في المنتديات الاشتراكية… «المنتدى الاقتصادي، التطور الاقتصادي المغرب رؤى متقاطعة» 

حاول الخبير الاقتصادي عبد العالي دومو تقديم تشخيص حول المعيقات التي تمنع البلد من تسريع مساره التنموي، محاولا قبل ذلك الوقوف عند الملاحظات المنهجية، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند معالجة هذه الإشكالية، معتبرا أن النقاش حول النموذج التنموي ينطوي على كثير من اللبس، حيث يتم استعمال مجموعة من المصطلحات التي لا تفتقد الحمولة العلمية الخاصة بها. ومن أولى هذه الملاحظات أن النموذج التنموي الذي يتم تدريسه للطلبة نقصد به تنظيم اقتصادي يرتكز على منظومة مذهبية منسجمة مع استحضار أن في علم الاقتصاد هناك مذاهب اقتصادية متعددة كالنموذج الرأسمالي وداخل هذا النموذج تطور نموذج رأسمالي كنزي يرتكز على تدخل الدولة والنموذج الاشتراكي … إلخ.
وإذا أخذنا هذه النماذج، يقول دومو، وحاولنا قراءة الواقع الاقتصادي المغربي على ضوئها، سنجد أن المغرب لا يتوفر على أي منها حيث يفتقد المغرب إلى منظومة اقتصادية منسجمة.
ويرى دومو أن الاقتصاد الوطني هو اقتصاد مركب فيه قليل من الرأسمالية الليبرالية ويضم قليلا من المظاهر ما قبل الرأسمالية وفيه كثير من اقتصاد الريع، وبالتالي ليس هناك منطق واحد وإنما مناطق كثيرة تتضارب في هذا الاقتصاد المغربي، ولذلك عندما تتم قراءة المسار الاقتصادي للمغرب أول ما يطفح على السطح، هو هذه الوتيرة المتواضعة للنمو، التي لن تمكن المغرب من الإقلاع ولا تمكن من حل إشكالات التشغيل والفقر والهشاشة في المدن الكبرى والوسط القروي، هذه الوتيرة التي ارتفعت في العشرية الأولى من هذا القرن إلى حوالي %4 ولكن عندما نأخذها خلال العقدين الماضيين نجدها تتراوح بين %3 الى %3,2.
وقال دومو إن ملاحظة الواقع الاقتصادي المغربي ظاهريا، تكشف عن أنه اقتصاد عقاري غير منتج وليس اقتصادا رأسماليا صناعيا مثل ذلك الذي مكن العديد من الدول من الإقلاع، اقتصادنا يقول دومو يظل مبنيا على الفلاحة والعقار والخدمات أما السمة الغالبة على هذا الاقتصاد، فهي هيمنة الريع وليس قواعد السوق، حيث يتم إحداث أنشطة اقتصادية عبر امتيازات ممنوحة أو حماية عبر رخص أو تحفيزات إدارية أو ضريبية، وبينما يعتمد اقتصاد السوق على المنافسة وتكافؤ الفرص بين المقاولين والفاعلين والشباب وحاملي المشاريع وعلى الإبداع، يظل اقتصادنا المغربي مرتكزا على الريع.
ونبه دومو إلى أن النقاش الدائر اليوم حول النموذج التنموي، يتم داخل منظومات مذهبية متعددة، وهو أول إحراج يقف أمام هذه اللجنة التي عهد إليها بمهمة إعداد النموذج التنموي ما يضعها أمام إكراه تعدد المقاربات وتعدد المذاهب التي ستقدم التشخيص والحلول حسب المصالح الفئوية، وبالتالي علميا سيصعب إحداث توافق في مجتمع تغلب عليه مصالح فئوية متضاربة، و يبقى الحل حسب دومو هو التحكيم السياسي الملكي الذي سبق أن حسم في مجموعة من الإشكالات كما حصل مع المخطط الأخضر حين تم تقييم نتائج هذا المخطط، وأمر بأن يتم توجيهه نحو تشغيل الشباب ورفع الطبقة المتوسطة الفلاحية بمعنى ان خيار الإنتاج الذي بني عليه المخطط في السابق وأدى إلى إعطاء أفضلية لبعض الطبقات الفلاحية على أخرى، احتاج إلى تحكيم ملكي، وهو نفس التحكيم الذي احتاج إليه المغرب في الحسم بين دعاة الدولة المركزية واللامركزية، حيث جاءت خطابات الملك لتحسم هذا النقاش وأعطت التحكيم لصالح تفويت الصلاحيات للجهات وتقريب الدولة من المواطنين.
الملاحظة الثالثة التي يريدها دومو هي هيمنة بعض المقاربات التكنوقراطية في النقاش الذي دار حول تطوير الاقتصاد والتي انصبت على انعاش الطلب الداخلي والخارجي حيث نادى بعضهم بقلب الآية عبر خلق اقتصاد مبني على العرض الصناعي والانتاجي بذل الطلب الذي ظل مهيمنا.
ويرى دومو أنه ينبغي أن تعالج قبل بعض المعضلات المؤسساتية التي افرزتها طبيعة السياسات المعتمدة والتي ظلت تغذي اقتصاد الريع وتمنع المغرب من إنتاج اقتصاد السوق الذي من شأنه أن يمكن البلد من الاقلاع، حيث ظلت الدولة ترعى باستثماراتها العمومية التحفيزات الموجهة نحو العقار والفلاحة والخدمات، وهي كلها قطاعات تحتاج إلى رخص، ما يعني أن الحد من اقتصاد الريع يستلزم تفكيك مكونات هذا الاقتصاد عبر حذف هذه الآليات وانتقد دومو غياب تكافؤ الفرص للولوج للعقار، بسبب هذه القوانين والتحفيزات الضريبية المجحفة كما انتقد عيوب وثغرات قانون الصفقات العمومية الذي يضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
واعتبر دومو أن الصناعات الجديدة للمغرب كصناعة السيارات وصناعة الطيران وإن كانت تبدو متقدمة فإنها تخفي حقيقة لا يعرفها جميع المغاربة، وهي كونها ساهمت في إضعاف فرص الشغل في قطاعات أخرى كلاسيكية كانت تحتضن مئات الآلاف من مناصب الشغل.
وكشف دومو حقيقة صادمة حين أكد أن عدد مناصب الشغل الصافية التي أحدثها النسيج الصناعي خلال عشرين عاما الأخيرة لم يتجاوز 32.000 منصب، فأين نحن من 500.000 منصب التي وعد بها مخطط التسريع الصناعي في 2020 وأين هي 23 % من مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام.
وعزا الخبير الاقتصادي سبب هذه الاشكاليات إلى طبيعة السياسات العمومية نفسها، حيث إنه على الرغم من الاستثمارات العمومية الضخمة التي تبذلها الدولة والتي سمحت بها عمليات الاصلاح وعقلنة الموارد في مجال الضرائب غير أن المشكل في سياسة الاستثمار العمومي هو الشق التنفيذي.
ودعا دومو إلى عدم الخلط بين الدولة المركزية في الرباط التي تتمتع بنفوذ مالي وصلاحيات واسعة والدولة الترابية التي تفتقد إلى الموارد المالية والصلاحيات التنفيذية اللازمة لتنزيل البرامج.
وعلى الرغم من كون العاهل المغربي تطرق خلال 17 خطابا ساميا إلى ضرورة التسريع بإخراج جهوية متقدمة حقيقية فإن المغرب مازال يعاني من نظام ترابي مزدوج تهيمن فيه الدولة المركزية على 92 % من موارد الاستثمار فيما تتوزع %8 على مكونات الدولة الترابية من جماعات وجهات.
والنتيجة الناجمة عن هذا التركيب هي الخدمة العمومية الضعيفة مقابل كلفة إنفاق عمومي باهظة في ظل غياب هندسة حقيقية في مجال البرمجة.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

بحضور الكاتب الأول الاستاذ ادريس لشكر : الجامعة السنوية للتقدم والاشتراكية تناقش «السياسة أولا.. لإنجاح المشروع الديموقراطي التنموي»

ندوة للحزب بالمحمدية على ضوء التطورات الدولية والاقليمية الأخيرة

الكاتب الأول الاستاذ ادريس لشكر في برنامج « نقطة إلى السطر» على القناة الاولى

في  الجلسة الافتتاحية المؤتمر الوطني الثاني عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي