فتح الله رمضاني
أربع وثلاثون سنة مرت إلى عامنا هذا على ذكرى إنتفاضة 20 يونيو 1981 ، والتي خرج فيها فقراء وكادحي الدار البيضاء وبعض المدن المغربية ضدا على السياسات اللا شعبية لحكومة المعطي بوعبيد أنذاك والتي كانت تحتكم لفلسفة ولمنطق التجويع والتفقير المتماهي مع إملاءات صندوق النقد الدولي ومقترحاته الهيكيلة ذات النزعة الإمبريالية . هو نفسه المنطق الذي يحكم اشتغال حكومة بنكيران اليوم مع إختلاف واحد هو استغلالها دون حكومة 1981 للدين وللمشترك عند المغاربة معززة بذلك خنوعها ومبررة عجزها و فشلها بذريعة مشيئة الله وأحكام القضاء والقدر- دون الأخذ بالأسباب – بالإضافة إلى أحكام المؤسسات المالية العالمية . وهي نفسها فلسفة التدبير القاصرة في فهم واقع ومتطلبات المغاربة والفاشلة في إيجاد حلول وطنية وعادلة لمشاكلهم بعيدا عن ما يُفرض على أصحابها وبالتالي يُفرض على فقراء هذا الوطن بنفس المبررات دائما وبنفس التحاليل شاكلة الظرفية العالمية وأسعار النفط والأزمة والحرب .
ربما واقع المغرب اليوم، وما راكمه من منجزات وما حققه من مكتسبات ديمقراطية يفنذ كل الإدعاءات العدمية ودعوات الجحود التي لازالت ترى المغرب والمغاربة بعيون سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولكن سياسات الحكومة الحالية خصوصا فيما يتعلق بتدبيرها اللّاعادل للأزمات، تعطي لدعاة العدمية والجحود شيئا من الأريحية وتجعلهم يزايدون بعدميتهم مادامت – هذه الحكومة – لا تفكر. وإن فكرت فهي تفكر بنفس الطريقة التي كانت تفكر بها جلّ الحكومات التي سبقتها حيث ترخي بثقل عجزها على الطبقة المتوسطة والمعدومة بذريعة الإصلاح ولعل أكثر ما يوضح استهدافها لفقراء المغرب هو ما تضمَّنه قانون مالية 2014 من تدابير تقوم أغلبها على عائدات الضريبة على الدخل وعلى الخصوص أجور الموظفين والأجراء. وكأن المغرب لم يتغير فيه شيء بين الأمس واليوم، بين مغرب بداية ثمانينيات القرن الماضي ومغرب ما بعد حركة 20 فبراير والمتغيرات السياسية التي طالت أنظمة العديد من دول الإقليم.
وحدها السياسات اللاشعبية للحكومة الحالية من تعطينا إنطباعا كون لا شيء تغيّر في البلد، وحده عجزها وفشلها وقصورها في فهم المغرب الذي تحكم فيه والسياق الذي جاء بها إليه. حتى المركزيات النقابية المعروفة بنضالاتها قد تغيرت مواقفها بين يونيو 1981 ويونيو 2015 ، فإذا كانت قد نددت وعبأت ودعت الجماهير الشعبية والعمالية لإضراب عام من أجل الوقوف أمام سياسات حكومة المعطي بوعبيد هي غائبة اليوم عن دعوات الوقوف أمام سياسات حكومة بنكيران لأسباب وحدهم قياداتها من يعرفونها وربما هي نفس الأسباب التي جعلتهم يفرضون على الشغيلة المغربية مقاطعة عيدها ويوم احتجاجها الأممي ليجعلوا شهر ماي كاملا شهر احتجاج مغربي ، ولعلها أيضا نفس الأسباب من جعلتهم يعدلون عن فكرة الاحتجاج بصفة عامة.
إن المتتبع للشأن السياسي ولمسار البناء الديمقراطي المغربي يعي جيدا أن الهيئات الديمقراطية الوطنية السياسية والنقابية والتي تشكل جلّها أو جزء منها استمرارا للحركة الوطنية هي هيئات واعية ومدركة لأهمية ومعنى السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي خصوصا في هذه الظرفية السياسية في إنجاح تطور النموذج الديمقراطي المغربي، هذا الوعي هو بالضبط ما تستغله الحكومة المغربية اليوم من أجل تمرير قراراتها المستبدة المتمثلة في الزيادات المتتالية ، الزيادة في تفقير الفقراء والزيادة في إغناء الأغنياء وهي واثقة جدا بأن خصومها لا شيء أهم عندهم من الوطن ومستقبل الوطن، وهو ما ينقصها لكي تفهم وتتفهم جسامة مسؤولياتها اتجاه المغرب والمغاربة عوض أن تتعنت في ارتجاليتها التي تسميها زورا إصلاحا و تقامر بها باستقرار المغرب وذلك بنهجها نفس النهج الذي أدّى إلى أحداث 20 يونيو الدامية.
إن المغرب اليوم في حاجة فقط إلى حكومة وطنية و مسؤولة لا هاجس لها غير استمرارية الوطن وسعادة كل المغاربة و ليس في حاجة إلى حكومة تحلف بأغلاظ الإيمان من دون مناسبة على حسن نواياها ورغبتها في مواكبة مسيرة البناء والتغيير و ترفض الاعتراف بمحدودية عطائها وبروز عجزها وتتخذ المجاهيل مشجبا لتعلق عليه فشلها . إن المغرب اليوم ليس في مرحلة مسموح فيها المحاولة والتجربة المفتقرين للمشروع و البدائل وللمعرفة ، ليس في حاجة إلى حكومة تجتهد لكي تمتص حرارة رغبة المغاربة في رقي المغرب وتقدمه مقابل اجتهادها في تنفيذ برامج صندوق النقد الدولي وجعل المغرب فضاء لتجربة سياساته الاقتصادية المستقبلية ، ليس في حاجة إلى حكومة تتفانى في محاولة إعادة تجارب وسياسات سابقة رهن فشلها المغرب سنوات حتى استطاع تجاوزها .وكل من يعتقد أنه قادر على تكرار الخطأ دون إدراك نفس النتيجة هو كمن يحاول إشعال نار خمدت لسنين عبر النفخ في رمادها فلا هي اشتعلت ولا هو حافظ على نقاء وجهه.
تعليقات الزوار ( 0 )