في مناقشة مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة بالغرفة الثانية قال رئيس الفريق الاشتراكي محمد علمي أول أمس ان هاذين القانونين يشكلان احد أهم ركائز بناء الدولة و المجتمع بكل فئاته و مستوياته ، وأنه ليس قانون فقط لتنظيم مهنة، أو وظيفة أو فئة معينة . وأضاف العلمي الذي كان يترافع بمجلس المستشارين على مشارف اختتام الدورة الخريفية أن الدستور أحدث تطورا نوعيا في مجال القضاء، إذ لأول مرة في التاريخ القضائي المغربي، يصبح القضاء سلطة مستقلة إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية وذلك بموجب المادة 107 من الدستور. وأضاف علمي أنه من دون شك يجمع الكل على أن دستور 2011 يعتبر نقلة نوعية في التاريخ السياسي المغربي في جميع المجالات، وخاصة في مجال القضاء الذي يعتبر ركيزة أساسية لقيام الدولة واستمرارها، وبالتالي فالتعاطي بحكمة مع هذا الموضوع الذي يعتبر ورشا كبيرا يمكن أن يعطي إضافة نوعية لمسار العدالة ببلادنا.
وأكد محمد علمي أن انشغالات الفريق الاشتراكي نابعة من الضمانات الفعلية للتنزيل السليم و الديمقراطي للمبادئ المتضمنة في الدستور ومن ضمنها توطيد دعائم استقلال السلطة القضائية،كمؤسسة قائمة الذات.لان استقرار البلاد و تحقيق أمنها السياسي والاجتماعي رهين ببناء دولة الحق و القانون،و الفضاء له دور محوري الم نقل مركزي في بناء هذه الدولة و تحصينها و حمايتها .و يبقى التحدي الأكبر أمامنا اليوم هو مدى قدرتنا على التفعيل الجيد لهذه القواعد الدستورية.
وقال رئيس الفريق الاشتراكي أن مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالإضافة للنظام الأساسي للقضاة هما مشروعان طموحان يتمازجان إلى حد كبير جدا لدرجة يصعب معها التمييز بينهما، فبالنسبة للفصل 116 من الدستور فإنه كان واضحا في التنصيص على قانون تنظيمي متعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي من شأنه أن ينظم مجال السلطة القضائية في حلة جديدة وبشكل جديد وبصلاحيات جديدة، وباختصاصات أوسع،فهو يتضمن مجموعة من المستجدات الرامية الى توطيد استقلالية السلطة القضائية، الأحكام الخاصة بتاليف المجلس الاعلى للسلطة القضائية ، خاصة ما يتعلق بضمانات انتخاب ممثلي القضاة، و كيفية تنظيم و تسيير هذا المجلس بما يضمن له الاستقلال المالي و الإداري ،فضلا عن السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، ويضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها، ويُصدر أيضا، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط.
واعتبر رئيس الفريق أن أهم مستجد في هذا المشروع هو المرتبط بإصلاح مؤسسة النيابة العامة الذي يشكل عنصرا أساسيا ضمن نسق إصلاح منظومة العدالة لكونها تعتبر مؤسسة قضائية أساسية وأن أي إصلاح لا يمنحها استقلالا حقيقيا، يبقى إصلاحا ناقصا وغير متكامل.
أما فيما يتعلق بمشروع القانون التنظيمي رقم 106.13 الذي يتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، ومن خلال الرجوع لمواقف مختلف الفاعلين في مجال إصلاح القضاء، والذين كان للفريق الاشتراكي لقاءات عدة معهم، رأى رئيس الفريق أن هناك إصرارا من الجميع على ضرورة إصلاح هذا الورش بالرغم من الاختلاف في منطلقات الإصلاح ، مؤكد أن الغالبية اعتبرت أن إصلاح القضاء هي مسألة تقنية تتعلق أولا وأخيرا بالقاضي وضرورة تحصينه من المؤثرات المادية والمعنوية، وركزت على مفهوم استقلال القاضي ، وهي نفس الرؤية التي تبنتها المنظمات الحقوقية من خلال مذكراتها بهذا الخصوص .
وأضاف علمي كنا نأمل ألا يقيد هذا المشروع من حرية التعبير للقاضي ما دام دستور 2011 أعطاه الحق في ذلك، طبقا للمادة 111 منه، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية. وأيضا ألا يخلق هذا المشروع استياء وتخوفا لدى القاضي نتيجة المادة 97 التي اعتبرت من الخطأ الجسيم اي تصريح للقاضي يكتسي صبغة سياسية وهي عبارة فضفاضة، وأن أي تصريح يمكن اعتباره كذلك ويؤدي إلى توقيف القاضي، وهذا يتناقض مع مقتضيات الدستور الجديد في فصله 111 الذي أعطى للقاضي الحق في حرية التعبير وكذا الانتماء إلى جمعيات أو إنشائها، وكذا بخصوص الخرق العمد والواضح لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق الأطراف الذي يعتبر حقا خطأ جسيما أيضا ويمكن توقيف القاضي نتيجته، هنا يصعب إثبات العمد وهو ما دفع- يضيف محمد علمي- إلى تقديم تعديل يهم تحسين و توضيح هذه المادة بما يتماشى و روح الدستور ، لكن مع الأسف الحكومة رفضته بناءا على مبررات غير مقنعة مما دفع الفريق الاشتراكي إلى التشبث بتعديلاته .
وأكد رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين أن المغرب في حاجة إلى ولوج عهد جديد،تكون ميزته إقامة ديمقراطية حقيقية، لا تنحصر في ترديد مجموعة من الشعارات ، و كتابة بعض المبادئ في الدستور،و إقامة واجهات شكلية،و إنما ديمقراطية تتبلور من خلالها سيادة الشعب، و دولة المؤسسات التي تكون فيها السلطة القضائية مستقلة و بعيدة عن أي تأثير،لتضطلع بدورها كضمانة أساسية لاحترام حقوق الإنسان و حماية الحريات الفردية والجماعية،و إقامة العدل في المجتمع، في ظل المساواة و سيادة القانون. مبرزا أن المغرب في حاجة إلى طي مرحلة الانتقال التي امتدت لسنوات طويلة وولوج عهد جديد من الديمقراطية وفق القواعد و المقومات الأساسية المتعارف عليها،ومن أهمها فصل و استقلال و نزاهة السلطة القضائية، و احترام سيادة القانون ، ليتدارك المغرب ما ضاع من الزمن السياسي،و مواجهة التحديات الداخلية و الخارجية و ربح رهان التنمية الشاملة و المستدامة. وختم محمد علمي تدخله بالقول أن رسالة القضاء لا يمكن أن تتحقق بدون قضاة يتمتعون بالحياد و النزاهة و الأمانة و القدرة على إصدار الأحكام، وفق أصول القانون وبكل تجرد عن أي تأثير خارجي.والقاضي المستقل هو الضمانة لتحقيق العدل و المساواة بين الأفراد.
تعليقات الزوار ( 0 )