علي الغنبوري

بعد سنة من اطلاق المصالحة داخل الاتحاد الاشتراكي كخطوة تنظيمية جديدة على الممارسة الحزبية الداخلية تروم التجميع و توحيد الصفوف ، يمكننا اليوم ان نقدم رأيا صريحا و متأنيا حول هذه المبادرة ، و ان نقيم مدى جديتها و مدى فعاليتها و قدرتها على اعطاء الصورة الحقيقية للاتحاد الاشتراكي كحزب يعتز كل ابنائه بالانتماء اليه.

تناولنا لموضوع المصالحة لن ينطلق من زاوية الانعكاسات التنظيمية المحضة ، و لن ينطلق كذلك من فكرة الانقاذ الذي روج لها البعض ، فالحزب لم يكن في موضع انهيار او افلاس تنظيمي و سياسي حتى تكون المصالحة وسيلة انقاذ، بل المصالحة جاءت كوعي جماعي بضرورة توحيد صفوف الاتحاديات و الاتحاديين و تمتين بنية الحزب ، و تجميع مختلف الطاقات و الاطر الاتحادية داخل حزبهم ، و تجسيد فكرة البيت الاتحادي الكبير التي يقوم عليها الحزب .

من المؤكد ان انطلاق عملية المصالحة داخل الاتحاد الاشتراكي ، رافقه جدل و شك و توجس كبير من طرف عدد من الاطراف الحزبية ، باعتبار اولا انها خطوة غير مسبوقة في التاريخ الاتحادي و ثانيا باعتبار حجم الصراعات المتراكمة على امتداد عقود داخل الحزب ، و هو ما ادى الى حالة تردد كبيرة في مواقف عدد من الفعاليات الاتحادية نحوها .

هذا التردد لم يتوقف عند حدود الممانعة و التريث ، بل انتقل الى مرحلة التشكيك و التخويف و التخوين اتجاه كل من قبل المصالحة، بل ان البعض لم يتردد في التحذير من فشل هذه المصالحة و انعكاساتها السلبية على العائدين الى صفوف الحزب ، حيث سمعنا كلام من قبيل ” غادي تحرقو ” و ” و راه غادي يجري عليكم ” و ” الاتحاد مات” و ” الاتحاد يحكمه شخص” و غيره من الاحكام الجاهزة و غير المنطقية، و المغلفة بذاتية غير موضوعية و غير مبررة.

لن انكر ان العودة الى الحياة التنظيمية للحزب لم يتخللها التوجس و الحيطة ، خاصة و اننا عشنا سنوات من الصراع مع القيادة الحالية ، و كذلك لتأثرنا بالمواقف المتضاربة حول المصالحة و مألها ، حيث كانت تطرح علينا اسئلة كثيرة حول الحزب و تدبيره و قيادته و موقعنا داخله ، و هل سنستطيع الاندماج بعد كل هذه السنوات ؟ لكن هذه الاسئلة سرعان ما ستزول و نحن نجد انفسنا منذ اليوم الاول في قلب الحياة التنظيمية و السياسية للحزب .

وجودنا داخل الحزب سيكشف لنا ، ان الاتحاد الاشتراكي و بخلاف ما يروج خارج اسواره ، فهو حزب منفتح و حزب مؤسسات ، و ان الرغبة في تطويره و اعادة وهجه ، هي قناعة متجدرة لدى قيادته و مؤسساته الحزبية ، و ان المصالحة هي امر محسوم فيه كتوجه متواصل غير قابل للنقاش او المزايدة .

ما وقفنا عليه كذلك طيلة هذه المدة ، ان الحزب تحول الى خلية نحل ، لا هم لها سوى العمل و البناء و الرقي بالحزب على شتى الأصعدة ، فالدينامية داخله تنطلق من القدرة على الاشتغال و على المواكبة و المتابعة و الانتاج السياسي و التنظيمي، فمن يستطيع مواكبة هذا الطرح سيجد نفسه ضمنيا في قلب كل رهانات الحزب بدون استثناء .

مصالحة الاتحاد الاشتراكي مع مناضليه و مناضلاته ، لا تنطلق من جبر الضرر و لا من الترضيات و تطييب الخواطر ، بل تنطلق من القدرة على الانخراط في اوراش الحزب و المساهمة في ديناميته و مواقفه ، و الدفاع عن خياراته و قناعاته و توجهاته ، و تجسيدها على ارض الواقع ، و المشاركة الفعالة في تنظيماته و هياكله المحلية و الوطنية .

الاتحاد الاشتراكي اليوم هو حزب حي ، و قادر على المنافسة السياسية ، و قادر كذلك على تجسيد الاختيارات الحداثية و الديمقراطية و تمثيل المجتمع ، و خدمة البلاد و تطلعاتها و رهاناتها ، و لا يمكن لاي احد ان ينكر هذا الدور و هذه القدرة التي يتمتع بها و التي استطاع ان يتبثها للجميع، بامتياز و اقتدار ، من خلال مواقفه و مقترحاته في عدد من المحطات و الاحداث التي عاشها المغرب في الاونة الاخيرة ، و من بينها رؤيته الاجتماعية للنموذج التنموي و اقتراحاته المتبصرة و الرائدة فيما يخص تدبير ازمة كورونا ، و مواقفه الوطنية حول الصحراء المغربية ، و تحركاته المتميزة لنصرتها ، و اخرها طرحه السياسي النابع من قناعاته الاشتراكية الديمقراطية ، الذي طالب من خلاله بضرورة فرض التناوب الاجتماعي كأفق سياسي للاستحقاقات المقبلة .

لم يعد الحزب اليوم محتاج الى اثبات نجاح المصالحة الاتحادية ، بل هو اليوم متوجه الى تعزيزها، من خلال انفتاحه على الطاقات المجتمعية ، و تقوية ذاته و هياكله ، و تعزيز ديناميته ، و فرض رؤاه و مواقفه كاحدى الاختيارات الاساسية في المشروع الوطني للبناء المجتمعي و المؤسساتي و التنموي للبلاد .

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم

أوجار بين الحكامة و السندان

الملك يريد عملية إحصائية للسكان بمناهج خلاقة

الحكومة المغربية تهرب التشريع المالي