رسالة الاتحاد
بعث الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأخ إدريس لشكر رسالتين هامتين لكل من السيد بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، وزعيم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، والسيد خوسي لويس رودريغيزساباتيرو، الرئيس السابق للحكومة والحزب، والذي يعتبر صديقا للمغرب والحزب، ولعب أدوارا فارقة في تقريب وجهات النظر بين الفاعلين الدولتيين في الضفتين. لقد بعث الأخ الكاتب الأول هاتين الرسالتين موازاة مع التطورات الأخيرة الإيجابية في العلاقات بين بلدين جارين ينتميان إلى جغرافية حبلى بالرموز والوقائع والأزمات ماضيا وحاضرا. ولعل أكبر تطور، والذي يمكن اعتباره انعطافة كبرى على طريق توطيد الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة، في عالم يتجه للأسف نحو منحى مغاير، سمته الأساس: النزاعات والصراعات والحروب، هو الإقرار الإسباني بأن حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لا يمر إلا من عتبة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. إن هذا الإقرار الذي لا يمكن اعتباره إلا اختراقا وسط الدولة العميقة في إسبانيا، فلا يمكن أن نتصور أن هذا الموقف لم يمر من قناة نقاش إسباني داخلي بين القصر ورئاسة الحكومة والخارجية والمؤسسة العسكرية والاستخبارات، سيقود إلى بناء مواضعات جديدة في العلاقات البينية وسط الجوار المغربي أساسها أن المصلحة المشتركة تقتضي الخروج من منطق الصراع حول القوة الإقليمية نحو منطق التكامل الإقليمي على أساس تصفير الأزمات البينية انطلاقا من احترام مقتضيات السيادة الوطنية وأولوية الاستقرار في المنطقة والتعاون الإقليمي. غير أنه لا يمكن أن نعتبر هذا الاختراق قد جاء بين عشية وضحاها، بل هو نتيجة عمل مستدام تقف وراءه سنوات من الصبر مسنودة برؤية استشرافية واستراتيجية، ولأنه كذلك فإنه يحتاج للتحصين والمراكمة الإيجابية بما يجعله ثابتا من ثوابت العلاقات البينية في المنطقة، وبما يطوره ليصبح نموذجا للاقتداء في سائر الفضاء الأفرومتوسطي، لكي يكسر كل سياسات الجدران والحدود المغلقة والتأزيم وتوهم الريادة بتوهم إمكان إضعاف الآخر. هاتان الرسالتان بحمولتهما الرمزية والسياسية، تجعلنا نذكر بماض كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتعرض للجلد السياسي والمزايدات السياسوية بسبب علاقاته المتقدمة بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، وبسبب عضويته في الأممية الاشتراكية. وكانت القوى اليمينية سواء تدثرت بالإسلاموية أو بالليبيرالية المزعومة في محاولتها لإرضاء « البصروية» وشيطنة المعارضة الاشتراكية تذيع بين الناس أن الاتحاد الاشتراكي هو حليف لحزب إسباني مناصر للبوليزاريو، وعضو في منظمة أممية تضم الجبهة الانفصالية كما تضم أحزابا إسرائيلية، وحاولت هذه القوى اليمينية، دون جدوى، وصم الاتحاد الاشتراكي بالصهيونية تارة، وبالعلاقة مع حزب يدعم الأطروحة الانفصالية تارة أخرى، رغم أن مواقف الاتحاد الاشتراكي في القضيتين الوطنية والفلسطينية كانت متقدمة ولا تزال على باقي الطيف الحزبي الوطني، لأنها تنطلق من تصور قائم على مشروع استكمال التحرر وبناء الدولة الوطنية القوية. لم يؤمن الاتحاد الاشتراكي بسياسة المقعد الفارغ، ورافع من داخل منظمة الأممية الاشتراكية لصالح القضية الوطنية، وفي مرحلة كانت مطبوعة بخطاب يقدم نظام الحكم بالمغرب على أساس أنه نظام رجعي، ويقدم البوليساريو على أساس أنها حركة تحرر وطني، وينظر للجزائر باعتباره النظام الأقرب في المنطقة إلى التقدمية والاشتراكية. كما آمنت قيادات الحزب أن العقل الاشتراكي الكبير لفيليبي غونزاليس زعيم الاشتراكيين الإسبان، وواحد من صناع ملحمة الانتقال الديموقراطي، لا يمكن إلا أن يقوده تبصره الاستراتيجي، ونقده للفرنكوية نحو استيعاب الحق المشروع للمغرب في استكمال وحدته الترابية، ليس باعتباره حقا فقط، بل كذلك باعتباره ضرورة لاستقرار المنطقة وأمنها، فكان الحوار المتواصل الذي لم ينقطع بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وبين الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني. وكان من ثمار ذلك إلى جانب عوامل أخرى أن أصبح الاشتراكيون الإسبان هم أكبر المدافعين عن وضع متقدم للمغرب في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، إلى أن حصل الاختراق الأكبر في ترسيم الدفاع عن الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية باعتباره خيار الدولة الإسبانية. وقد ساهمت العلاقات الإيجابية التي طورها الاشتراكيون الإسبان مع الملكية المغربية، وخصوصا في عهد جلالة الملك محمد السادس، في تبديد كثير من الالتباسات وتوضيح كثير من التخوفات، مما كان يساهم في رفع حالة سوء الفهم سريعا بعد أي أزمة عابرة. وإذا كانت العلاقات المتميزة بين الملكيتين المغربية والإسبانية عاملا في تجاوز كثير من الأزمات، فإن استيعاب رفاقنا الاشتراكيين الإسبان لدور الملكية المغربية جعل هذه العلاقات تتطور أكثر كلما كان الاشتراكيون قادة لرئاسة الحكومة. واليوم، وبعد هذه التطورات الإيجابية، لم ينزعج حكام قصر المرادية بالجزائر فقط، بل كذلك تحرك اليمين الإسباني، والجناح القومي المتطرف منه، وكذلك أقصى اليسار المتطرف للتعبير عن رفض هذه الخطوة من جانب رئاسة الحكومة الإسبانية المدعومة من طرف الملك فيليبي السادس، ومؤسسات الدولة العسكرية والاستخبارية. إنه تحول استراتيجي في العقل الإقليمي لإسبانيا. وإذا كان الاتحاد الاشتراكي قد استثمر علاقاته مع رفاقه في الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني لدعم هذه الديناميات، حتى في اللحظات التي كان يبدو فيه مثل هذا التطور ضربا من الخيال، فعلى القوى المغربية الأخرى اليمينية والوسطية وأقصى اليسار أن تستثمر ما تزعمه من علاقات مع الحزب الشعبي اليميني أو سيودادانوس من وسط اليمين أو مع بوديموس اليساري واليسار الموحد «إسكيرداأونيداد» من أجل تحصين هذه التطورات وجعلها في منأى عن التقلبات الانتخابية.
تعليقات الزوار ( 0 )