بقلم بن يونس المرزوقي عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
أسفر المؤتمر الوطني الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن اعتماد أسلوب جديد لاختيار أعضاء المكتب السياسي، ويتمثل ذلك في اقتراح لائحة من قبل الكاتب الأول للحزب أمام المجلس الوطني الذي له صلاحية قبولها أو رفضها. وقد كانت هذه الطريقة محط مناقشات موسعة، سارت جلها في اعتبار أنها وسيلة مثلى لتحديد المسؤوليات بشكل دقيق، باعتبار أن الأمر سيتعلق هذه المرة بفريق يُفترض فيه أنه متكامل ومنسجم.
وقد اقترح الكاتب الأول لائحة تمت المصادقة عليها، وهي تتكون من 49 عضوا، (سينضاف إليهم، بالصفة، كل من رئيسي الفريقين النيابيْن بمجلس النواب ومجلس المستشارين). ولذا، سأحاول هنا التعرف على تشكيلة المكتب السياسي الجديد من زوايا مُتعددة للوقوف على مدى نجاح الكاتب الأول في اختياراته، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل المعلومات تم اعتمادها بناءً على ما هو منشور في مختلف وسائل الإعلام.
أولا: في اعتماد أسلوب جديد لاختيار أعضاء المكتب السياسي
إن اعتماد أسلوب منح صلاحية تشكيل المكتب السياسي للكاتب الأول، قد فرضته اعتبارات عديدة، يأتي على رأسها هاجس البحث عن الفعالية في تشكيل “فريق العمل” المنسجم والمتكامل. ويتمثل الانسجام في أن الكاتب الأول، وهو بصدد تكوين فريقه، سيجد نفسه مضطرا إلى تفادي كل ما يُمكن أن يُشكل “مضيعة” للوقت بخصوص بعض النقاشات التي قد لا تكون أساسية، لكنها “معرقلة” من زاوية استهلاك الوقت في قضايا قد تكون ثانوية، كما أن التكامل يتمثل في أن الكاتب الأول سيجد نفسه مضطرا، مرة أخرى، إلى تنويع اختياراته لتفادي ظهور نقص أو خصاص فيما هو مطلوب لعضوية المكتب السياسي.
وإلى جانب ذلك، فإن التكامل والانسجام سيُضفي درجة أعلى على مستوى المراقبة وتحميل المسؤولية أمام المؤتمر القادم، بل وحتى أمام المجالس الوطنية التي ستنعقد قبل ذلك. والخلاصة، هي أنه لم يعد أمام أي كاتب أول أن يتهرب من المسؤولية بدعوى عدم انسجام أعضاء المكتب السياسي.
ثانيا: التوزيع الجغرافي لأعضاء المكتب السياسي
يتوزع أعضاء المكتب السياس على مختلف جهات المملكة، وإن كان لك قد تم لاعتبارات غير جغرافية، إلا أن جل الجهات ممثلة بشكل مُتفاوت. وأشير هنا إلى أن التوزيع الذي اقترحه هنا لا يعتمد فقط على مكان الإقامة بل أساسا على الجهة التي ينشط فيها العضو بشكل مكثف، مع الأخذ بعين الاعتبار اللوائح الجهوية التي تم تقديمها في انتخاب أعضاء مجلس النواب.
إن الملاحظة الأساسية، تتمثل في توسع تمثيلية المكتب السياسي، والذي تحكمت فيه عوامل عديدة، فإضافة إلى مسألة تكوين فريق منسجم، فإن تأثير جائحة كورونا من خلال الدفع في اتجاه استعمال وسائل الاتصال الحديثة لعقد الاجتماعات، جعلت هاجس النصاب القانوني الذي كان سائدا من قبل، والذي كان يعطي الأسبقية لكل من الرباط والدار البيضاء والمدن القريبة منهما، لم يعُد مطروحا بنفس الحدة. وهذا ما ساعد على إدخال كفاءات متنوعة توجد خارج محور الرباط الدر البيضاء.
وفيما يلي التوزيع العام قبل التعليق عليه:
– جهة الرباط سلا القنيطرة: 13 عضوا (الرباط (10)، سلا، القنيطرة، تمارة)؛
– جهة الدار البيضاء سطات: 9 أعضاء (الدار البيضاء (4)، المحمدية (2)، الجديدة، سيدي بنور، بنسليمان؛
– جهة الشرق: 7 أعضاء (وجدة (4)، الناضور، كرسيف، بركان؛
– جهة طنجة تطوان الحسيمة: 6 أعضاء (طنجة (2)، تطوان، الشاون، العرائش، وزان؛
– جهة فاس مكناس: 5 أعضاء (فاس (3)، مكناس، صفرو؛
– جهة بني ملال خنيفرة: عضوان (لفقيه بن صالح)؛
– جهة كلميم واد نون: عضوان (سيدي إيفني، أسا)؛
عضو واحد من كل من:
– جهة العيون الساقية الحمراء (العيون)؛
– جهة درعة تافيلالت (الراشيدية)؛
– جهة مراكش آسفي (الصويرة)؛
– جهة سوس ماسة (أكادير)؛
– الخارج: (إسبانيا).
لقد فقدت بعض الجهات هيمنتها على تشكيل المكتب السياسي، فجهة الرباط سلا القنيطرة لم تعد تُشكل إلا نسبة 26,53%، كما أن جهة الدار البيضاء سطات أصبحت تُشكل فقط 18.36%، بل أن هاتين الجهتين مجتمعتين لا يصلان نصف أعضاء المكتب السياسي (44,89%).
وفي مقابل ذلك، يُلاحظ تمثيلية مهمة لكل من جهة الشرق (14,28%)، ثم جهة الشمال (12,24%)، ثم جهة فاس مكناس (10,20%)، أي ما مجموعه 36,73%.
وتبعا لهذه الأرقام تُشكل جهة الرباط سلا القنيطرة، وجهة الدار البيضاء سطات، وجهة الشرق، وجهة طنجة تطوان الحسيمة، وجهة فاس مكناس مجتمعة 81,63%.
ثالثا: توزيع أعضاء المكتب السياسي من حيث مجالات العمل
من خلال تجميع مجالات العمل، نستخرج الأرقام التالية: 22 عضوا من القطاع العمومي، 16 عضوا من القطاع الخاص، و11 عضوا من المهن الحرة.
ويتبين أن هناك نوع من عدم التوازن بين القطاعات الثلاثة الرئيسية، حيث أن النسب تتمثل في كل من 44,89% بالنسبة للقطاع العمومي، و32,65% بالنسبة للقطاع الخاص، و22,44% بالنسبة للمهن الحرة. ويُمكن تفسير ذلك من خلال كون أن اقتراح الأعضاء يتم من خلال فعاليتهم وليس انتماءهم المهني، ثم في تنوع مجالات العمل في القطاع العمومي مقارنة بالقطاع الخاص أو المهن الحرة كما سنري أدناه.
رابعا: مجالات انتماء الأعضاء العاملين بالقطاع العام
تتوزع مجالات القطاع العمومي الذي ينتمي إليه 22 عضوا بالمكتب السياسي إلى 5 مجالات، تتمثل وفق الترتيب التنازلي في كل من الأطر الإدارية (7 وتشكل نسبة 31,81%)، التعليم العالي (6 وتشكل نسبة 27,27%)، التربية الوطنية (5 وتشكل نسبة 22,72%)، الأطر البرلمانية (3 وتشكل نسبة 13,62%)، ثم الهندسة (1 ويُشكل نسبة 4,54%).
ورغم أهمية هذا التصنيف، إلا أن جمع التربية الوطنية (5 أعضاء) والتعليم العالي (6 أعضاء) سيرفع نسبة رجال ونساء التعليم إلى 50% أي النصف، مما سيجعل هذه الفئة تحتل المرتبة الأولى أمام الأطر الإدارية (7 أعضاء) التي يُمكن أن نُضيف لها الأطر البرلمانية (3 أعضاء) لتصل نسبة 45,45%، مما يجعل هذين القطاعين شبه مُتساويين.
خامسا: مجالات انتماء الأعضاء العاملين بالقطاع الخاص
على العكس من القطاع العمومي، فإن المنتمين للقطاع الخاص بالمكتب السياسي، وعددهم 16 عضوا، يتوزعون إلى 3 فئات فقط: رجال ونساء الأعمال (10 أعضاء ويُشكلون نسبة 62,5%)، ثم الفلاحة (3 ويُشكلون نسبة 18,75%)، ثم العمل بالقطاع الخاص (3 ويُشكلون 18,75%).
وينبغي هنا التنبيه إلى أنني اعتمدت الأوصاف التي يُقدمها المعنيون عن أنفسهم والمنشورة عبر مختلف وسائل الإعلام، لأن مجال “الأعمال” متنوع بدوره، كما أنه يُمكن أن يشكل مجال الفلاحة ليرتفع العدد إلى 13 عضوا (81,25%)، ليتبقى فقط 3 أعضاء يشتغلون في القطاع الخاص (18,75%).
سادسا: مجالات انتماء الأعضاء الممارسين للمهن الحرة
تشمل قطاعات المهن الحرة لأعضاء المكتب السياسي 3 فئات تضم 11 عضوا، موزعين كما يلي: الصحافة (5 ويمثلون نسبة 45,45%)، ثم المحاماة (4 ويُمثلون نسبة 36,36%)، ثم الصيدلة (18,18%).
تمثل هذه القطاعات مجتمعة نسبة 22,44% من أعضاء المكتب السياسي، وهي قطاعات لا غنى عنها لأي مكتب سياسي نظرا للحاجة الملحة خاصة لقطاعي الإعلام والمحاماة.
سابعا: التوزيع من حيث مزاولة مهام عمومية عليا
يتعلق الأمر وفق هذه المقاربة بـــ 26 عضوا (أي 53,06% من عضوية المكتب السياسي)، يُمارسون أو سبق لهم، ممارسة مهام تمثيلية أو تقلد مناصب عمومية عليا. ويتعلق الأمر بما يلي:
– 16 برلمانيا (بما فيهم رئيس جماعة، ورئيس غرفة، وعضو بمجلس المستشارين؛
– رئيس جماعة غير برلماني؛
– رئيس غرفة غير برلماني؛
– 3 أعضاء بهيئات عليا (1 مؤسسة دستورية (الهاكا)، 2 هيئة عليا غير مدسترة (الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء)؛
– وزير سابق؛
– 4 أعضاء سابقين بالبرلمان.
وأُشير هنا إلى أن هذه الفئة التي تُشكل ما يفوق نصف أعضاء المكتب السياسي، يمثل منها أعضاء البرلمان لوحدهم نسبة 32,65%، أي تقريبا الثلث، مما يجعل منهم/ن القوة الأولى داخل المكتب السياسي. كما أن التوزيع الداخلي لأصناف هذه الفئة يُعطينا النسب التالية:
ثامنا: توزيع أعضاء المكتب السياسي من حيث النوع
من خلال عضوية 13 امرأة من ضمن 49 عضوا، فإن نسبة تمثيلية النساء أصبحت تتشكل من 27% كما يدل على ذلك المبيان التالي:
ويعلق الأمر بنسبة، تدل على الالتزام بالرفع التدريجي لتمثيلية النساء في أفق تحقيق المناصفة، رغم حصول تراجع طفيف عن المكتب السياسي السابق حيث كانت النسبة 31,03%.
تاسعا: التوزيع من حيث الوضعية الحالية
يضم المكتب السياسي في تشكيلته 49 عضوا ناشطا و5 متقاعدين:
ويتوزع التقاعد على القطعات التالية: التربية الوطنية (4) والإدارة العمومية (1).
خاتمة:
إن الغرض من هذه القراءة الهادئة في تشكيلة المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يتمثل في التنبيه إلى أن هذا الخيار الجديد، ستكون له نتائج إيجابية من زاوية تحديد المسؤوليات التي لم يعُد من الممكن التنصل منها. فالأر يتعلق بفريق عمل يُفتَرض فيه الانسجام والتكامل، وبالتالي القدرة علة تجاوز الخلافات الثانوية، لتركيز العمل على المواضيع والتحديات التي تفرضها المرحلة الجديدة والوضعية العامة بالبلاد.
تعليقات الزوار ( 0 )