رسالة الاتحاد
نتوقف اليوم عند الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في ولايته الجديدة، التي تتزامن مع تشكيل حكومة جديدة،
ومع بدايات تنزيل مقتضيات النموذج التنموي الجديد.
ونعتقد أن الخطاب الملكي الأخير كان مليئا بالإشارات التي يحسن التقاطها بحس وطني، ينتصر لواجب خدمة المغرب أولا في ظرفية عالمية صعبة.
وسنتوقف عند ثلاث محطات أساسية في الخطاب الملكي، نعتقد أنها تمثل مفاتيح لاستيعاب رهانات المرحلة.
المحطة الأولى: لها علاقة بالانتخابات الأخيرة، فقد توقف الخطاب الملكي عند الأجواء الإيجابية التي مرت فيها الانتخابات، مع التركيز على الدلالة السياسية للمشاركة المرتفعة التي سجلت في الأقاليم الصحراوية الجنوبية.
لم ينوه الخطاب الملكي بما أعقب يوم الثامن من شتنبر من تشكيل لمجالس الجماعات والمقاطعات والأقاليم والجهات، كما نوه بالتنظيم المحكم لانتخابات الثامن من شتنبر، وكل الفاعلين السياسيين مدعوون لالتقاط الإشارات.
ذلك أن تنظيم الانتخابات يوم الثامن من شتنبر بذلك الإحكام، جعل تلك المحطة عرسا انتخابيا حقيقيا، أما ما أعقب ذلك اليوم، فتتحمل مسؤوليته أحزاب التحالف الثلاثي التي سعت إلى إفراغ ذلك اليوم الاستثنائي من حمولاته التي كان من بينها: حماية التعددية.
ولذلك فحين يتحدث جلالة الملك عن أن الأحزاب سواسية لديه، فلكي يؤكد مرة أخرى على أن المسافة التي يقيمها الجالس على العرش باعتباره حكما أسمى مع كل الأحزاب السياسية هي واحدة، مما يعني أنه لا مجال للزعم بأن اتفاقا ما بين الأحزاب الثلاثة يحظى برعاية ملكية، كما يروج البعض، الذين وصل التضليل بهم حد ادعاء أن رفض وجود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة هو رغبة جهات عليا.
المحطة الثانية: حدد خلالها جلالة الملك التحديات ومن ثمة الأولويات التي على الدولة والحكومة ومختلف الفاعلين الانتباه لها، وإعداد العدة بما يقتضيه واجب الدفاع عن الوطن ومصالحه العليا من استحضار لقيم التضامن والتشاركية والإنصات المتبادل.
وهي أولويات تتركز على تحصين الأبعاد السيادية للبلد على كل المستويات، إذ أن جائحة كورونا أبرزت للعالم أن كل ما قيل عن تقليص أدوار الدولة الوطنية لصالح فاعلين فوق دولتيين، قد كذبته الوقائع، بل إن دولا متقدمة عادت إلى تقاليد دولة الرعاية الاجتماعية.
أما الأولوية الثانية، فتتلخص في استمرار التعبئة واليقظة في مواجهة تداعيات الجائحة موازاة مع إنعاش الاقتصاد الوطني، وتلك ليست بالمهمة السهلة، وهي كما تتطلب امتلاك رؤية لهذه المرحلة، تتطلب كذلك القدرة على تعديل المخططات والبرامج بتغير الأوضاع الوبائية وتقلب الأسواق الخارجية.
ويتمثل التحدي الثالث في التنزيل السليم لمقتضيات النموذج التنموي الجديد، وقد كان جلالته واضحا في اعتبار أن هذا التنزيل هو ليس مهمة الحكومة لوحدها، بل هو تحد أمام الدولة والحكومة والمعارضة، كل من زاوية اختصاصاته الدستورية. وهي إشارة لطيفة إلى أن أدوار الرقابة والمساءلة لا تقل عن أدوار تدبير الشأن العام، وإلى أن المؤسسات المنتخبة يجب أن تعبئ كافة مواردها في هذه المرحلة، ولا يمكن تعطيل أدوار المعارضة استنادا إلى أغلبية، وإن كانت هي محصلة نتائج انتخابية، فإنها يجب أن تفهم أن المراحل الانتقالية الكبرى لا يمكن أن تتأسس على فهم قاصر للديموقراطية، يحصرها في الجانب العددي، الذي يفوت عليها تعبئة مثلى لكل الإرادات الوطنية.
المحطة الثالثة في الخطاب الملكي، تحدث فيها عن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الوطني قياسا لما يقع في العالم، بسبب تداعيات الجائحة والتحولات الجيوستراتيجية إقليميا ودوليا، فبفضل نشاط الصادرات المغربيةونمو تحويلات مغاربة الخارج، فالرصيد المتوفر من العملة الصعبة مطمئن، والنتائج الإيجابية للقطاع الفلاحي بسبب موسم جيد يعزز الأمن الغذائي في ظرفية دولية صعبة من حيث الإمدادات الغذائية، كما أن الوضع الاقتصادي والمالي يجعل إمكانية تحقيق نسبة نمو تفوق 5% في المتناول، خصوصا وأن نسبة التضخم تم حصرها في 1 %.
ماذا تعني هذه المؤشرات سياسيا؟
تعني أنه لا مبرر للحكومة الجديدة في تعليق أي فشل محتمل على إرث السنوات الماضية، فجلالة الملك ينبه الحكومة الجديدة إلى أنها وجدت وضعية مالية واقتصادية مستقرة، ومساعدة على انطلاقة آمنة.
وضعية اقتصادية ومالية مريحة، وأغلبية مريحة كذلك، والخطوط العريضة تم توضيحها في تقرير النموذج التنموي الجديد، والتعاقدات يحددها الميثاق الوطني من أجل التنمية، وبالتالي فلا نعتقد أن حكومة تمتلك خارطة طريق واضحة مثل هذه الحكومة.
ولذلك فلا ينبغي لها أن تتحجج مستقبلا أنها وجدت بيئة غير مساعدة.
«الاتحاد الاشتراكي»
تعليقات الزوار ( 0 )