أكدت الاخت حنان رحاب أن منظمة النساء الاتحاديات تعتبر أن مدونة الأسرة لسنة 2004، والتي شكلت حينها ثورة هادئة في ما يتعلق بتكريس الحقوق الإنسانية للنساء والاعتراف بدورهن الأساسي في الأسرة وفي المجتمع، قد جاءت بمجموعة من المكتسبات للأسرة المغربية، من قبيل المسؤولية المشتركة، على قدم المساواة بين الزوج والزوجة، في رعاية الأسرة، وحق الراشدة في تزويج نفسها، والتأسيس لإمكانية التعاقد بشأن تدبير الأملاك المكتسبة خلال فترة الزواج، وتقييد التعدد، وجعل الطلاق حقا متاحا للزوج والزوجة على حد سواء وتوسيع حق المرأة في طلب التطليق، إلا أن مجموعة من المقتضيات فيها لاتزال تحمل نفحة تمييزية ضارة أو منتقصة من مركز المرأة، إضافة إلى أن العديد من المكتسبات التي أتت بها شابتها اختلالات في التنزيل، لذلك تعتبر مراجعة مدونة الأسرة ضرورة ملحة، بما يحمي حقوق الأطراف جميعها، خاصة النساء والأطفال.
وأوضحت الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، خلال مداخلتها بمناسبة الندوة التي برمجتها المنظمة مساء الأربعاء 15 فبراير بالخزانة الجماعية لمقاطعة الحي الحسني بالدار البيضاء، أن الولاية الشرعية على الأبناء لاتزال تقيم تمييزا بين الوالدين حيث تعتبر حقا حصريا للأب، ولا يمكن أن تنتقل إلى الأم إلا في حال غياب الأب أو وفاته (م236 و238)، وهو الأمر ذاته الذي ينسحب على الحضانة التي تعلق على شرط عدم زواج الأم المطلقة، وإلا آلت للأب ماعدا في حالات معدودات (م 175)، مشيرة بالمقابل إلى أنه عندما تؤول الحضانة للأب فإن زواجه للمرة الثانية لا يسقط عنه الحضانة، بما يكون معه من اللازم إعادة النظر في هذه المقتضيات بما يحصن حق الأم في الحضانة وجعل المقتضى الوحيد الذي يمكن أن يرتكز عليه في هذه المسألة هو المصلحة الفضلى للطفل. وشددت القيادية السياسية على أن هذا التمييز بين الأب والأم في مسألة الولاية يمسّ بشكل كبير مصالح الأبناء وحقوقهم كلما تعلق الأمر بإجراءات إدارية على بداهتها، من قبيل تغيير المؤسسة التعليمية، ويصبح الأمر غاية في التعقيد في حال انفصام عرى العلاقة الزوجية، حيث تصبح موافقة الطليق على مباشرة مصالح المحضون شرطا للأم الحاضنة، وهو ما يجعل الطفل رهينة في معظم الحالات بما لا ينسجم وإعمال المصلحة الفضلى للطفل في هذا الباب.
وأبرزت الاخت رحاب أنه في ظل البنية المجتمعية الحالية الموسومة بضعف التمكين الاقتصادي للنساء واستمرار البنية القائمة على وضعية التبعية الاقتصادية للرجل أبا كان أو أخا أو زوجا، وفي انتظار تحقيق المساواة الكاملة في الولوج للموارد، وخلق الثروة بالنسبة للنساء، تبقى النفقة من القضايا المثيرة للمفارقات في المجتمع المغربي، إذ في الوقت الذي تشير فيه مجموعة من نصوص المدونة إلى النفقة الواجبة على الرجل تجاه الزوجة ( 194-195-196)، والأولاد (198-202)، مع استثناء عجز الزوج ويسر الزوجة (199)، فإن الإحصاء العام للسكان سنة 2014 أثبت أن 16.2 بالمئة من الأسر المغربية تعولها نساء، وهو ما كرسته تداعيات الجائحة على الوضع الاقتصادي للنساء . وأشارت المتحدثة إلى أن هذا الوضع يسائل فعلية النفقة المنصوص عليها في مدونة الأسرة من جهة، كما يطرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة به من قبيل طول المساطر وتكلفة رسوم التقاضي، ومشاكل تبليغ الأحكام بالنسبة للنساء المتقاضيات ثم بعد ذلك تنفيذها، فضلا عن هزالة المبالغ المحكوم بها والمرتبطة عادة بإلقاء عبء إثبات مداخيل الزوج، الذي عادة ما يخفي وضعه المادي الحقيقي بطرق ملتوية، على الزوجة. وشددت الكاتبة الوطنية على ضرورة أن توفر الدولة آليات إجراء البحث الاجتماعي من أجل إثبات الدخل وإنصاف المرأة والأبناء، خاصة مع الانتقال الرقمي المأمول في البلد، بحيث تبقى شروط الحياة الكريمة للأبناء متوفرة تحت إشراف الأبوين ومسؤوليتهما المشتركة، مبرزة في هذا الصدد ضرورة إعادة النظر في وظيفة صندوق التكافل العائلي وآلية عمله وشروط الاستفادة منه، والتي أثبتت التجربة صعوبتها وتعقدها بما يجعله إطارا لا يتسع لما أوكل إليه بفعل تعقد المساطر.
ووقفت مداخلة الاخت حنان رحاب كذلك عند الشق المتعلق بالحقوق الاقتصادية المهدورة للنساء في مؤسسة الزواج، والتي تفرض نفسها بقوة عند انحلال هذه الرابطة، مشيرة في هذا الإطار إلى تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الحياة الزوجية والذي عالجته المادة 49 من المدونة بما أتاحته من إمكانية مفتوحة لتأطير هذا التدبير بتعاقد عادة ما تحول التقاليد والأعراف دون العمل به، مبرزة أن المشرع لم يحطه بالإلزامية، كما أن المادة لم تميز بين نظام الأموال المكتسبة، ونظام الكد والسعاية بما هو ضمان لحقوق المرأة في تنمية الأسرة بمقتضى ما تبذله من جهد في رعاية أفرادها، وتنشئة أطفالها وهو ما لا يدخل في العمل المأجور، ولا في الموارد التي تعتبر جزءا من الأموال المكتسبة سواء أثناء الزواج، أو بعد الانفصال بالنسبة للأم الحاضنة. وشددت القيادية الحزبية على أن منظمة النساء الاتحاديات اختارت منهجية الإنصات والاستماع والتفاعل مع مختلف الفاعلين في الحقل الحقوقي ونساء ورجال العدالة، وبرمجت ندوات على الصعيد الوطني في الفضاءات العمومية من أجل الإنصات لشهادات الأسر المغربية ومعاناتها مع تطبيق المدونة الحالية، ومع نكوصها الحقوقي والقانوني، الذي لا يضمن التوازن الأسري ولا المصلحة الفضلى للطفل ولا الحماية للمجتمع، وذلك بهدف ترصيد إمكانيات المراجعة والتغيير التي لا خلاف فيها، والمتعلقة بتعميق النقاش في مواد أخرى تحتاج إلى شجاعة النقاش والتغيير. وخلصت المتحدثة إلى انه خلال الندوات واللقاءات التي تم عقدها أثيرت العديد من المواضيع المرتبطة بتفاصيل المدونة بشكل ملحّ كما هو الحال بالنسبة للحضانة، النفقة، النسب، الولاية، الطلاق، المتعة، تزويج القاصرات، وهو ما يتطلب مراجعة المواد التي تتعلق بها وتغييرها وفقا لالتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.
بدورها أكدت الاخت عائشة كلاع في مداخلتها حول مدونة الأسرة بين الواقع وإكراهات التغيير أن هناك نقاشا مجتمعيا واسعا يدعو لتعديل وتغيير مدونة الأسرة، مشددة على أن أي تغيير يجب أن يكون شاملا، جذريا، وعميقا. واستعرضت الفاعلة الحقوقية المسارات والأشواط التي قطعتها مدونة الأسرة التي كانت تسمى في البداية بقانون الأحوال الشخصية، الذي تم وضعه من طرف فقهاء سنه 1957، والتعديلات البسيطة الذي عرفها في مراحل تاريخية كسنة 1959 ثم سنه 1993، مشيرة إلى أنه انطلاقا من هذه اللحظة الأخيرة تم الانتقال إلى نقاش يسعى للابتعاد عن الطابع القدسي الذي ظل لصيقا بهاته المدونة التي تم تقييدها بقيود شرعية، مبرزة أن ما ساهم في هذا التوجه الجديد على مستوى النقاش هو الالتزامات التي صادق عليها المغرب في إطار الاتفاقيات الدولية المختلفة ذات الأبعاد الحقوقية، وضمنها حقوق النساء والأطفال.
وأكدت الاخت كلاع أن الجهد الذي تم بذله من أجل الخروج من «البوتقة» السابقة والدفع بالقانون لكي يسلك مساره التشريعي الطبيعي كان بمثابة مقدمة تستوجب اليوم مواصلة العمل من أجل الارتقاء به على مستوى المضامين لتجاوز كل الاختلالات التي تم الوقوف عليها أثناء تطبيقه على مرّ كل هذه السنوات، مشدّدة على أن القانون يحتاج إلى آليات للتنزيل تستحضر كل الخصوصيات والتفاصيل المجتمعية، وإلى مؤسسات كفيلة بتوفير أجواء سليمة للتطبيق، كما هو الحال بالنسبة لمحاكم أسرة متخصصة وكذا آليات الوساطة الأسرية، إذ أن الكثير من المشاكل كان من الممكن تفاديها لو توفرت هذه البنيات. واعتبرت المحامية والفاعلة المدنية في مداخلتها أن القانون يجب أن يساير التحول الذي تعرفه الأسرة المغربية والمجتمع، مؤكدة أن الطفلة ما دون 18 سنة مكانها المدرسة، ويجب توفير ظروف العيش الكريم لها على مختلف المستويات والأصعدة، لا أن يتم الزجّ بها في مشاريع للزواج وتحميلها تبعات ومسؤوليات أعطاب سياسات مختلفة.
واستعرضت المتحدثة في عرضها عددا من الأعطاب كما هو الحال بالنسبة لمشكل الولاية على الطفل عند وقوع الطلاق، إذ لا يمنح القانون الحق للمرأة في هذا الإطار رغم كونها حاضنة عليه، وهو ما يفرض ضرورة الرجوع إلى الأب في مختلف مناحي ولحظات الحياة حتى المستعجلة منها وإن لم يكن متواجدا، مشددة على أن من يؤدي ثمن الطلاق هم الأطفال، وهو ما يتطلب منح الحاضن مسؤولية كاملة لا جزئية. واستفاضت كلاع في استعراض العديد من المشاكل التي أفرزها تطبيق المدونة منذ 2004 إلى اليوم في مستويات مختلفة، ومنها ما يتعلق بالنفقة، وما يصطلح عليه بـ «المتعة»، الذي يجب القطع معه لحمولته التبخيسية، وكذا الحقوق المتعلقة بالممتلكات المكتسبة خلال فترة الزواج، مستنكرة في نفس الوقت استمرار حضور عدد من المفاهيم المسيئة لحقوق الأطفال في وثائق إدارية ترافقهم لسنوات طويلة هم غير مسؤولين عن حمولاتها. وأكدت الفاعلة الحقوقية أن كل مسيرة للتغيير تنطلق بخطوة، وهو ما يتطلب اليوم من الدولة أكثر من أي وقت مضى، في ارتباط بالنقاش المفتوح حول مدونة الأسرة، أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة، وأن يتم التعامل مع الموضوع وتدارس كل التفاصيل المرتبطة به بشكل شمولي وعقلاني يراعي كل تفاصيل الحياة اليومية.
من جهتها تناولت فاطنة سرحان، الأستاذة الجامعية، في مداخلتها حول سياقات المطالبة بتعديل مدونة الأسرة، للسياقين العام والخاص، مشددة على أن من بين أهم الدوافع التي أسّست للنقاش في البعد الشمولي ضرورة اعتماد المدونة للمبادئ الأساسية التي جاء بها دستور المملكة وما التزم به المغرب في إطار الاتفاقيات الدولية المختلفة التي صادق عليها التي تنهل من مراجع حقوقية كونية. وشددت المتحدثة على أن مبدأ المساواة يعتبر المفتاح الرئيسي لكل تعديل، باعتباره فلسفة يجب ترجمتها على مستوى الممارسة في كل المجالات، مؤكدة أن هذا الخيط الناظم يجب استحضاره واعتماده اعتمادا أساسيا في مراجعة مدونة الأسرة في كل ما يخص العلاقة في الحياة الزوجية وبعد الطلاق وما يربط الوالدين بالأطفال، وان تكون آثار هذه المساواة واضحة وجليّة لا لبس فيها في كل المراحل من الخطبة إلى الزواج وصولا إلى آثار هذه الخطوة.
وأبرزت الفاعلة الحقوقية أن مدونة الأسرة هي القانون الذي يهتم بالإنسان قبل الولادة وبعد الوفاة خلافا لمجموعة من القوانين الأخرى، في إشارة إلى حقوق الجنين قبل الولادة، سواء داخل أو خارج مؤسسة الزواج، مرورا بالعلاقات الزوجية والقرابة في الحياة ثم ما بعد الوفاة كذلك، وبالتالي فالأمر يتعلق بقانون يحكم حياة الأشخاص في كل مراحلها. ووقفت الأستاذة الجامعية في الشق المتعلق بالسياق الخاص المرتبط بالدعوة لمراجعة المدونة في مداخلتها، عند عدد من أوجه القصور المرتبطة بتطبيق مضامينها، والتي تم تسجيلها على امتداد كل السنوات السابقة، ومنها إشكالية التناقض بين المقتضيات القانونية وضرورة ملاءمة القانون بين أحكام النصوص، مستعرضة عددا من الأمثلة في هذا الباب كما هو الحال بالنسبة لتحديد سن الزواج القانوني ثم العودة للحديث عن تزويج القاصرات من خلال منح القاضي الإذن بذلك، الأمر الذي اعتبرته المتحدثة قد تحول من استثناء إلى قاعدة.
وأبرزت الاخت سرحان أن أعطابا اجتماعية ومشاكل مجتمعية عنوانها الحيف حيال المرأة والطفل تسببت فيها المدونة بصيغتها الحالية، وهو ما يستدعي ضرورة مراجعتها بالاعتماد على مبدأ المساواة، مشيرة إلى أن استمرار مشاكل تتعلق بنسب الأطفال الذين يتم إنجابهم خارج علاقة الزواج، وإشكال تقييم العمل المنزلي وتناقض الأحكام وغيرها كثير من المعضلات يجب أن يتوقف وأن يتم صون الحقوق واحترام كرامة النساء والأطفال والارتقاء بالوطن من خلال الارتقاء بأوضاع الأسرة المغربية بكل أقطابها.
وكانت الاخت سعاد طاهر، عضو منظمة النساء الاتحاديات، قد افتتحت اللقاء الذي أدارت أطواره بكلمة أكدت من خلالها على سياقات عقد الندوة والتفاصيل المرتبطة بالنقاش الذي تعرفه الساحة المجتمعية حول مدونة الأسرة، مشيرة في نفس الوقت إلى المكتسبات التي راكمتها الحركة النسائية بهدف تطوير المدونة وتجويدها في أفق المساواة في الحقوق والواجبات. ووقفت المتحدثة عند الدينامية الوطنية التي أطلقتها منظمة النساء الاتحاديات عبر مختلف أقاليم المملكة، مبرزة أنه بعد 18 سنة من اعتماد مدونة الأسرة تبين بالملموس ضرورة مراجعتها لأن المرأة تعاني من الحيف والتمييز في أغلب النزاعات الأسرية ولا تتوفر على حماية لحقوقها.
وعرف اللقاء تقديم العديد من النساء لشهادات مؤلمة، تؤكد أنهن عشن قهرا وحيفا، بسبب عدم القدرة على حماية حقوقهن وحقوق أطفالهن، بسبب عدد من المساطر والتعقيدات المرتبطة بمدونة الأسرة، التي لم تسهم بحسب تصريحاتهن في تمكينهن من العيش في إطار يحافظ على كرامتهن، وهي الشهادات التي تفاعلت معها القاعة والتي تؤكد صواب المنهجية التي اعتمدتها منظمة النساء الاتحاديات حين اختارت هذا الشكل التواصلي المفتوح مع الجميع.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

بيان منظمة النساء الاتحاديات

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني