بقلم حاتم إيوزي

كنا نعتقد كفاعلين وكباحثين في العلوم السياسية والقانونية أن انتخاب رؤساء الجماعات والجهات المنبثقة عن اقتراع 8 شتنبر 2021 مؤطرة بموجب المقتضيات الدستورية ذات الصلة والنصوص القانونية المنظمة لهذه العملية بما فيها تلك الخاضعة لرقابة القضاء الدستوري، إلى جانب الاجتهادات القضائية الإدارية، والأنظمة الأساسية والداخلية للأحزاب السياسية فيما يتعلق بمنح التزكيات وتغيير الانتماء الحزبي…

إلا أننا لاحظنا بروز ظواهر وبدع يحاول أصحابها أن يجدوا لها مكانا ضمن القواميس والمعاجم القانونية والدستورية، دون أن يتحرك الأساتذة والباحثون في مجال القانون لأننا نعتقد أن الرقابة على المشرع وعلى الفاعل السياسي عموما ليست مسؤولية الهيئات والمؤسسات الدستورية والقضائية فقط بل هذه المسؤولية يتقاسمها أيضا كل الأساتذة والباحثين والمفكرين كل في مجال اختصاصه.

هذه البدع والظواهر أخذت أشكالا متعددة لعل أهمها هو إصدار الأحزاب السياسية بلاغات محلية على شكل ميثاق شرف من أجل إبرام تحالفات بمناسبة انتخاب رؤساء ومكاتب جماعات وجهات بعينها، لتتحول هذه البدع والظواهر إلى إصدار أحزاب سياسية لبلاغات ذات بعد وطني تلزم منتخبيها بالتصويت لفائدة مرشحين منتمين لأحزاب سياسية معينة لرئاسة كل مجالس الجماعات والجهات بربوع المملكة تحت طائلة الطرد والعزل والتجريد، لتأخذ هذه الظواهر أبعادا خطيرة على الديمقراطية في محاولة بائسة للالتفاف على أحكام الدستور ومبادئه، خاصة منطوق الفصل 30 من الوثيقة الدستورية التي اعتبرت أن “الحق في التصويت واجب وطني وحق شخصي”، وذلك من خلال التدليس على منتخبي هذه الأحزاب عبر اللجوء إلى المفوضين القضائيين لإيهامهم بأن هذه البلاغات تكتسي قيمة وقوة قانونية.

إن لجوء الأحزاب السياسية لمثل هذه البلاغات، كما هو الشأن بالنسبة للبلاغ الموقع من طرف ثلاث أمناء عامين لأحزاب سياسية (أمين عام معين لرئاسة الحكومة، وأمين عام لحزب وطني كبير، وأمين عام محام)، نعتبره بمثابة استبداد و ردّة عن المسار الديمقراطي، وتراجع عن مسلسل تطوير البناء الديمقراطي وترسيخ دولة المؤسسات، وذلك راجع لعدة اعتبارات أهمها:

إصدار بلاغ ليس له أية قيمة قانونية أو إلزامية من أجل إجبار وإلزام منتخبي ومستشاري الأحزاب الثلاثة بالتصويت على رؤساء وأعضاء مكاتب الجماعات والجهات حيث تضمن البلاغ السالف الذكر في فقرته الأخيرة   “وعليه، فإن الأحزاب الثلاثة تدعو منتخبيها في المجالس المنتخبة إلى ضرورة الالتزام بهذا التوجه والتقيد بالقرار الذي تبنته القيادات الحزبية في حدود من الانفتاح على باقي المكونات السياسية الأخرى، وفي حالة الإخلال أو التنصل من هذا الالتزام، فإنها ستكون مضطرة لتفعيل المساطر المنصوص عليا في أنظمتها الأساسية واللجوء إلى مساطر العزل والتجريد في حلى المخالفين. هذه الفقرة التي تحمل عبارات التهديد والوعيد والابتزاز تشكل خرقا صارخا لأحكام الدستور وكل المقتضيات والنصوص القانونية ذات الصلة.

إن محاولة أصحاب “البلاغ” تمديد مفهوم التخلي عن الانتماء السياسي لينسحب على كل ممارسة سياسية ومخالفة لتوجهات الحزب وقراراته، وبالتالي ترتيب أثر التجريد بالنسبة للأعضاء المنتخبين، كما هو الحال بالنسبة للتصويت على مرشحين آخرين لرئاسة وعضوية مكاتب مجالس الجماعات والجهات من أحزاب غير تلك التي وردت في البلاغ، تصطدم بقرارات سابقة لمحاكم الاستئناف الإدارية واجتهادات المجلس الدستوري.

وفي هذا الإطار؛ على سبيل المثال وليس الحصر، يمكن الاستدلال بقرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في ملف رقم 1579/7212/2015 بتاريخ 22 دجنبر 2015 والذي رفض اعتبار مخالفة توجيهات الحزب بمثابة تخلي

“… وحيث إن التخلي عن الانتماء السياسي يفترض سحب العضوية من الحزب السياسي، والاستقالة منه بصفة صريحة وفق الإجراءات التي يحددها قانونه الداخلي، وبذلك، لا يمكن اعتبار مخالفة توجيهات الحزب من طرف أحد أعضائه والتصويت، في إطار عملية انتخاب رئيس جماعة ترابية، لفائدة مرشح حزب سياسي آخر تخليا عن الانتماء للحزب الأول …

ولا بد من التأكيد أن القضاء الإداري استقر في اجتهاداته على هذا التوجه، ففي مراجعة لاجتهاداتها حصرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 426 في ملف رقم 7/7212/2020 بتاريخ 26 فبراير 2020 صور التخلي عن الانتماء  السياسي في حالتين اثنتين، والتي لا تندرج ضمنهما بأي شكل من الأشكال اتخاذ موقف مناف لتوجهات الحزب أو التصويت على مرشح آخر، حيث ورد في القرار السالف الذكر ما يلي:

“… حيث إنه، بحسب المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية، فإنه لا يمكن لعضو في مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضوية المجلس أو الغرف المذكورة”، كما أنه وحسب المادة 51 من القانون التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات، فإنه “وطبقا لأحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11-وح المتعلق بالأحزاب السياسية يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس”..

وحيث إنه، واعتبارا للضوابط المنصوص عليها في هذه المقتضيات القانونية، فإن حق التجريد من عضوية المجلس الجماعي المخوّل للحزب السياسي يبقى منحصرا فقط في حالتين اثنتين وهما: – تخلي المعني بالأمر عن الانتماء للحزب بشكل صريح، – انخراطه في حزب آخر دون تقديمه الاستقالة من الحزب الأول، وهي الحالات التي لا تنطبق على حالة المتعرض عليه (المطلوب تجريده) الذي خالف فقط الضوابط المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب بتصويته خلافا لتوجهات الحزب الذي ينتمي إليه، والذي يمكنه في هذه الحالة عرض العضو المخالف للضوابط الحزبية على هيئة التحكيم في إطار النظام التأديبي المنصوص عليه فيه…”

وفي هذا الإطار فإن عرض العضو المخالف للضوابط الحزبية على هيئة التحكيم، وتفعيل المساطر المنصوص عليها في الأنظمة الأساسية للأحزاب التي أصدرت “البلاغ” السالف الذكر، وإن كانت قد تؤدي إلى طرد العضو المخالف ووضع حد للانتماء إليها، فإن المجلس الدستوري في قراره رقم 969/15، ملف عدد 1428/15 الصادر بتاريخ 12 يوليوز 2015 عند مراقبته لمدى مطابقة القانون التنظيمي رقم 15.33، القاضي بتتميم وتغيير القانون التنظيمي رقم 11.29 المتعلق بالأحزاب السياسية، اعتبر أن الحزب إذا قرر وضع حد لانتماء العضو المخالف فإن هذا الأخير لا يعتبر في وضعية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات وبالتالي لا يستوجب اللجوء إلى تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المهنية.

حيث إن المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11.29 المتعلق بالأحزاب السياسية تنص على أنه:

“لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة”؛

وحيث إن الفقرة الثانية المضافة إلى هذه المادة، بموجب القانون التنظيمي رقم 15.33، تنص على أنه:

“يعتبر كل عضو في وضعية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، في مفهوم هذا القانون التنظيمي، إذا قرر الحزب وضع حد لانتمائه إليه، وذلك بعد الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب في هذا الشأن واستنفاد مسطرة الطعن القضائي عند الاقتضاء”؛ وحيث إنه، يستفاد من هذه الفقرة أن قرار حزب سياسي بوضع حد لانتماء أحد أعضائه إليه؛ الذي اعتبر بمثابة تخلي هذا العضو عن الانتماء للحزب الذي ترشح باسمه، يفضي إلى إمكان تجريده من العضوية بمجلس الجماعة الترابية أو الغرفة المهنية التي انتخب فيها.

وحيث إن المادة 20 المذكورة مستمدة من الفصل 61 من الدستور؛ وحيث إنه، يستخلص من الفصل 61 من الدستور أن التجريد من صفة عضو في أحد مجلسي البرلمان ينحصر في من تخلى إراديا عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها؛ وحيث إنه، عندما يتعلق الأمر بجزاء ربطه الدستور بسبب محدد، فإن المشرع لا يجوز له إضافة سبب آخر لترتيب نفس الجزاء؛ وحيث إن التجريد من صفة عضو في مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية يضع حدا لانتداب ممثلي المواطنات والمواطنين في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه؛ وحيث إنه، بناء على ما سبق بيانه، تكون الفقرة الثانية المضافة إلى المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11.29 المتعلق بالأحزاب السياسية، بموجب المادة الثانية من القانون التنظيمي رقم 15.33، مخالفة للدستور.

-باحث في العلوم السياسية والقانونية

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الفريق الاشتراكي يطالب بمنهجية تشاركية لأجل قانون إضراب يخدم المجتمع

بيان منظمة النساء الاتحاديات

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»