قال رئيس المجلس الإقليمي بمدينة زاكورة إن أزمة الماء في زاكورة موجودة، ولكنها ليست وليدة اليوم، وفي قطاع الماء بالذات نحن أمام موضوع بنيوي، متعلق بسياسة تخطيط توقعية.
ووعيا بهذه الأزمة وحاجتها إلى تخطيطات، يجب أن نضع نصب أعيننا سنة 2030 ، عندما سيبدأ انقطاع الماء في مدينة مراكش مثلا وفي مدن أخرى أكبر من زاكورة، وتساءل شهيد، ما العمل اليوم لمواجهة ذلك. وأكد رئيس المجلس الإقليمي لزاكورة في حوار أجريناه معه على هامش استطلاع أجريناه بالإقليم أن التفكير غير وارد اليوم، مؤكدا أن بداية معالجة كافة المشاكل في مختلف الجهات ينبغي أن تنطلق من تعاقدات جديدة حول المجال.
p السيد عبد الرحيم شهيد، رئيس المجلس الإقليمي لزاكورة، مرحبا بك في حوار للاتحاد الاشتراكي نريد أن نؤسس له من منطلق مختلف التداعيات التي تركتها أحداث 8 أكتوبر في التداولات على المستوى الإقليمي والجهوي والوطني، التي يتبين من خلالها أن هناك معاناة ناجمة عن تحديات تمس كافة القطاعات الخدماتية التي تهم المواطن في المنطقة وفي مقدمتها قطاع الماء، نريد منك أن تضعنا في صورة واقع هذه التحديات بالإقليم على الخصوص من موقع مسؤوليتك الإقليمية والسياسية؟
n أود أن أشير في البداية إلى أن الإكراهات التي يواجهها الإقليم، يمكن ربطها بعوامل ينبغي تحديدها قبل المرور إلى كافة تداعياتها، ويتعلق العامل الأول بالعامل الجغرافي وما يدور حوله من عوامل طبيعية وبيئية بصفة عامة، والعامل الثاني يتعلق بالإدارة والمجال، وهو مرتبط بالتقطيع الترابي. وعودة إلى العامل الأول فنحن نعرف أن إقليم زاكورة يتواجد في منطقة شبه صحراوية هي منطقة الواحات والتي لها خصوصيات مهمة، في مقدمتها الهشاشة في المجال بشكل عام، والناتج عن الضغط المتواصل على مواردها الطبيعية وخاصة المورد المائي، علما أنه ولفترة طويلة لم تكن هناك سياسة مائية مرتبطة بالواحات كي تعطيها خاصية تتعامل مع الموارد وفق سياسة عامة واضحة، ناهيك عن عوامل طبيعية أدت في السنوات الأخيرة إلى ازدياد التأثيرات المناخية وما ترتب عنها في مجالات متعددة ،نطرح فيها اليوم موضوع التصحر وقلة الماء التي أثرت على الأنشطة الاقتصادية. أما في ما يخص العامل الثاني والمرتبط بمجال الإدارة، فينبغي الإشارة إلى أن إقليم زاكورة الذي يبلغ عمرة 18 سنة، هو إقليم في عمر التأسيس، لأن ولادته عند الاستقلال عن إقليم ورزازات الأم لم يتبعها بناء إداري متكامل مستقل عن هذا إقليم ، بمعنى أنه لم تكن هناك سياسة إقليمية واضحة، وأعطي مثالا على ذلك أكثر وضوحا، فنحن نجد في الإقليم ثلاث بنايات فقط تمثل مصالحهما الحكومية وهي التعليم والفلاحة، في الوقت الذي لا نجد ذلك في قطاعات أخرى ممثلة بالإقليم تتجه إلى كراء مقرات لها في أزقة لا تعطي للقطاع وضعه الاعتباري في المنطقة، لتقوم بمهامها الاستراتيجية.
هذا جانب، ولكن هناك جوانب أكبر منه والمتعلقة بالتقطيع، فالإقليم كان ينتمي مجاليا إلى جهة سوس ماسة درعة، ويعتبر إقليم زاكورة وسط هذه الجهة إقليما فقيرا ، ناهيك على أن مركز الجهة هو منطقة سوس التي كان لها دائما نوع من التفضيل باعتبار أكادير هي وجه الجهة، الشيء الذي ترك زاكورة وتنغير وورزازات دائما متأخرين، مما جعل هذه الأقاليم بين مطرقة وسندان السياستين الجهوية والمركزية.
واليوم هناك تقطيع جديد دافع عنه قبلا المجتمع المدني، وهو تقطيع ما بين الأقاليم الأربعة التي تجمع بينهم كل العوامل التاريخية والجغرافية والبيئية والطبيعية، الشيء الذي يجعل من الجهة مجالا متكاملا يحتاج سياسة خاصة. وهذا الخيار الخاص تبنته اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة، وبعد ذلك جاء في الوثيقة الدستورية وفي التقطيع، ولكن بعد التطبيق مازال هناك العديد من الثغرات التي يمكن العودة إليها في الحوار معكم. والخلاصة أن التحديات تتشكل من العجز القائم في الطبيعة والإدارة، والناتج عن غياب سياسة عمومية بوتيرة التحديات المطروحة، مما يضعنا أمام بطء مصاحب لكافة المجالات الاستثمارية، مما يفسر اليوم أن هناك قطاعات لم تراوح مكانها، انطلاقا من الصحة والشباب والرياضة وكافة قطاعات القرب، بمعنى أن البنيات التحتية الأولية التي تعتبر المنطلق، مازالت مكبلة بعجز كبير ومهول، ومن الصعب الحديث فيها عن تنمية مستدامة، مضاف إليها التغيرات المناخية المتسارعة، مما يفسر أننا في مجال مثل الماء والصحة في السنوات الأخيرة أصبحنا أمام أزمة بنيوية مستمرة دائما، لأن القطاع الصحي عاجز عن تلبية حاجيات المواطنين، وقطاع الماء أصبح في أزمة توفير الماء الصالح للشرب والاستثمارات التي تعني القطاعين في المنطقة غير موجودة تقريبا.
p طيب إذا كان عائق الطبيعة مفهوم نظرا للموقع الجغرافي للإقليم، والذي ألقى بظلاله على قطاع الماء الذي أشرتم في أحد لقاءاتك، أن حلوله لا تكمن في المزايدات، وأن سياسة مائية عبر محطات مختلفة لم ترسم بشكل واضع وأن السياسة المائية في المغرب ككل مازالت تحتاج إلى مراجعة دقيقة متوجهة إلى المستقبل، فإن السؤال حول العوائق الإدارية مازال معلقا، فماذا تقصدون بهذه العوائق الإدارية، هل الأمر يتعلق بمساطر تنظيمية في علاقة الإقليم بالجهة والحكومة، أم أن الأمر يتعلق بإقصاء وتهميش للإقليم؟
n بشكل ملموس، وجوابا عن سؤالكم، فنحن نتحدث اليوم عن نظام جهوي متقدم ولكن في عمقه هو نظام متمركز على مستوى المصالح الإدارية، بمعنى أن سياسة الحكومة متمركزة، فقطاع الصحة أو التعليم له سياسته وبنيته الإدارية، وفي الإقليم عندما نتحدث عن سياسة صحية أو تعليمية محتشمة فإن البينية الإدارية محتشمة كذلك. وذلك ينعكس سلبا على الإقليم، وأعطي مثالا هنا بقطاع الصحة، الذي لا يستطيع فيه مواطن مريض العبور عبر جبال تيشكا ليصل إلى مستشفى للعلاج بمراكش، والحال هل يصل هذا المريض حيا إلى هناك، مما يشكل مشكلا صحيا كبيرا، يتعلق بتدبير الخصاص الصحي في إقليم له خصوصيته، والأمر يتعلق بسياسة حكومية متعاقبة في قطاعات أخرى لم تنصف الإقليم . وإذا قلنا إن التعليم موجود والفلاحة موجودة بمخططها الأخضر إلى حد ما، فإن العجز كامن في قطاع الماء والصحة والشبيبة والرياضة، ونحن إقليم لا يوجد به ملعب معشوشب رغم أن هناك، ومنذ عشر سنوات، سياسة وطنية للجامعة والوزارة تستهدف بناء عدد من الملاعب كل سنة بعدد من الأقاليم. ونجد أن لزاكورة فريقها في قسم الهواة يلعب خارج الإقليم مما يفوت عليه فرصة تشجيعه ومساندته من طرف أبناء الإقليم كما يفوت على أبناء زاكورة متابعة مقابلات جهوية عن قرب. ناهيك عن غياب مسابح مغطاة، وملاعب القرب متواضعة، وبنية إدارية في كافة القطاعات منعدمة تضع أمامك عائقا في الاستثمار، والوضع شبيه في ميدلت وتنغير وورزازات، الشيء الذي قلته في اللقاء المنظم مؤخرا مع الحكومة في الجهة، أن الأمر يتعلق بضرورة وضع مشروع له خاصيته يستطيع أن يلحق الجهة بالركب في مناطق أخرى. ونجد الحل الدستوري يتحدث عن صندوق التضامن مع الجهات، ولكني شخصيا أتخوف منه، لأن المعايير التي وضعت من أجل تأسيسة لا تحيل إلا على المثل المغربي» زيد الشحمة في ظهر الحلوف»، فالمعايير لن تنصف الجهة بل ستجعلها موردا لجهة أخرى غير محتاجة.
p في معرض جوابكم من موقع مسؤوليتك كرئيس إقليم، لامستم الإشكال المعنون بسياسة التمركز في بلادنا، واليوم نحن نسعى إلى التوجه إلى سياسة اللاتمركز، بتوجيه أعلى سلطة في المغرب، وبوعد من رئيس الحكومة في معرض خطابه في جلسة شهرية عامة، أن مشروع القانون سيعرض على أنظار البرلمان نهاية هذه السنة للبت فيه، في هذا الصدد نذكر أن في النظام القائم هناك مندوبيات جهوية، نريد أن نعرف دورها في الإقليم، وماذا انتزعتم منها في تدبير هذا المجال الذي يواجه تحديات كبيرة في كافة القطاعات؟
n أنا قلت منذ البداية، أن ولادة الإقليم منذ 18 سنة ظلت مشوهة، فقد تم الاستقلال عن ورزازات لكن في ظل التصاق عدد من المندوبيات بإقليم ورزازات ، وبالتالي ظل مندوب من ورزازات يسير إقليم زاكورة ، وكمثال على ذلك قطاع السياحة…
p تريد القول إن الانتقال إلى تقطيع جهوي جديد لم تواكبه آليات التدبير، أم أن الأمر يتعلق بخلل مسطري ليس فيه قوانين مصاحبة للمشروع، ينظم العلاقة بين الأقاليم نفسها؟
n أولا نحن نعاني عجزا في المرحلة السابقة، والتي شكل فيها إقليم زاكورة الحلقة الأضعف في الجهة ككل…
p مقاطعة :»حاكرين عليكم»؟
n مكناس تقزم الراشيدية وميدلت، ومركز أكادير يقزم ورزازات وتنغير وزاكورة، بمعنى أن الأولوية تعطى للمركز، ولهذا فنحن لدينا نظام مركزي جهوي ونظام مركزي وطني، مما أدى إلى تأخر ملموس. وعندما نتحدث عن المصالح الحكومية، فهذه الأخيرة ليس لها علاقة بالجهة، لأن علاقاتها منحصرة في السياسة الحكومية، والتي هي مطالبة بتقوية بنياتها الإقليمية، انطلاقا من معاييرها، التي يوضع فيها السؤال حول السياحة مثلا، والتي لا تظهر فيها ملامح السياسة الوزارية، ويظل المهنيون يشتغلون بناء على مخططهم، بمعنى أنك لا تجد سياسة عمومية موجهة نحو الواحات…
p في هذا الإطار السيد رئيس المجلس الإقليمي بزاكورة، سأعمل في هذا الحوار على مساءلتكم في كافة القطاعات، وننطلق من قطاع الماء خاصة، والذي حول اتجاه الرأي العام نحو زاكورة، ورسم مع الأسف زاكورة أخرى غير التي نتواجد فيها اليوم، في استطلاع نريد أن نرسم معالمه بقول الحقيقة للشعب المغربي والرأي الدولي المهتم، دون السقوط في منظومة تشتغل اليوم في الفضاءات الافتراضية والرصد عن بعد. ولهذا فحسب تتبعنا هناك مشاكل في قطاع الماء نابعة من فرشة مائية تنذر بجفاف كبير، ناهيك عن معاناة الساكنة من ذلك، وعجز المتدخلين في معالجة الأمر، مما يهدد بهجرة جماعية، إن لم تكن هناك حلول جذرية تستدعي مشروعا بسياسة عمومية واعية بالمجال والمناخ، ولهذا نريد أن نعرف ما حدث في جعل الماء بوابة، كما قلتم، للمزايدات؟
n أولا يجب أن نميز بين شيئين اثنين، فأنتم تعرفون ما يحدث اليوم في المغرب، فالأمر متعلق بمناخ أزمة، والمنتعش فيه بشكل كبير، هو خطاب الأزمة، فاليوم عندما تعلن السوداوية والبؤس، وأن البلاد على أبواب السكتة القلبية، فإنك تجد في خطابك رواجا، وبالتالي فإن منسوب الإيمان بالحقوق كبر أي أن المنسوب المواطناتي في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية موجود، كالمطالبة بالحق في الماء والصحة إلى غير ذلك، والأمر رائج في الخمس عشرة سنة الأخيرة، والذي أعطانا تجارب وطنية متقدمة اشتغلت في مجال حقوق الإنسان، وانعكست على الوعي المواطناتي، ومواكبة ذلك على مستوى التواصل الاجتماعي، حيث أصبح المواطن نفسه صحفيا، ولم يعد في حاجة إلى وسائط تقليدية. إذ لدينا اليوم مواطن الأزمة وخطاب الأزمة، وآليات الحريات مرتفعة مع عجز القانون المواكب لهذه المظاهر كلها، وبالتالي فمن السهل تسويق الأزمة، التي لا تحتفظ بحجمها الطبيعي وهي أزمة متداولة بتمطيط وتوليد. ويصبح للواقع حقيقته ولمواقع التواصل حقيقة أخرى.
وبخصوص زاكورة فالأزمة موجودة، ولكنها ليست وليدة اليوم، ففي قطاع الماء نحن أمام موضوع بنيوي، متعلق بسياسة تخطيط توقعية، فعندما نحتضن كوب22، فنحن لدينا وعي تام بأن هناك تغيرات مناخية قادمة، واليوم يجب أن نقول إنه في 2030 سيبدأ انقطاع الماء في مدينة مراكش، وأتساءل ما العمل لمواجهة ذلك، ولا أعتقد أن التفكير وارد اليوم. وعندما نقول ذلك عن مدن كبرى ، فكيف يكون الأمر بالنسبة لزاكورة في عملية التوقع، بإدارة لا ترقى إلى مستوى قراءة التوقعات، وأقصد المكتب الوطني للماء الصالح للشرب الذي لا يفصل بين زاكورة وسوق الأربعاء، والمقارنة لا تتم بعدد السكان بل يجب أن تكون من منطلق مجالي ومناخي، فزاكورة في جو مناخي مختلف ومعرض للجفاف، وبتأثيرات سريعة، وبمواصفات مختلفة حتى في أمتار البئر، وهي مقاربات لا تؤخذ في الاعتبار في مختلف التدخلات، وهي التي تعطي العجز في الاستثمار وتعطي الأزمة . إذا هناك أزمة ولكن إذا كان هناك تخطيط وإرادة فسوف تكون هناك حلول، فاليوم، المشكل مطروح، ولكن معالجته فيها المدى القريب والمتوسط، والبعيد. فالقريب هو الآبار التي أنجزت وتنجز اليوم، والمتوسط يتعلق بإنجاز محطة التحلية، والبعيد هو جلب الماء الشروب من سد أكدز. لكن هذا المسلسل المتفق عليه اليوم، لا ينبغي أن يكون مجرد جواب عن كوننا أصبحنا محطة أنظار حول ندرة الماء.
p طيب السيد شهيد، لقد لامستم في جوابكم الخلل القائم، الأول يتعلق بسوء التدبير بين المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وما بين المدبرين للمجال من موقع مسؤولياتهم ، فتدبير المنتخب يغيب فيه الحوار مع المكتب، سواء في الجماعات أو الإقليم أو الجهة ، وينتج عن ذلك مجموعة من المفارقات تنعكس سلبا على المواطن بصفة خاصة، والثاني يتعلق بعدم التنسيق بين القطاعات في تدبير مجال كإقليم زاكورة، فهناك وزارة تريد أن تجعل من المنطقة رافعة سياحية، إلا أن ذلك يحصل خارج التنسيق مع قطاع هام كقطاع الماء، والمنطقة كما أشرتم لها خصوصيات مناخية، ناهيك عن تنسيق آخر مع قطاع الصحة، مما يستدعي ضرورة العمل بانسجام حكومي مشتغل على المشروع مقرون بمخطط كما أشرتم، قبل الحديث عن الجهوية الموسعة التي نحلم فيها بشركات واضحة ومنتجة، فهل قوانين اللاتمركز والجهوية الموسعة قادرة على الفعل ، أم أن الأمر يحتاج إلى ثقافة مغايرة؟
n التشخيص الذي تقدميه ليس لنا ما نضيف إليه، وهو جوهر المشكل، ويدور حوله سؤال من ينسق، لكي تكون لنا سياسة مندمجة في المجال، لأنه ليس من المهم أن تضع المشاريع فقط، لأن المشروع ممكن أن يفشل أمام غياب التنسيق فيه مع قطاعات أخرى، والحال أن لدينا اليوم قطاع ممركز كل واحد فيه يضع برنامجه بشكل عمودي، والسؤال هل السياسة العمومية المنطلقة من المركز نحو الإقليم هي سياسة واضحة ومخططة بشكل واضح. أعتقد أن الأمر بعيد عما يحدث اليوم، وهناك مسافة كبيرة، وبالمقابل نحن لا ننفي أن هناك إرادة سياسية لفعل ذلك، تحتاج إلى إعادة التعاقدات حول المجال، ونحن في حاجة اليوم إلى تعاقدات جديدة حول المجال، وذلك ما سيمكننا للحديث على أن لكل مجال خصوصيته.
حاورته: بديعة الراضي
تعليقات الزوار ( 0 )