عبد السلام المساوي
إن كل من لا يلعب لعبة بنكيران، “يفرد إفراد البعير المعبد” فينسب إلى الشرك والمروق حينا، وإلى الهرطقة حينا آخر، وإلى الفساد والخيانة حتى… إن كل من يعارض بنكيران يعتبر ضد الإصلاح.. فالمعارضون تماسيح وعفاريت.. يعارضون “الإرادة الإلاهية” التي اقتضت أن يكون بنكيران رئيسا للحكومة.. وعلى الجميع أن يخضع لقضاء الله وقدره.. بنكيران ينزعج من المعارضين، كل المعارضين، يخاف منهم.. إنه يتمنى سحقهم.. لماذا؟ لأنهم يحدثون خللا، شرخا، في سلم القيم وفي إطار الإسناد الأساس الذي يحتكم إليه بنكيران والذي يقيس انتظاراته بما يسيله من دماء الأكف (أكف الأتباع والمريدين) عن طريق التصفيق أو بتدمير الأحبلة الصوتية التي تهتف باسم القائد/الأمين العام ورئيس الحكومة..
عندما يتكلم بنكيران، على الجميع أن يقول “آمين”.. لا يقبل أن يوضع كلامه موضع تساؤل، فهو الزعيم، وهو المنقذ من الضلال.. ما يأتي به شيء مقدس والمعارض شيء مدنس… قبل أيام قال أفتاتي: “غادي نجيبو بنكيران وغادي نسولوه على المطبعة” وقد كان هذا تنبيه لرئيس الحكومة، وإلى خرقه السافر للقانون بعدم ذكره لمطبعته وجريدته في لائحة ممتلكاته التي صرح بها، وفوز شركاته في صفقات عمومية بوزارات تابعة لحزبه وتحالفه.. إن تطاول أفتاتي “النية” على “القديس” بنكيران، سيكلفه غاليا، تجميد وتوقيف، عزل واستهزاء… ويظهر أن أفتاتي لم يفهم رسالة بنكيران عندما قال: “خليو أفتاتي هداك عندو حساب بوحدو… تيفيق في الصباح تيقلب على من يشير، وشي نهار يشير على راسو”.. ويوم الاثنين، فاتح يونيو 2015، وفي وقت متأخر من الليل، انتهى اجتماع استثنائي عقدته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بإعلان “تعليق جميع المسؤوليات الحزبية التي يتولاها عبد العزيز أفتاتي وإحالة ملفه على هيئة التحكيم الوطنية المنبثقة عن المجلس الوطني للحزب لاتخاذ القرار الانضباطي المناسب”. بررت قيادة الحزب قرارها بأن النائب البرلماني زار الحدود المغربية الجزائرية، وهي الزيارة التي رأت فيها قيادة الأمانة العامة “عمل غير مسؤول وينتهك مبادئ الحزب وتوجهاته العامة”… وإذا كنا نجهل إن كان القرار الذي اتخذته الأمانة العامة مملى عليها أم اتخذته عن قناعة، فإن أفتاتي يقول إن على بنكيران ومن معه، كشف الأسباب الحقيقية التي دفعتهم إلى اتخاذ هذا القرار… ولعل من الأسباب الحقيقية هذه، الانتقام من أفتاتي الذي لوح بكشف الملفات المعروضة على الهيئة المركزية للشفافية والنزاهة، والتي تخص وزراء وقياديين بالحزب، ومنهم رئيس الحكومة الذي طالبه بتقديم توضيحات حول امتلاكه المطبعة، وقبل ذلك راسله بالكشف عن المبالغ المالية التي صرفها على “خلوة” الحكومة بفندق فاخر بإفران.
إن فكرة الإسلام السياسي تتعارض مع الديموقراطية، ولا يمكن لأحد أبدا أن يرى عكس ذلك، فالمجتمع الذي يخطط له الإسلام السياسي، لا يؤمن أبدا بالتعددية، ولا يؤمن بالرأي الآخر، تؤكد على ذلك تشريعات كثيرة تضعه، والتنظيمات والجمعيات التي تنظر له، أمام حرج كبير، فمن الحرية الفردية، إلى حرية الاعتقاد، إلى مبدأ تداول السلطة، كل ذلك لا يمكن أن يقول أحد بقبول “الإسلام السياسي” له، لو قال بذلك فهو تلقائيا يخرج من الفهم الذي يولده وهو “الولاية الإسلامية” و”إقامة الشرع والشريعة” الذي يرى بأنه هو الصواب الوحيد، بل وفكرة قيام المشروع مبنية على هذا، ومبنية على ولايتها المطلقة على الناس… بنكيران ينتمي إلى “الإسلام السياسي” القائم على نظام فاشستي… علاقة القائدة بالقائد هي علاقة المريد بالشيخ… “القائد دائما على حق” قالها موسوليني ذات زمن ديكتاتوري… وبنكيران “مقدس”… لا يخطئ، لا يكذب، لا يسرق… بنكيران لا يحاسب على مطبعة أو على صفقات… هو ووزراؤه البيجيديون “منزهون” و”شفافون”… ومصير كل من راودته نفسه، أو مجرد التفكير في مساءلته، مصيره التوقيف والتهميش والطرد… بنكيران الرئيس لا يعترف بمفهوم اسمه الديموقراطية الداخلية… بنكيران لا يعترف بشيء اسمه المؤسسات… بنكيران وحده الآمر الناهي.. وحده يقول… وحده يقرر… وحده يفعل… إنه الجهلوت الجبروت… إنه المستبد الطاغية… ولا يقبل من “المناضلين” إلا الولاء والطاعة… الطيبوبة والوداعة… التعظيم والتصفيق… الخضوع والخنوع…
لقد أخطأ أفتاتي عندما سقط ضحية النفخ الإعلامي… اعتقد أن حجمه قد كبر، وأن ثقله زاد… وتوهم أنه نجم زعيم، فاعل سياسي وازن، وصوت قوي مزعج… أنساه الزحام الإعلامي أنه “نية” و”بسيط” أنه رقم ضعيف جدا في المعادلة، رقم يسهل محوه بسهولة… بغضبة بنكيرانية، أو “بغضبة للجهات العليا” كما كشف عن ذلك عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب البيجيدي.. أفتاتي غرق في المستنقع الإعلامي فنسي أنه فقط أداة للاستعمال، وسيلة لتحقيق أهداف القائد بنكيران.. كان يجب أن يعي دوره جيدا… الهجوم القذر على خصوم بنكيران ومعارضيه… أن يسخر لسانه الطويل “لفضح” كل من تطاول على بنكيران… كل من انتقد بنكيران… أن يتكلم تحت الطلب… أن يفتح فمه عندما يأذن له بنكيران… أن يعتكف في داره ولا يقتحم الحدود حتى يستفتي بنكيران… أن يحارب فساد العفاريت والتماسيح ويسكت عن فساد بنكيران وحزبه وجماعته… ألم يقل لكم بنكيران أن أفتاتي “نية”!
ولنتذكر، بمرارة سياسية، كيف سكت أفتاتي عن الكلام المباح وغير المباح، لما انسحب حزب الاستقلال من الحكومة وأدركها مزوار، وأنقذها من السقوط… فبعد أزمة حكومية دامت طويلا، تعطلت حينها -ومازالت معطلة- مصالح البلاد والعباد… وبعد مغازلة سياسية، وتكفير عن ذنوب الأقوال والتصريحات… وبعد تدخلات من هذه الجهة أو تلك… دخل مزوار بأحراره إلى الحكومة “آمنا مطمئنا”، غنم مقاعد وزارية ورئاسة برلمانية… أحرج البيجيديين، وأسكت أفتاتي.. وبين للجميع أن بنكيران مستعد لأن يخسر كل شيء إلا كرسي رئاسة الحكومة… كنا ننتظر “قنابل” أفتاتي… كنا ننتظر منه أن يلعن زواج المصلحة هذا مع كبار “المفسدين”.. كنا ننتظر منه أن يعارض ويندد، يرفض ويحتج… كنا ننتظر منه أن يكون وفيا لتصريحاته ومتناغما مع أحاديثه… كنا ننتظر منه استقالته من حزب لا يحترم “مرجعيته” و”مبادئه”، وذلك أضعف الإيمان… لم يحدث شيء من هذا، وحدث شيء آخر… لم يعد مزوار فاسدا وأصبح شباط هو المستهدف، ومرة أخرى يطول لسان أفتاتي، يفجر الفضائح لفظيا.. صقر كلاما وحمامة موقفا.
عندما يقول بنكيران: “عنداكم يصحاب ليكم بأن أفتاتي دماغ”، فهو على حق، لأن أفتاتي ليس دماغا، ليس عقلا يفكر… إنه لسان يثرثر… كلام في كلام… أفتاتي يصرخ، ومن يصرخ لا يفكر.. ومن لا يفكر لا موقف له… وقد لاحظنا وسجلنا بأن عبد العزيز أفتاتي فجر الكثير من “الفضائح” على مستوى الكلام، وعلى مستوى التصريحات.. لكنه لم يجسد أبدا أقواله وادعاءاته في سلوكات ومواقف! بل إنه في المحطات الحاسمة والمنعطفات الحرجة التي تستدعي منه الثبات على المبدأ، تستدعي منه المروءة السياسية والشجاعة الأدبية، تستدعي منه الانسجام مع أقواله واتهاماته… يبتلع لسانه، يخون مخاطبيه، يتناقض مع نفسه… يترك المجال ويفتعل مشكلا آخر، “فضيحة” أخرى… يقول كلاما آخر لينسي الناس في كلام سابق… وهكذا يقف أفتاتي دائما في بداية الطريق، وأحيانا في منتصفه.. لنتذكر جميعا لما فجر أفتاتي فضيحة “العلاوات المتبادلة بين وزير المالية السابق صلاح الدين مزوار، والمدير العام للخزينة، نور الدين بنسودة”، ولنتذكر قصفه لمزوار بأحاديث نارية… حينها كان مزوار في نظر أفتاتي عنوانا للفساد بالمغرب… وهنا كان يلعب لعبة بنكيران… وكان يلعب الدور المنوط به في المسرحية التي يخرجها وينتجها بنكيران… وكان يؤدي الدور دون خروج عن النص… إنه “الصقر” الذي يرهب كل معارض لرئيس الحكومة، بكشف ملفات تورطهم في الفساد، ونشر فضائحهم على العموم!
يزعم عبد العزيز أفتاتي أنه شخص “بسيط جدا، وحريص على أن يلقى الله مثل عبد الرحمان المجدوب، زاهد في متاع الدنيا” وأن زهده يزعج البعض، لأنهم “يريديون أن أكون خائفا وطامعا مثلهم”… وهنا نذكر أفتاتي أن الزهد ليس شعارا يرفع، بل هو ممارسة وسلوك، قناعة واختيار… هو مجاهدة النفس، تحريرها وتطهيرها من شهوات وملذات الجسد… هو هروب عن الدنيا وإغراءاتها… هو اعتزال وخلوة… هو هجرة إلى الله… وطبعا عندما نتأمل سيرة الرجل، نجده ليس زاهدا ولا ناسكا، ليس متقشفا ولا صوفيا، لنلاحظ! لأفتاتي زوجتان، وهذا وحده دليل على أنه متهافت على الدنيا وملذاتها… إن دفاعه المستميت عن تعدد الزوجات يعكس تصوره للمرأة، فهي موضوعا للجنس..
الزاهد في الدنيا لا يمارس السياسة، ولا يلهث نحو الكراسي البرلمانية وامتيازاتها.. الزاهد في الدنيا لا ينتسب إلى حزب يتاجر في الدين والأخلاق للوصول إلى السلطة، الزاهد في الدنيا يراقب لسانه في ذكر الله، ولا يسلطه ظلما وعدوانا، سبا واتهاما.. لكل من يخالف حزبه في الرأي والمشروع.. علما أن الحزب الذي ينتمي إليه أفتاتي حزب بدون مشروع مجتمعي… وفي غياب الطروحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدستورية والقانونية والثقافية والفكرية.. تحضر المزايدات الدينية والأخلاقية والسياسوية… يحضر البولميك والعمل المبني على “الخدعة، النواعر” وعلى أسلوب تسجيل النقط… وانعدام المشروع المجتمعي يدفع أفتاتي إلى تغليط الناس عبر دعايات سخيفة وشعارات عامة حول الشريعة والأخلاق… تغليط الناس بهندامه المتواضع.. إنه يسوق صورة الإنسان البسيط الدرويش… بهدف استقطاب الزبناء… التوظيف السيئ للدين، والاستغلال الانتهازي للفقر والأمية.. طريق لكسب الأصوات وربح المواقع.
الزاهد في متاع الدنيا يعيش بعيدا عن الضجيج، بعيدا عن الأضواء.. لا ينافس أحدا على مقعد أو موقع… والحال أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لعبد العزيز أفتاتي الذي أصبح كائنا إعلاميا بتواطؤ صحفي مكشوف الخلفيات… أفتاتي استهواه خبث بعض “الصحافيين” فأخذ يوزع التصريحات والتعليمات…أغرته الأضواء ونصب نفسه زعيما سياسيا، ونجما بارزا… أصيب بجنون العظمة… غرق في الأوهام… الأوهام التي غذتها الصحف والمواقع…
وهكذا تعودنا قراءة مثل هذه العناوين في الصفحات الأولى لبعض الصحف والمواقع، “أفتاتي يفجر قنبلة من العيار الثقيل”! “أفتاتي يفجر فضيحة كبرى”! “أفتاتي البرلماني المثير للجدل”! “أفتاتي الصقر”! “أفتاتي المشاغب”!… وعندما تجرأ أفتاتي على اقتحام منطقة عسكرية في حالة طوارئ، فجر نفسه… ومازلنا ننتظر أن يكشف لنا أفتاتي الأسباب الحقيقية لمغامرته على الحدود الشرقية، بمعية أشخاص مشبوهين… هل يتعلق الأمر بأسباب سياسية، انتخابية، أم هي مجرد مغامرة متهورة… أم يتعلق بأسباب مرتبطة بالإيديولوجيا الإخوانية التي تؤمن بأن فكرة الجماعة الدينية أكبر من فكرة الوطن، وبأن الولاء للجغرافيا الإسلامية أكبر من فكرة السيادة، وأن العملية الديموقراطية هي مجرد مرحلة انتقالية لإقامة الخلافة الإسلامية!
أفتاتي، شأنه شأن كل الإخوانيين، مستعد أن يتحالف مع الشيطان لتحقيق “المشروع” الإخواني الذي وضع لبناته حسن البنا… مستعد للتعاون مع الولايات المتحدة، كما حدث في انتخابات 2007 و2011… ومستعد لطلب الحماية الفرنسية كما حدث في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 عندما سارع أفتاتي إلى مراسلة السفارة الفرنسية، بدعوى أن أخاه في الحزب، نور الدين بوبكر، تعرض لاعتداء من طرف خصوم العدالة والتنمية… وبذريعة أن صاحبه مزدوج الجنسية… علما أن افتاتي، هو أيضا، يحمل الجنسية الفرنسية!
وعلى ذكر الانتخابات الجماعية لـ2009، نستعيد شريط الضجة التي اختلقها أفتاتي وإخوانه بمناسبة انتخاب العمدة وتشكيل مكتب الجماعة الحضرية لوجدة… استعمل كل الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، لهيمنة البيجيدي على تسيير الشأن المحلي بمدينة وجدة… استقدم قادة الحزب، العثماني، الرميد، بنكيران… صرخوا، ولولوا، مثلوا… صنعوا الفرجة… أفتاتي هرب مستشاري العدالة والتنمية وبعض المستشارين “المنتمين للحركة الشعبية والبام… اعتقلهم في داره إلى أن تدخلت السلطات الأمنية وحررت المغررين بهم!
بنكيران، عقد ندوة صحفية في دار أفتاتي فوق “السطوح”، اتهم الجميع دون أن ينسى الإعلان على أنه ملكي… ونشير إلى أن الفوضى التي أحدثها زعماء البيجيدي تزامنت مع الزيارة الملكية لمدينة وجدة…
على أفتاتي أن يعود إلى ذاته، أن يعرف حدوده، أن يدرك أنه منخرط في حزب إسلامي يستعمل الديموقراطية ورقة لإخفاء فاشستيته واستبداديته.. في حزب “إسلامي” لا صوت فيه يعلو على صوت الرئيس.. حزب الرأي الواحد والوحيد… حزب رئيس الحكومة والأمين العام… حزب الشيخ الذي يعاقب كل من خرج عن الطاعة العمياء.. حزب الزعيم الذي يأمر بتعطيل وتوقيف كل عقل عن التفكير وكل لسان عن الكلام… هنا ننصح بنكيران… ننصحه بالبحث عن “الدولة العميقة” داخل حزبه.
تعليقات الزوار ( 0 )