس منقطع النظير. أما المنتخبون، فإن اختلاف مصدر انتخابهم جعلهم يتصارعون عن أحقية  تمثيل “الجماهير الشعبية” ولم يشفع لهم في ذلك كون الانتخابات كانت وطنية أو محلية،  مباشرة أو غير مباشرة، عادية أو مهنية، وسواء ترشحوا باسم هيئات حزبية أم لا، وهل كان ترشيحهم الحزبي عن قناعة أم لا، وسواء فازوا عن جدارة أم بواسطة المال،  وسواء في ذلك أن يكون مصدر هذا المال حلالا أو حراما.. فإن الجماهير التي يدعون تمثيلها لم تكن في جلها إلا دمى متحركة ….
إن غرضنا من هذه الإشارات هو التذكير بأن الالتحام بين العرش والشعب في المغرب قد وصل مرحلة يصعب معها وضع الحواجز بينهما مهما كانت مصداقيتها. فالأحزاب الوطنية والديمقراطية قدمت النفيس والغالي لكن حجم تطلعات هذه الجماهير الشعبية تفوق بكثير قدرة الحكومات… ولو كانت في إطار انتقال ديمقراطي.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

أوجار بين الحكامة و السندان

الملك يريد عملية إحصائية للسكان بمناهج خلاقة

الحكومة المغربية تهرب التشريع المالي

المستقبل يبدأ من … الآن من أجل نَفَس ديموقراطي جديد