محمد إنفي
في سابقة من نوعها، على ما أعتقد، قامت الشرطة بحملة لمحاربة الغش في امتحانات البكالوريا لهذه السنة (2021)، أسفرت عن اعتقال أشخاص يشتبه تورطهم في محاولة تسريب اختبارات شهادة البكالوريا. وهي عملية استباقية باشرتها فرق الشرطة القضائية بالتنسيق مع شرطة مكافحة الجرائم (الإلكترونية، هنا).
وبما أن بلادنا مقبلة على انتخابات تشريعية وترابية في يوم واحد وفي سياق خاص وبرهانات كبيرة، فهل يمكن أن نتطلع إلى عملية استباقية من طرف نفس الأجهزة بهدف كبح الغش الانتخابي ومحاربته حماية لمؤسساتنا التمثيلية من الفساد والمفسدين؟
لست بحاجة إلى التذكير بما تعرضت له تجربتنا الديمقراطية الفتية من تشوهات وما اعتراها من عاهات بفعل التدخل المباشر للسلطة (تفريخ ما يعرف في القاموس السياسي المغربي بالأحزاب الإدارية؛ التزوير المكشوف لصالح هذه الأحزاب.. إلخ) أو بفعل غض الطرف عن الممارسات التي تفسد الاستشارات الانتخابية (استغلال النفوذ؛ اللجوء إلى الرشوة الانتخابية، إما بشراء الذمم بشكل مباشر أو عن طريق الإحسان…).
ورغم الإصلاحات الكبيرة التي دخلت، مؤخرا، على المنظومة الانتخابية والتقدم الحاصل في القوانين الانتخابية، ورغم الاحتياطات المتخذة على مستوى هيئات التتبع للعملية الانتخابية، فإن الرهان الحقيقي يتمثل في إعادة الثقة (التي ضعفت إلى حد كبير) إلى المواطن المغربي في المؤسسات المنتخبة حتى تقل نسبة العزوف الانتخابي الذي لا يستفيد منه إلا الذين «يستثمرون» في الفقر والهشاشة، ولا يخدم إلا مصلحة القطبية المصطنعة.
وحتى تعود الثقة إلى المواطن، فلا بد من القطع مع الممارسات السلبية السابقة (شراء الأصوات بالجملة والتقسيط؛ الولائم الانتخابية؛ تبذير المال العام بتوزيعه على الجمعيات الوهمية والصورية التي يُفرِّخها المستشارون الجماعيون والجهويون؛ الحياد السلبي للسلطة؛ استمرار الحملة الانتخابية يوم التصويت بالتعرض للناخبين في الطرقات ودعوتهم إلى التصويت لفلان أو علان أو لهذا الرمز أو ذاك؛ وغير ذلك من السلوكات المشينة). ولن تعود الثقة للمواطن إلا إذا تم الضرب بيد من حديد على المفسدين.
ولن يقوم بهذه المهمة لا الجمعيات الحقوقية، ولا اللجان الإقليمية لتتبع الانتخابات، ولا غيرها من الآليات التي قد يتم التفكير فيها؛ بل لا بد من الاعتماد على الأجهزة ذات الخبرة في مجال مكافحة الجرائم بكل أنواعها (الإرهاب، التهريب، المخدرات، تبييض الأموال، إلخ)؛ خاصة وأن الغش الانتخابي (كما هو الشأن بالنسبة لكل أنواع الغش) جريمة في حق الوطن ومؤسساته، وفي حق المواطن الذي تُهدر كرامته ويُعبث بمصالحه وحقوقه.
ليس هناك جهة مؤهلة لحماية العملية الانتخابية من الإفساد أكثر من فرق الشرطة القضائية وفرق شرطة مكافحة الجرائم، القادرة على رصد التحركات المشبوهة وتتبعها لكشف بؤر الفساد الانتخابي. ومن شأن عمل هذه الأجهزة أن يكشف، من جهة، تورط بعض رجال وأعوان السلطة الذين قد لا يحترمون واجباتهم المهنية لسبب أو لآخر؛ ومن جهة أخرى، سوف يكشف عمل هذه الأجهزة كذب ونفاق ممثلي بعض الأحزاب في اللجان المكلفة بتتبع الانتخابات، إن على الصعيد الوطني أو الجهوي أو الإقليمي، حيث يعمدون إلى تقديم خطاب أخلاقي يتناقض وممارسات أحزابهم على أرض الواقع.
خلاصة القول، في محاربة الغش الانتخابي، لا تكفي لا القوانين الانتخابية ولا الهيئات التمثيلية للتتبع ولا هيئات المجتمع المدني والحقوقي للرقابة؛ بل لا بد من مساهمة الأجهزة المتخصصة في مكافحة الجرائم؛ إن كنا نريد، فعلا، أن نحمي بلادنا من الإفساد الانتخابي.
تعليقات الزوار ( 0 )