النقاش الذي طبعته دينامية الفكر السياسي الاتحادي عالج، بكل مسؤولية، مواقف الاتحاد الاشتراكي
أساسا من مختلف مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الثقافية
تفصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثلاثة أسابيع عن عقد المؤتمر الوطني الحادي عشر، ويعي الاتحاديات والاتحاديون أن هذه المحطة، محطة تاريخية بامتياز، مما جعلهم يضاعفون المجهودات على أكثر من صعيد لتوفير كل شروط النجاح والتوفيق لهذا المؤتمر، سواء على المستوى السياسي والتنظيمي أو اللوجيستيكي، فبعد نشر الورقة السياسية بجريدة الاتحاد الاشتراكي، وانطلاق مناقشتها على مستوى مجالس الجهات والأقاليم، التقت جريدة “الاتحاد الاشتراكي” بنيونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري وعضو المجلس الوطني للحزب ورئيس اللجنة السياسية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وكان لنا معه هذا الحوار حتى نضع القراء والرأي العام الوطني في صورة مسار النقاش الاتحادي التحضيري للمؤتمر.
– لاشك أن محطة المؤتمر الوطني الحادي عشر تشكل لحظة تاريخية لتدقيق الخط السياسي للحزب، خاصة والحزب اليوم يتواجد في موقع المعارضة، كيف تابعتم كرئيس للجنة السياسية نقاش الاتحاديات والاتحاديين بهذا الخصوص؟
– أعتقد أن السمات البارزة في النقاش بين الاتحاديات والاتحاديين بخصوص الورقة السياسية، تتمثل في كل من الحماس من ناحية أولى باعتبار أن هناك أسئلة حارقة ينبغي إيجاد إجابات لها، وعمق التحليل من ناحية ثانية نتيجة متابعة الشأن السياسي ببلادنا. فالنقاش عمليا كان تعميقا للنقاش حول مواضيع ساهموا في بلورتها من قبيل البرنامج الانتخابي وبلورة النموذج التنموي الجديد، لكنه في نفس الوقت تجديد للمواقف بما تتطلبه الظرفية السياسية.
لقد لاحظت كرئيس للجنة السياسية دينامية الفكر السياسي الاتحادي الذي عالج، بكل مسؤولية، مواقف الاتحاد الاشتراكي أساسا من مختلف مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الثقافية، وذلك في انسجام ما بين التشبث بالمبادئ الثابتة للحزب وبين ما يتطلبه سياق وظرفية انعقاد المؤتمر الوطني الحادي عشر. فالاتحاد الاشتراكي ظل يعتبر المؤتمرات الوطنية، ولا يزال، محطة لوضع خارطة الطريق السياسية، ولا يزال مناضلوه ومناضلاته يُحسون بواجب المساهمة في وضعها.
ومما يدل على الانخراط المكثف في مناقشة مشروع الأرضية السياسية، هو أن اللجنة السياسية عقدت 6 لقاءات، أثمرت 77 مداخلة، وكلفت 19 ساعة عمل، تخللتها ندوة حول الاتحاد الاشتراكي بين المشاركة والمعارضة، وجلسة استماع لخبراء. ولذلك كان طبيعيا أن يتم التصويت بالإجماع على مشروع الورقة السياسية سواء داخل اللجنة السياسية أو اللجنة التحضيرية أو المجلس الوطني. وهذا مؤشر إيجابي يدل على أن الخط السياسي للحزب ما زال في اتجاهه الصحيح.
وإضافة لما سبق، ينبغي الإشارة إلى أنه تم تنزيل مشروع الورقة السياسية للفروع والكتابات الإقليمية والجهوية، وأنه يتم عقد لقاءات قصد مناقشة المشروع وإغنائه، وما زلنا نتلقى تفاعلات الأخوات والإخوة الاتحاديين من كل مناطق المغرب.
– ماهي القضايا الأساسية التي أخذت نقاشا كبيرا وتباينت فيها الآراء، ليتم تضمينها في مشروع المقرر السياسي التي صادق عليه المجلس الوطني؟
– يُمكن القول إجمالا إن المحاور التي تم طرحها للنقاش كانت شاملة، وبالتالي كان النقاش حولها موسعا وعميقا، وقد اختلفت حدة النقاش من موضوع لآخر. لقد كان على أعضاء اللجنة السياسية الإجابة عن أسئلة مُتنوعة وفي نفس الوقت مُقلقة. فمن ناحية أولى كان لما وقع بعد استحقاقات 2021 حضورا قويا في النقاش بهدف الوقوف ليس فقط على خلفياته، بل أساسا على ما ينبغي استخلاصه. فبقدر ما كان هناك ابتهاج للتقدم الانتخابي للاتحاد الاشتراكي بقدر ما كانت هناك خيبة أمل من ظهور ملامح سيرورة سياسية جديدة قلصت من هامش المشاركة السياسية بشكل كبير، وكانت سمتها الأساسية الاستقواء بالأغلبية العددية كاستمرار لحكومتي ما بعد دستور 2011، وبشكل أعمق هذه المرة. ومن ناحية ثانية، فإن تموقع الاتحاد الاشتراكي في المعارضة يفرض هذه المرة آليات جديدة تُزاوج بين المعارضة المؤسساتية والتعبئة المجتمعية.
ومن خلال هذا النقاش، تمكن أعضاء اللجنة السياسية من بلورة مواقف واضحة للاتحاد الاشتراكي من مختلف القضايا المتفرعة من قبيل السمات الكبرى للاتحاد الاشتراكي في وضعه التنظيمي ومساره السياسي، وموقع الحزب ضمن المنظومة السياسية والمشهد الحزبي، وتقييمنا للعشرية التي تَلَت دستور 2011، والرهانات السياسية والاقتصادية القادمة، والتحالفات الممكنة، ثم الخطوط العامة لمواقفنا السياسية من الأوراش الكبرى على الصعيد السياسي والمؤسساتي، وعلى الصعيد الاجتماعي والمجتمعي والاقتصادي، ثم خاصة على صعيد القضايا الكبرى التي تحتل فيها قضية النساء والثقافة والتواصل واللغة مركزا محوريا.
وقد أدى النقاش الموسع إلى الاستماع المسؤول لبعضنا البعض، وإلى الخروج بخلاصات حصلت على الإجماع كما أوضحنا ذلك.
– كيف تقيمون التحضير الأدبي للمؤتمر الوطني 11 عشر انطلاقا من تشكيل اللجنة التحضيرية الوطنية وأشغال اللجان المنبثقة عنها وأشغال المجلس الوطني والنقاش الجاري لمشروع المقرر السياسي ومشروع المقرر التنظيمي خلال المجالس الجهوية التي شرع في انعقادها؟
-أولا، ينبغي الإشارة إلى أنني كرئيس للجنة السياسية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني، تابعت كل الأنشطة التحضيرية بشكل مُباشر، وهو ما مكنني من أخذ صورة متكاملة عن عملية التحضير للمؤتمر. وأسجل هنا أنه كانت هناك رغبة جماعية في إنجاح هذه المحطة القادمة، وتبين ذلك من خلال طبيعة المداخلات التي كانت مفتوحة على الجميع، ومُنفتحة على كل الآراء. وأعتقد أن هذا راجع إلى ضوابط عديدة أهمها أن الكل يُدرك أن الاتحاد الاشتراكي بقدر ما هو تنظيم سياسي له قواعده وضوابطه، بقدر ما هو شأن مُجتمعي تهتم به مختلف شرائح المجتمع وكل الفرقاء السياسيين.
إن هذا الضابط العام هو الذي جعل سيرورة التحضير للمؤتمر تسير بشكل شفاف لا مجال فيه لإخفاء أي شيء. فالإعلام بمختلف أصنافه، ووسائل التواصل الاجتماعي تعكس ما يجري داخل الاتحاد الاشتراكي أكثر من أي تنظيم سياسي آخر، وهو ما يجعل الحرص على الشفافية وتيسير المعلومة السمة التي لا بد من اعتمادها لمحو آثار أية معلومات غير دقيقة، أما التحليل فإن الاتحاد الاشتراكي الذي أدى ضريبة المطالبة بالحقوق والحريات الأساسية لا يُمكنه أن يُصادر حق أي طرف في الإدلاء برأيه. ومما يُزكي ما قلته، هو أنه تم نشر كل مشاريع المقررات على نطاق واسع، بل إن جريدة “الاتحاد الاشتراكي” الورقية نفسها نشرت مشروع المقرر السياسي، ومع الأسف ما زلنا نسمع أو نقرأ عن عدم نشر المشاريع.
– هل يمكن أن تجمل لنا الرؤية السياسية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المرحلة القادمة من مشروع المقرر السياسي المعروض على أنظار المؤتمر الوطني الحادي عشر؟
– يُمكن القول، إجمالا، إن مشروع الورقة السياسية قائم على تحليل ورؤية سياسية مُستنبطة أساسا من نقاشات سياسية انطلقت منذ مدة طويلة. فالمشروع اعتمد في بنيته وخطوطه العامة على كل من البيان العام للمؤتمر الوطني العاشر ومقرره التوجيهي، والبرامج الانتخابية لاستحقاقات 2016 و2021، ومساهمات الحزب في كل من النموذج التنموي الجديد والإصلاح الضريبي الشامل، ومجموعة من بيانات اللجنة الإدارية والمكتب السياسي بخصوص قضايا مُحددة، ومبادرة الكاتب الأول بخصوص إدارة البلاد في ظل جائحة كورونا، مع الرجوع لأدبيات ووثائق الحزب التاريخية كلما دعت الضرورة.
وتبعا لذلك، يُمكنني أن ألخص مشروع الورقة السياسية في كونها اعتمدت تحليلا، رغم أنه موسع ومُتشعب، لكنه قائم على فكرتين أساسيتين. فمن ناحية أولى أبرزنا أساس اعتمادنا لشعار “الدولة القوية العادلة”، ومن ناحية ثانية اعتمادنا شعار “الوطن أولا”.
لقد وضع مشروع الورقة السياسية إلى جانب التصورٍ النظري، أسُسَ الحلول الممكنة في المجالات التي تمت معالجتها. وأعتقد أن مسألة “محورية الدولة” ومجالات تدخلها خاصة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي نالت نقاشا مُعمقا لأنها وضعت التصور الاتحادي لدور الدولة في مكانه الصحيح. فاعتماد الحزب لشعار الدولة القوية العادلة لم يكن صدفة، ولكنه نابع من قناعات تترتب عنها التزامات تجاه مختلف فئات المجتمع، فكان المشروع فرصة لإبراز تصورنا المتكامل خاصة لمفهوم الدولة الاجتماعية، والمحورية الاقتصادية للدولة، وتصورنا لخطة الطريق السياسية والمؤسساتية اللازمة لتحقيق المزيد من المكاسب الديمقراطية لبلادنا، والمزيد من المكاسب الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعنا.
وإلى جانب ذلك، أبرز مشروع الورقة السياسية أن اعتماد شعار “الوطن أولا” لخوض مسلسل استحقاقات 2021، جاء بعد تحليل دقيق لأوضاع بلادنا، خاصة وأن تداعيات جائحة كورونا أبانت عن الحاجة لتقديم مصلحة الوطن على أي انتماء آخر. وقد وقفت الورقة عند المحطات العديدة التي تجاوز فيها الاتحاد الاشتراكي مصلحة الحزب لصالح الوطن، سواء من خلال مبادراتنا في إطار الكتلة الوطنية أو لوحدنا، أو من خلال المساهمة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، أو في إطار الكتلة الديمقراطية، أو في الاستجابة لنداء إيقاف نزيف السكتة القلبية”، أو حتى من خلال قبولنا الاستمرار في التدبير الحكومي بعد بيان “الخروج عن المنهجية الديمقراطية”، ومساهمتنا الفعالة في الاستشارات حول كل من نظام الجهوية، والمراجعة الشاملة للدستور، والنموذج التنموي الجديد. فهذه المحطات أبانت عن دينامية الاتحاد الاشتراكي التي لم تمنعه في نفس الوقت من فضح خروقات حقوق الإنسان، والتنديد بالانتخابات المزورة، وعدم المشاركة في الاستفتاءات حول نصوص دستورية غير مُتوافق حولها، وتقديم ملتمسات الرقابة ضد السياسات اللاشعبية للحكومة، والاحتجاج النقابي ضدها، والفضح الإعلامي لها.
وهكذا، فبين شعار “الدولة القوية العادلة” وشعار “الوطن أولا”، تتبين مكانة الاتحاد الاشتراكي كتصور سياسي مُتميز قادر على وضع التشخيص الدقيق، وإيجاد الحلول الملائمة، سواء من خلال تواجده في المعارضة أو تدبيره للشأن العام أو المساهمة فيه، وتجربته الرائدة التي جعلت حزبنا يمنح بلادنا حزبا معارضا يساريا ديمقراطيا وطنيا، ونموذجا متميزا وفريدا.
وطبعا، فإن الورقة السياسية، تبقى مجرد مشروع إلى غاية تلقي محاضر مناقشات الفروع والكتابات الإقليمية والجهوية من خلال مجالسها الموسعة، وإدخال التنقيحات اللازمة، وعرضها في صيغتها النهائية على المؤتمر الوطني الحادي عشر قصد المصادقة عليها.
تعليقات الزوار ( 0 )