عبد الحميد جماهري
ما أثارني في بيان المجلس الوطني الأخير للحزب الذي يقود الحكومة، هو حديثه عن الاستبداد… وتلك العبارة التي تعود إلى بلاغة «الربيع العربي»، وما قبل عِقْد من الشراكة الدستورية في الحكم…
فقد جاء في البيان، أن المجلس الوطني إياه «يجدد عزم مؤسسات الحزب على الاستمرار في النضال ضد الفساد والاستبداد»
الاستبداد…؟؟؟
كأنها جملة اجتُزئت من أدبيات العدل والإحسان أو النهج الديموقراطي….وليس من وثيقة حزب يحكم منذ عشر سنوات!!!
لنذكّر بتعريف الاستبداد…
إنه «حكم، أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد، أو مجموعة أفراد من غير خضوع لقانون أو قاعدة، ودون النظر إلى رأس المحكوم عليهم.»
ويعرف محمد عبده نفس الكلمة:» المستبد عُرفا، من يفعل ما يشاء غيرَ مسؤولٍ، ويحكم بما يقضي به هواه».
أما في التعريف الغربي، فكلمة despotisme فتطلق على نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه سلطة أبوية، وهنا يصبح المعنَى: انفراد بالحكم أو السلطة المطلقة من غير الخضوع لقانون أو قاعدة».
هل هذا ما نعيشه حقا؟..
لنتفق، قبل الجواب، أن الأمر ليس تطفلا إيديولوجيا على حزب ذي سيادة، ولا هو أبدا تربص سيئ النية على أبواب الانتخابات / «القََنْيَة» بلغة الأستاذ عبد الإله بن كيران.
إن الأمر من صميم القلق الوطني الأخلاقي والجدلي،
إذ لا يمكن أن نمارس السياسة أو نحدد المواقف، تحت مظلتها، إذا ما نحن أغفلنا مواقف القوة السياسية الأولى في البلاد، أي بلاد كانت.
وهذه المسلّمة، هي التي تجعل متابعة الأدبيات السياسية للعمود الفقري للحكومة، شرطا أساسيا في العيش سياسيا في مغرب اليوم، وغدا.
وينضاف إلى كونه القوة السياسية الأولى، كونه على رأس الحكومة، بما يعني ذلك الآثار التي تنجم عن مواقفه وقراراته وتوجهاته، على الحياة الوطنية العامة.
هذا أولا،
وثانيا: إن أدبياتِه السياسية، والمواقف المترتبة عنها، تمنح قاعدة لاتخاذ المواقف من لدن كل الفرقاء السياسيين والمؤسساتيين، وعلى رأسهم الدولة، والأحزاب والقُوى الاجتماعية، وتكون قاعدة في تعريف الحياة السياسية وتقدير القوة المؤسساتية للدولة ودرجة التطور التي تحصل في البلاد.
وعليه، فليست التيارات المعارضة، بالوسطية أو بالراديكالية – هي وحدها – التي تملك بداهة تقييم الحياة المؤسساتية للمغرب، سلبا!
ثم ثالثا: لا يمرُّ تقدير الحزب الأول للبلاد للوضعية السياسية ووصفها بالاستبداد مرورَ الكرام أو مرورَ الكلام المطلق على عواهنه، بل يُتَّخذ بيانا من بيانات الحكم على بلادنا من طرف المؤسسات الدولية وقوى القرار الاقتصادي، والعواصم التي تضع سلم الديموقراطية، عتبة لأي تعامل معنا.
ونحن في وضع دولي يتميز بغير قليل من الحرارة، علاوة على أن بلادنا عوّلت على الرأي العام الأممي في الانتصار لقضاياها العادلة، ومساندتها في مجهوداتها الوطنية لاستكمال الوحدة.
ونحن نعرف، بأن الديموقراطية هي التي تجعل صوتنا مسموعا، وعندما يتحدث الحزب الأول عن الاستبداد، لنا أن نتساءل: هل يمكن أن نُحْرج الآخرين بعدالة قضيتنا وتطورنا الديموقراطي إذا كنا ننسفهما من أعلى سلطة حكومية؟
ومن هذا الباب، لا نتخذ الموقف فقط على قاعدة خصومة إديولوجية، أو تنافس مؤسساتي أو استفزاز ديموقراطي مشترك، وإنما على قاعدة تقدير الوضعية وتقدير الشراكة الدستورية بين المؤسسات..
ماذا يعني أن يتصدر حزب مغربي المشهد السياسي لمدة عشر سنوات بالتمام والكمال، ويعلن في بلاغ لأعلى سلطة تنظيمية له، أي المجلس الوطني، أن البلاد ما زال فيها استبداد، وهي كلمة وحدها، تزلزل كيان أي أمة، (رحم لله الكواكبي ومحمد عبده واليسار الوطني في الستينيات)!؟
هل هو استسهال لغوي، لا يصاحبه تقدير لخطورة الحمولة السياسية في ظرف مثل الظرف الذي نعيشه؟
لدينا في السيد رئيس الحكومة، الذي تُتلى باسمه الشعارات، ما يدفعنا – حقا – إلى أن نسأله عندما يكون هناك إجماع حزبي وسياسي، كما هو حالنا اليوم، على منظومة من التعديلات الانتخابية والتنظيمية والسياسية، ويوقف هو شخصيا، بقوة وضعه الحكومي العرض الديموقراطي المطروح دون تقديمه لمجلس الحكومة أو، في حالة الاستعصاء على البرلمان.
كيف نسمي هذا؟
لن نقول إنه استبداد، وليس تحكما ولا قرارا مطلقا سلطويا، لأنها كلمات يتبعها الغبار الحربي..
بل نقول فقط، إنه التعطيل الإرادي للقوى السياسية لفائدة التمركز السياسي للحزب الأغلبي..
وتعطيل حقيقي وملموس للسير العادي للمؤسسات، الذي سقطت في طريقه الكثير من الأرواح..
لايبد وأن الحزب الذي يقود الحكومة، يتبرم من الحياة السعيدة بالقرب من الاستبداد، ولا أنه يرد «خِراج» الاستبداد،ولكنه يضع البلاد في فوهة مدفع، في زمن السلام المسلح..
إن الذين يكتبون البيانات والبلاغات في المحطات الأساسية، يعرفون النقاشات التي تصاحب ذلك، ودرجة اليقظة والحساسية التي ترافقه، ولهذا نتساءل مع المتسائلين: ألم يكن هناك من ينبه إلى أن الكلمة كبيرة، يتبعها دخان ونيران، وأن وزنها تختل لوقعه الجبال؟!
تعليقات الزوار ( 0 )