طارق المالكي
هذه بعض الأفكار والخطوط الأولية والعامة التي نعتقد أنها تشكل المشروع المجتمعي البديل الذي يتعين على اليسار الاشتراكي الديمقراطي اقتراحه على المغاربة..
ولذلك من مسؤولية مواطنينا أن يكونوا واعين بالمخاطر المتربصة ببلادنا، والتعبئة الكلية
يوم الحسم
جسد الخروج العمومي الاخير لرئيس الحكومة عبد الاله بنكيران في وجدة ,الانزعاج العميق والقطيعة التي تترسخ تدريجيا بينه وبين شبيبة بلدنا. ردة فعله تكشف عمق حالة الإرتباك التي تتملكه ، وعجزه عن الاستجابة لمطالب وانتظارات الشباب المغربي، الذين يبدو أنهم فهموا أنه لا شيء يرجى من رئيس هاته الحكومة.
أين نحن من وعود 2011؟ ، قيل لنا آنذاك أن أولى الأولويات هي محاربة الفساد والتسيب الاداري ومكافحة البطالة خاصة في صفوف الشباب ومكافحة الفقر والاقصاء والهشاشة والعمل من أجل بناء مغرب ديمقراطي يستعيد فيه المواطن كرامته.. لكن ماالذي وقع بعد ذلك؟
لاشيء تقريبا أو ربما وقع نقيض تلك الوعود! ذلك أنه بعد حالة الترقب التي دامت أقل من سنة، وجدت حكومة بنكيران -التي يبدو واضحا أنها غير مهيأة لتسيير الشأن العام – وجدت نفسها عاجزة، بدون موارد وبالخصوص بدون تصور لتدبير الملفات الحارقة التي كانت تنتظرها: إصلاح صندوق المقاصة، إصلاح أنظمة التقاعد، تدبير المديونية العمومية، إصلاح المدرسة العمومية، إصلاح العدالة… الخ.
وباستثناء كون هذه الحكومة لم تقم بأي إصلاح، فإن ورش إصلاح التربيةالتعليم تم بعيدا عن الحكومة وتحت الاشراف المباشر للمجلس الأعلى للتربية والتعليم ووزارة التربية الوطنية ، فهذه الحكومة ومنذ تنصيبها أعطت الإنطباع بأنها تائهة بلا رؤية ولا محددات , بدون أفق وبلا نظرة ولا بوصلة ، وتدبيرها للعلاقة مع الهيئات الوسيطة ومع الهيئات المجتمعية ( نقابات ، تمثيليات المدرسين والقضاء والاطباء.. الخ ) يكشف بوضوح حالة الارتباك التي تميز هذه الحكومة.
الحصيلة هزيلة والأرقام عنيدة
وبرأي كل المتتبعين لم يسبق للحوار الاجتماعي، العزيز على ثقافتنا السياسية منذ عدة سنوات، أن وصل الى هذه الدرجة من الخطورة و الإسفاف، فهذه الحكومة أظهرت منذ توليها احتقارها التام للتنظيمات النقابية العمالية والمهنية وغيرها. وهنا لا نتحدث عن الانتهاكات المتكررة للحريات الفردية والجماعية وكل ماصاحبها من فصول حقيقية من القمع الوحشي لاسيما في الاحياء الجامعية. كذلك , واذا ما أردنا توصيف الايديولوجية التي تحرك عمل هذه الحكومة، يمكن أن نقول بأنها الليبرالية المتوحشة في أبشع وأعنف صورها على المستوى الاقتصادي , والتقليدانية الاكثر تخلفا على مستوى الأخلاق. ومشاركة حزب التقدم والاشتراكية- الذي كان من قبل حزبا يساريا- لم تغير شيئا في المشهد اللهم كونها مشاركة كرست نهائيا تواطؤ حزب , كان مفخرة جيل بكامله من المناضلين اليساريين ، تقلص اليوم الى أدنى مستوى وأصبح يعيش تحت رحمة الحزب الحاكم الذي يبدو أنه يهييء لتحالفاته المقبلة . وهكذا أضحى ورثة المرحوم علي يعتة يسيرون بحزبهم على نهج الانتهازية السياسية والانتخابية في أبسط وأحط صورها.
ولذلك فان الوقت قد حان للوقوف على الحصيلة الحقيقية لحكومة السيد بنكيران , حصيلة سيتحمل وحده مسؤوليتها أمام المغاربة, فوضعية المغرب سنة 2016 تعتبر من أسوأ السنوات التي عشناها منذ حوالي 25 سنة على جميع المستويات. والأرقام في هذا الباب عنيدة فنسبة النمو المرتقبة سنة 2016 لن تتجاوز 1.2 في المائة حسب توقعات مجمل الهيئات الوطنية (المفوضية السامية للتخطيط، المركز المغربي للظرفية). أو الدولية (صندوق النقد الدولي ) ومعدل النمو طيلة السنوات الخمس الماضية لم يتعد 3.5 في المائةرقم يبقى بعيدا جدا عن 5.5 في المائة التي وعد بها بنكيران عند توليه سنة 2011 . وأغلب الخبراء يقولون بأنه إذا أراد المغرب أن ينخرط فعلا وبشكل مستدام في مسار الإقلاع , عليه أن يحقق على الاقل معدل نمو بنسبة 6 إلى 7 في المائة سنويا.. فالبطالة بلغت مستويات قياسية لاسيما بطالة الشباب في الوسط الحضري والتي تجاوزت 40 في المائة..والمديونية العمومية الخارجية تقارب 300 مليار درهم, وهو أمر يطرح إشكالية تحملها.
كما أن الوضع من حيث مستوى الفقر واتساع الفوارق وتفقير الطبقات الوسطى وإقصاء أكثر الشرائح هشاشة ، يزداد تدهورا بالمقارنة مع الفترة مابين 1998 و 2007 , دون الحديث عن جاذبية المغرب فيما يتعلق بتدفق الاستثمارات وخاصة الاستثمارات الخارجية. التي شهدت بدورها تدهورا. هذه الجاذبية التي ترتبط بدورها بالإشكاليات الجدية للتنافسية التي يواجهها اقتصادنا.. وهكدا نقف فعلا على حجم فشل فريق بنكيران بالنظر لهذه الحصيلة الاقتصادية و الإجتماعية القاتمة، التي خفف من وطأتها بعض الشيء دخول وزراء من حزب التجمع الوطني للاحرار للحكومة، والذين كانت خارطة طريقهم هي محاولة إعادة تصحيح ما أمكن، نقص تجربة ومغامرة وخاصة نقص كفاءة أغلبية وزراء حزب العدالة والتنمية.
ولابد كذلك , وربما هذا هو الأهم والأخطر بالنسبة لما سيأتي ، لابد من الحديث عن الحصيلة فيما يتعلق بالخروقات التي مست الحريات الفردية والجماعية. فلم يسبق لبلادنا أن شهدت، لاسيما في سنة 2015، مثل هذا الحجم من الاضرابات والنزاعات الاجتماعية التي تعطي الدليل على القلق والانزعاج الاجتماعي الذي يزداد استفحالا .هذا الوضع المتوتر باستمرار ، والذي ترعاه حكومة تلعب دور الاطفائي / مضرم النيران ، وبالموازاة مع جو الكراهية والحقد الذي يروج له شيوخ ودعاة متعصبون يزرعون الفرقة في مجتمعنا , بحيث يبدو الأمر كما لو أن إسلامي حزب العدالة والتنمية يثيرون بشكل مقصود فزاعة التطرف الاكثر بشاعة من أجل أن يقدموا أنفسهم أمام الرأي العام الوطني، وبالاخص الدولي , أنهم يمثلون الوجه المعتدل والمقبول للإسلام، ويرفعون شعار يكاد يقول “صوتوا لصالحنا لأننا الوحيدون القادرون على ضبط هؤلاء المتعصبين..” لكن علينا ألا ننخدع فكل هؤلاء الناس يتغدون من نفس حليب الكراهية ويتقاسمون على المدى البعيد، نفس الأهداف السياسية المتمثلة في إرساء حكم ديني وديكتاتورية إسلامية / فاشيستية تضحي بالحريات الفردية على أعتاب “الطهرانية” و”الأخلاقوية” الدينية.
وأخيرا، على المستوى السياسي، من الواضح ان بنكيران وأتباعه لا يحبون الديمقراطية والديمقراطيين.. وغياب الرغبة لديهم في إرساء وإخراج القوانين التنظيمية المنصوص عليها في دستور 2011 أو تلكؤهم في التنديد بشكل واضح وصريح بالتهديدات الامنية التي طالت وتطال بعض الشخصيات العمومية المغربية اليسارية على الخصوص. أو حتى الإعتداءات الإرهابية التي ضربت عدة دول في الفترة الاخيرة. كلها مؤشرات ومعطيات تؤكد الإلتباس والغموض ان لم نقل الغباء الذي يحكم ويؤطر مسؤولي حزب العدالة والتنمية.
ولذلك، حان الوقت ليفهم المغاربة أنه وراء شخصية رئيس الحكومة التي تبدو للوهلة الاولى حميمية ومحبوبة، يختفي في الحقيقة رجل سياسي انتهازي يجيد الحساب وبالاخص شخصية رجل خطير لكونه, في نظري , يتوفر على أجندة سياسية خفية وهذا هو الخطر الحقيقي التي يتهددنا.
فنحن امام رجل يبني بواسطة اللامبالاة العامة. والكذب والمناورة والتهديد والتخويف والابتزاز…ليجعلها كقواعد للحكامة السياسية ، رجل مستعد للتضحية بكل شيء. بكل القيم التي ميزت المغرب منذ عهود , من أجل أن يبقى في السلطة مهما كان الثمن. رجل لم تفرز ممارسته للسلطة سوى مزيد من العزوف الجماعي من كل شيء. رجل لم يفلح سوى في إذكاء مزيد من التوترات الاجتماعية من خلال خلق مزيد من الإحتقان والمواجهة بين مختلف الشرائح الاجتماعية وضد بعضها البعض. ” فالظاهرة بنكيران” كما يحلو للبعض تسميته ، ورغم ما تروج له بعض الدوائر الإعلامية والثقافية التي ترى فيه شخصية “الحيوان السياسي” الاستثنائي والخارق ليست في الحقيقة سوى إحياء بئيسا لاستبداد شعبوي ديني من نوع آخر يجد منبعه في القطيعة السياسية الحاصلة بين الشعب ونخبه، وفي أزمة الهوية لما بعد انهيار الشيوعية، وفي الازمة الاقتصادية و الاجتماعية الرهيبة التي تعصف بشرائح واسعة من مجتمعنا، وفي غياب الافق امام شبابنا. نموذج شبيه تقريبا بنموذج اليسار الفرنسي القديم الذي يحتاج للعاطلين من أجل توسيع قواعده السيايسة والانتخابية. وبنكيران يحتاج للفقراء «والمحبطين» من كل الاطياف من اجل تبرير واضفاء الشرعية على وجوده السياسي. فهذه ليست طريقة لحكم بلد من خلال تلميع أحط وأخبث الغرائز من أجل انعاش دكانه الانتخابي، أو إذكاء الأحقاد أو إشعال الحرائق التي لن تلتئم جروحها بسرعة.أو إحتقار ذكاء شرائح واسعة من مجتمعنا مهمشة بما يكفي .. إن حكم بلد يكون بالعقل وبالكرامة والتجاوز والاعتزاز وربط الجسور بين الحاضر والمستقبل وليس ببناء الحواجز بين البعض والبعض ولذلك، أعتقد بأن التاريخ لا يرحم الذين يصنعوه.. وفي هذا الصدد ربما لن يحتفظ التاريخ بشيء لبنكيران ربما مثل سافونارول أمير البندقية الذي انتهى محروقا بالنار لأنه أراد أن يضع سكان البندقية تحت رحمة دكتاتورية دينية رهيبة..
ولذلك حان الوقت , نحن المغاربة , لنقول “كفى” للسيد بنكيران ولإيديولوجيته الفئوية المتخلفة والماضوية، بالوسائل والآليات الديمقراطية التي نتوفر عليها. علينا أن نقول له بأن تصوره للمغرب الذي يريد فرضه علينا ليس هو تصورنا للمغرب ، أرض الضيافة والاختلاط و التسامح والتعايش والحميمية منذ مئات السنين.
من أجل تعاقد سياسي جديد
علينا نحن المغاربة أن نعمل حتى لا يكون بنكيران سوى ظاهرة عابرة غير مؤثرة في البناء السياسي لبلدنا العظيم ، أن لا يكون سوى قوس عارض في مسيرتنا حان الوقت لاغلاقه، أكاد أجزم بأن المواطنين المغاربة ليسوا أغبياء وقد فهموا بوضوح لعبته، لذلك من مسؤوليتنا جميعا رجال ونساء تقدميين, خلق شروط التغيير من خلال اقتراح تعاقد سياسي واقتصادي واجتماعي جديد، على مواطنينا، يكون مرتكزا اولا على تقوية المواطنة المبنية على حقوق وأيضا على واجبات ومسؤوليات. والرهان الاكبر هو بناء وتشكيل مواطن جديد يكون متحررا فعلا من أي شكل من أشكال الوصاية كيفما كانت. ويتعين أيضا تحرير القطاع الخاص من أي شكل من اشكال الوصاية الاقتصادية وتمكينه من لعب دوره في تحديث وعصرنة الاقتصاد من خلال الابتكار والتجديد. وهذا لن يتأتى إلا من خلال المحاربة الفعلية والحقيقية لكل أشكال الريع واستغلال النفوذ والمواقع التي تخنق العديد من المقاولين . يجب كذلك محاربة المصالح القائمة في بعض القطاعات الانتاجية ، والتي تحظى بامتيازات مجحفة ولا تخضع لأي التزام من حيث المردودية والإنتاجية أو الفعالية. فمقاولاتنا الصغرى والمتوسطة تختنق تحت وطأة المساطر ولا تستطيع التطور في ظل غياب أنظمة تمويل ملائمة. ولذلك من الملح والمستعجل خلق بنك عمومي للاستثمار من اجل تعبئة جزء من الادخار الوطني يكون موجها لتمويل مقاولاتنا الصغرى والمتوسطة الكفيلة وحدها بخلق مناصب الشغل غدا. ويتعين كذلك أن نجعل من الإنصاف في كل الميادين سواء في الجبايات أو الضرائب أو العدالة أو غيرها حصان معركة الولاية الحكومية القادمة.. علينا إرساء مبدأ ضريبي بسيط يتمثل بالمساهمة في المجهود الجبائي والضريبي حسب ثروة كل فرد، ولتحقيق ذلك فإن إعادة النظر كليا في نظامنا الضريبي تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى ، اصلاح حقيقي يكون مبنيا على الانصاف والتدرج.
وبخصوص العدالة فإن إلغاء هذا القانون الجنائي المخجل وغير المشرف الذي يعيد المغرب عشرات السنين إلي الوراء، يجب أن يكون أولوية الفريق الحكومي المقبل، نفس الشيء بالنسبة لمدونة الصحافة والنشر. فلم يسبق لأي حكومة أن أجهزت بمثل هذا الشكل الممنهج على الحريات الفردية والجماعية.
أيضا يجب أن يكون تطبيق مضامين دستور 2011 من الأولويات حتى نتمكن من تقوية وتمثين واستدامة المكتسبات الديمقراطية للبلاد.
واخيرا، يجب تسريع إصلاح منظومة التربية والتعليم يكون ناظمها المشترك هو تقوية تعلم اللغات لدى التلاميذ، وإعادة النظر في التربية الدينية وتكوين المكونين.. وفي هذا السياق يتعين اعتبار التربية الوطنية كقطاع تابع للسيادة الوطنية حتى يبقى محصنا من كل محاولة احتواء سياسوي..
تلكم بعض الأفكار والخطوط الأولية والعامة التي يجب أن تشكل المشروع المجتمعي البديل الذي يتعين على اليسار الاشتراكي الديمقراطي أن يقترحه على مواطنينا. ولذلك من مسؤولية مواطنينا أن يكونوا واعين بالمخاطر المتربصة ببلادنا، والتعبئة الكلية يوم الحسم حتى نعاقب حزبا، ليس فقط لأنه لم يقم بأي شيء من أجل تحسين أوضاعهم , على العكس كذب عليهم بشكل فج طيلة أربع سنوات. بل لانه على الخصوص يهدف الى أن يجر مجتمعنا نحو مجاهيل التطرف الديني. فالوضع خطير لان منح السيد بنكيران ولاية ثانية سيضعنا حتما على نهج السيد اردوغان في تركيا, حيث تمكن , مع مرور السنوات ، من إرساء ديكتاتورية إسلامية فاشيستية باستحواذه تدريجيا على كل مفاصيل السلطة بما فيها الجيش.. صحيح أن المقارنة لا تمثل الحقيقة، لكن التاريخ عنيد. لذلك فالفرصة قائمة لابعاد بنكيران وأتباعه ولن تكون هناك مرة ثانية. والا سيكون الوقت قد فات وعندها لن نستطيع القول: «لم نكن نعلم!» سنكون كلنا جميعا مسؤولين بصمتنا، بتواطئنا، أو بامتناعنا عن التصويت، مسؤولين عن الكارثة التي سنتخبط فيها جميعا.
اللهم اني بلغت..
** إعلان لكل المواطنين:
موعدنا يوم 7 أكتوبر المقبل لاشهار الورقة الحمراء في وجه بنكيران ليفهم بشكل واضح ان اللعبة انتهت!
تعليقات الزوار ( 0 )