إن المجلس الوطني للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، المجتمع يوم 28 دجنبر 2014، في المركب الرياضي بالمعمورة، و بعد تداوله في تقرير المكتب السياسي، الذي قدمه الكاتب الأول، الأخ إدريس لشكر، و بعد مناقشات عميقة و ناضجة، شارك فيها عضواته و أعضاؤه، فإنه يثمن كل القرارات التنظيمية و التوصيات والخلاصات، السياسية، التي أفضى إليها اجتماع اللجنة الإدارية يوم أمس، يؤكد ما يلي:
مازال الوضع السياسي في بلادنا مشوبا بالغموض، فمن جهة هناك التوجه الإصلاحي الذي عبر عنه دستور 2011، و الذي انطلق مساره بعد الخطاب الملكي، يوم 9 مارس من نفس السنة، حيث فتح باب الأمل من أجل التقدم في البناء الديمقراطي، و تعزيز دولة الحق و القانون و المؤسسات، بالإضافة إلى كل ما تضمنه من توجهات حقوقية وحداثية، و مبادئ حول العدالة و المساواة.
غير أن المسار الذي عرفته الممارسة اليومية، للحزب الذي يقود الحكومة، أتبث، بما لايدع مجالا للشك، عن توجه يميني مناهض للحداثة و للتـأويل الديمقراطي للدستور. و عن تراجعات خطيرة، على مستوى المكتسبات الإجتماعية و الحقوق السياسية و المدنية و عن الحق النقابي، بالإضافة إلى نهج اختيارات إقتصادية، أوصلت البلاد لركود و أزمة لم يسبق لها مثيل.
و لم يعمل هذا الحزب، إلا على محاولة تثبيت أعضائه و أنصاره و المتعاطفين معه، في دواليب الدولة، في إطار خطة محكمة، للسيطرة على المجتمع، ضمن توجه رجعي، لتمكين المشروع الإخواني من الإنتشار، في تناقض تام، مع ما عبر عنه الحراك الإجتماعي، و النضالات و المطالب الإصلاحية، لحزبنا و لباقي أحزاب الصف الوطني الديمقراطي التقدمي، التي نادت منذ السنوات الأولى للإستقلال ببناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة.
إن بلادنا أمام اختيارين، إما مواصلة البناء الديمقراطي، كما عبرت عنه القوى االوطنية الديمقراطية والتقدمية، و الذي إستجاب له مسلسل الإصلاح الدستوري، و إما أن ترضخ للمركب المصالحي-الزبوني، الذي يحاول تركيز دولة الريع و الولاءات و نظام الوساطات و المحسوبية، و الذي يرعاه الحزب الذي يقود الحكومة، و يؤدي إلى تقوية نفوذ الفئات التي اغتنت عبر اقتصاد الإحتكارات والريع و اقتسام المنافع واستشراء الفساد.
كل هذا يتم لصالح الفئات المستفيدة و الطبقات الغنية، التي تراكم الغنى الفاحش، على حساب التنمية الحقيقية، وعلى حساب مصالح الجماهير الشعبية، التي تكتوي بنار الغلاء وتزداد معاناتها من الحرمان والقهر الإجتماعي، و على حساب طموحات الشباب، خاصة، من أجل مجتمع عادل و منصف، يحفظ كرامة أبنائه، و ينقذهم من براثن البطالة و الفقر و التهميش.
إن هذا التوجه، الذي يريد إبقاء الوضع كما كان، بل والعودة ببلادنا إلى ماقبل حكومة التناوب، يعمل كل ما في وسعه لتبخيس النخب السياسية و المثقفة، و تسفيه القيادات الحزبية، و خاصة في الصف الوطني الديمقراطي، وتشويه صورتها أمام المجتمع، من أجل التحكم في الخريطة السياسية، و القضاء على كل توجه لتعزيز البناء الديمقراطي، و التقدم في تشييد دولة الحق و القانون و مجتمع العدالة و الكرامة و المساواة.
و يعتمد هذا المخطط على بعض وسائل الإعلام، إما تملكها لوبيات مالية وسياسية، ريعية، أو شبكات رجعية، و التي أصبحت أداة لتحقير النخب السياسية الوطنية، مستعملة كل أساليب التضليل والإشاعة و التهجم على القادة و الأطر الحزبيين، و السب و القذف و إهانة كرامتهم الإنسانية.
إنطلاقا من هذا التشخيص للوضع السياسي في بلادنا، فإن المجلس الوطني، يعلن ما يلي:
1- التأكيد على ضرورة الحسم في التوجه نحو بناء الدولة الديمقراطية التقدمية الحديثة، وذلك بتفعيل الدستور، لتنفيذ بنوده، سواء في نظام الملكية البرلمانية، و فصل السلط، و إيلاء المؤسسة التشريعية مكانتها الدستورية، و تطبيق مقتضيات الديمقراطية التشاركية، سواء تجاه المعارضة أو تجاه المجتمع، و احترام اسقلالية القضاء و حقوق الإنسان و وضع الآليات الحقيقية لأنظمة الحكامة و الشفافية و محاربة الفساد.
2- مواجهة المد الرجعي، الذي يحاول الركوب على المشاعر الدينية، من أجل إشاعة النموذج المجتمعي المتخلف، و الذي لم يِؤد في البلدان، التي يسود فيها إلا إلى الإنغلاق و التزمت، و التراجع عن المكتسبات التي حققتها البشرية، في مختلف المجالات، و خاصة الحقوقية و أوضاع النساء و الحريات الجماعية و الفردية، والتقدم العلمي والفكري و التربوي.
3- إحترام استقلالية القضاء و حقوق الإنسان، و الكف عن اتخاذ قرارات المنع، خارج نطاق القانون، تجاه الحركة الحقوقية، أو التضييق و التنكيل بالمعطلين و المناضلين النقابيين و الجمعويين و الطلبة والمثقفين، و عدم اللجوء إلى أساليب القمع و الإعتداء على المحتجين و النقابيين و غيرهم من الفئات التي تناضل من أجل مطالبها وحقوقها. و في هذا الإطار يعبر عن تضامنه مع الطلبة، ضحايا القمع، في مدينة وجدة.
4- يوجه المجلس الوطني نداءا إلى قطاع الصحافة و الإعلام، و خاصة الناشرين و المسؤولين عن وسائل الإعلام الرسمية و الخاصة، و كافة الهيآت المؤطرة لهذه القطاعات، من أجل وضع الآليات الضرورية الداخلية، لاحترام أخلاقيات المهنة، للحد من عدم التزام بعض المنابر، بالنزاهة و الموضوعية في تغطية الوقائع والأحداث، و التقصي والبحث، و التصدي للممارسات التضليلة و غيرها من أساليب نشر و تعميم السب والقذف و التهجم و التحامل على الأشخاص، و تبخيس العمل السياسي.
5- التعبئة الشاملة وتكثيف الجهود في التواصل مع القوات الشعبية، على كافة الأصعدة الوطنية والجهوية و الإقليمية و المحلية، للتواصل معها حول مواقفه و نضالاته و التحضير للاستحقاقات الانتخابية القادمة، بالتعبئة القوية للتسجيل في اللوالح الانتخابية، واليقظة الكاملة فيما يخص المتابعة وابداء الرأي والملاحظات على مستوى هذه العملية، و تمكين الأحزاب السياسية من لوائح الناخبين و كل ما يتعلق بالتقطيع، ومواصلة المكتب السياسي لعملية تتبع المفاوضات فيما يخص التقطيع المتضمن في المشروع المقترح، بشكل يضمن العدالة والديمقراطية، و مراجعة آليات المراقبة، وإصلاح القوانين الإنتخابية و أنماط الإقتراع و تمويل الحملات، لإفراز هيآت تمثيلية، بمنتخبين نزهاء و ذوي كفاءة و مصداقية.
6- التضامن مع ضحايا الفيضانات، التي عرفتها بلادنا، و التي لعبت في مواجهة أخطارها و آثارها، الجماعات التي يسيرها مناضلو الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، دورا كبيرا، في غياب مشهود للحكومة، التي من المفترض أنها تتوفر على كل الوسائل للقيام بهذا الدور، الذي يدخل ضمن صلاحياتها وواجباتها.
7- التنديد بالمنهج الإنتقائي من طرف الحكومة، إستعدادا للإنتخابات الجماعية، و ذلك باستغلال مقومات و سلطات الدولة، سواء على مستوى تمرير المشاريع، لصالح الجماعات القريبة منها، أو على مستوى افتعال ميكانيزمات التشكيك والإفتحاص، في الجماعات التي تسيرها أحزاب المعارضة، بهدف عرضها على القضاء، في إطار دعاية مضادة و ظرفية مدروسة.
8- التحلي باليقظة و الحذر في معالجة قضية الوحدة الترابية للمملكة، و ربطها بتعزيز الجبهة الداخلية، التي تعتبر الضمانة الرئيسية للدفاع عنها، و ذلك بإشراك الأحزاب الوطنية في متابعة تطوراتها و في التعبئة الشاملة، من أجل حمايتها، و تفعيل أكثر قوة للديبلوماسية الحزبية و البرلمانية و الجمعوية، في هذا الإتجاه، و التي يلعب فيها حزبنا دورا رائدا و يحقق نجاحات متواصلة، في العديد من الواجهات، و من بينها الأممية الإشتراكية.
9- العمل أكثر على دعم نضال الشعب الفلسطيني، من أجل استرجاع حقوقه و بناء دولته الوطنية المستقلة، و عاصمتها القدس، و ذلك ببذل مجهودات أكبر لدعم اتجاه الإعتراف بهذا الحق، و نهج خطة عزل الكيان الصهيوني، سواء على المستوى الديبلوماسي و السياسي و الإقتصادي، و مواجهة خطط التجزئة وتشجيع التناحر القبلي و الطائفي من أجل تفتيت و تجزيء دول منطقة الخليج والشرق الأوسط و شمال إفريقيا، في إطار مؤامرة إمبريالية رجعية، لم تنتج سوى التشريد و تدمير البلدان و الحضارات و بروز تيارات التطرف و الإرهاب، التي لم يعرف العالم لها مثيلا.
10- الإشادة بالتطورات الحاصلة في التجربة التونسية، و التي تمكن فيها الشعب التونسي، من التعبير عن إرادته بكل حرية و نزاهة، و اختيار من يسير شؤونه العامة، لبناء اليمقراطية و الدولة المدنية الحديثة، و في محاولة لتجاوز الخطر الرجعي، الذي يتهدد هذا البلد، وآفة التطرف و الإرهاب، الذي أدي إلى اغتيال زعماء يساريين و إشاعة الخوف و الترهيب في صفوف الحداثيين و النقابيين و الحقوقيين و المثقفين والإعلاميين.
تعليقات الزوار ( 0 )