عبد الجليل طليمات
27 دجنبر 2013
وأنا أتابع باستغراب وامتعاض ردود الفعل الهوجاء على كلمة الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي الأخ إدريس لشكر, سواء تلك التي صدرت عن فقهاء المحافظة والتقليد , أو عن بعض المتعالمين من كتاب الافتتاحيات والأعمدة السريعة والخفيفة ,وجدت نفسي وبعفوية متوجها نحو البحث عن نصوص وازنة لمفكرين وفقهاء تناولوا موضوعي تعدد الزوجات ونظام الإرث , وقد كانت فرصة جديدة لي لإعادة قراءة نصوص من الفكر النهضوي التنويري للإصلاحيين المسلمين ومن الفكر العربي المعاصر, ولأن المقالة لن تستوعب كل تلك النصوص , فإني أستدعي مثالين بليغين يفيان بالمطلوب :
بخصوص مسالة تعدد الزوجات , كتب العلامة والإمام محمد عبده منذ أزيد من قرن من الزمن مايلي:
“أما جواز إبطال هذه العادة , أي تعدد الزوجات فلا ريب فيه ,أولا , فلأن شرط التعدد هو التحقق من العدل , وهذا الشرط مفقود حتما … وثانيا, قد غلب سوء معاملة الرجال لزوجاتهم وحرمانهم من حقوقهن في النفقة والراحة, ولهذا يجوز للحاكم والقائم على الشرع أن يمنع التعدد دفعا للفساد الغالب. وثالثا , قد ظهر ان منشأ الفساد والعداوة بين الأولاد هو اختلاف أمهاتهم (…) ولهذا يجوز للحاكم ولصاحب الدين أن يمنع تعدد الزوجات والجواري صيانة للبيوت من الفساد ” (الاعمال الكاملة ج 2)
فهل العلامة محمد عبده وقاسم أمين والطاهر الحداد وغيرهم من مفكري الإسلام التنويريين الإصلاحيين هم أيضا ” متطاولون على ا لشريعة و ” ناعقون وشاردون” ؟ . كم هو كبير وكارثي حجم ردة حركات الإسلام السياسي عن التراث الاجتهادي لرواد السلفية التنويرية : فشتان بين هذه السلفية الاجتهادية, وبين سلفية الطيف الإسلاموي الجهادي الذي استبدل التفكير بالتكفير , والاجتهاد بالتحنيط للتقليد , والتأويل بالترديد الغبي للنصوص ..إن من يضمن استمرارية حضور روح الشريعة ومقاصدها هم من يجددون لا من يقلدون ,هم من يفتحون صحيفتها على الواقع ومتطلباته المستجدة باستمرار لا من يغلقوها عليه , ويصدون العقل ,بذلك عن التفاعل الإيجابي مع العصر , ما يولد مختلف النزعات الدوغمائية والمتطرفة باسم حماية الهوية الدينية , ووصاية عليها ..
إن رد الفعل الاهوج لفقهاء الردة عن مكتسبات الفكر الإسلامي العقلاني التنويري النهضوي منه والمعاصر , ليؤكد الحاجة الماسة اليوم الى استئناف الاجتهاد الديني , بما يجعل من عقيدتنا وشريعتنا عامل تقدم وتحديث ونهضة لا عامل نكوص وانغلاق وتكريس لتأخرنا التاريخي .
وبما أن المسالة النسائية تقع في قلب عملية التحديث المجتمعي العام , فإنها مسؤولية كافة القوى الحداثية من مثقفين وأحزاب تقدمية وجمعيات وهيآت المجتمع المدني ذات التوجه الديمقراطي الحداثي , وقد لا احتاج هنا إلى تفصيل القول في الأدوار الريادية والتاريخية للإتحاد الاشتراكي , بعلمائه الاجلاء ومثقفيه ونسائه وقياداته وكافة مناضليه ومناضلا ته في الدفاع عن حقوق المرأة في الكرامة والحرية والمساواة في كافة الميادين .. ولم يكن المؤتمر النسائي السابع للمرأة الإتحادية , وكلمة الكاتب الاول للحزب سوى تأكيدا لهذا المسار وتعميقا له, كما عكست ذلك أرضيته التوجيهية وبيانه الختامي ..
أما فيما يتعلق بمسالة إصلاح نظام الإرث التي اثارت زعيقا لا مبررا عقلانيا له, فإن المطالبة بإصلاحه أو مراجعته ليست بالأمر الجديد , إذ هناك اجتهادات فقهية حركها هاجس جعله أكثر عدلا من جهة , ومستجيبا لمتطلبات التحديث الاقتصادي من جهة ثانية.
في محاضرة ألقاها المفكر عبد الله العروي سنة 2005 حول عوائق التحديث( صدرت عن منشورات إتحاد كتاب المغرب سنة 2006). قال في معرض رده على مناقشة عرضه : ” لما اقترح علي موضوع عوائق التحديث فكرت كثيرا من اين أبدا ؟ قلت ابد أبمثال ملموس وأنطلق منه رغم ما قد يجره علي من انتقادات تعودت عليها , المثال يتعلق بحقوق المرأة بما أنه كنت دائما مطالبا بتحريرها ” ( ص 56) هكذا يؤكد العروي هنا بأن تحرير المرأة يقع في صلب التفكير في الحداثة , فوضعها ( المرأة ) عائق لها , وتحريرها شرط لبلوغ أفقها ( الحداثة )
واختار الاستاذ العروي في هذا السياق الحديث , بكثير من الاحتراز المقصود , عن موضوع الإرث , وهكذا وبعد توقفه عند الكثير من ثغرات قانون الإرث المعمول به , أقر بان” منظومة الإرث كما هي جارية عندنا لا تحقق التراكم الاقتصادي” وبالتالي هي عائق من عوائق التحديث .. غرضي من هذا الإ ستشهاد القول : إ ن الدعوة الى مراجعة وإصلاح نظام الإرث في افق جعله أكثر عدلا , وملاء مة للتحديث الإ قتصادي والاجتماعي , ولمطلب مراكمة الثروة ومركزتها , بدل تشتيتها ( تفتييت ملكية الأرض مثلا ) لا يجب اختزالها في بعد واحد وحيد هو البعد الديني كما تتأوله النزعة المحافظة والتقليدانية التي تنصب نفسها عدوة لكل اجتهاد ذي أفق يتحقق فيه العدل والمساواة, وهما ما يشكل روح شريعة ديننا الحنيف وغايته القصوى .. فللمسالة ابعاد اخرى اقتصادية تنموية , واجتماعية إنسانية , وهي أبعاد لا يمكنها مناقضة مقاصد الشريعة مقروءة في ضوء حاجات اندماج مجتمعنا في سيرورة التحديث الكاسحة كونيا , يقول ذ العروي في هذا السياق ” الحداثة موجة , العوم ضدها مخاطرة , ماذا يبقى ؟ إ ما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة , وإما نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون مع الناجين في أية رتبة كانت ” الحداثة بهذا المعنى قدر ومصير , و دونها الانفراط والضمور…..
ولعل أغرب وأطرف ردود الفعل على كلمة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي , تلك التي ذهبت إلى الزعم بأن الاتحاد الاشتراكي يتجه نحو ” رفع مطالب ذات طابع ديني ” ,هو الذي يقول أحد الصحفيين_ ” ليس له خطاب حول الدين ” ( كذا) , مستخلصا أن الحزب يريد ” تحزيب الشريعة” مما يتنافى مع المهام الدستورية للأحزاب باعتبار أن وظيفتها تنحصر فقط في بلورة المقترحات والبدائل وليس الخوض في قضايا إيديولوجية ( يا سلام )
في الواقع لا يستحق هذا الكلام غير القول ” بدون تعليق”, فهو ينم عن جهل, او تجاهل للتوجهات الفكرية للحزب منذ تأسيسه إلى آخر ارضية توجيهية له في المؤِتمر التاسع , انه نكران لما قام به رواد الفكر الإسلامي ألعقلاني والتوجه الديني الوسطي المعتدل داخل الإ تحاد من بلورة لخطاب تنويري حول المسألة الدينية , ومن اجتهادات لربط الافق الديمقراطي الإ شتراكي لنضال الحزب بالخصوصية الحضارية والدينية لمجتمعنا , من مولاي العربي العلوي وعمر الساحلي إ لى عابد الجابري وعمر بنجلون , لم يسع الحزب في اية ظرفية تاريخية إ لى توظيف الدين في السياسة احتراما لتعالي الدين أولا وقبل كل شيىء , ناهيك على أنه كان من ضحايا ذلك التوظيف الفاشستي له , ومازالت روح الشهيد عمر خير إدانة لذلك التوظيف ولأزلامه الحاضرين اليوم بقوة في المشهد السياسي والدعوي ..
وبإيجاز أقول لأصحاب ” الاعمدة السريعة والخفيفة والمتعالمة” : إن الاتحاد الإ شتراكي وكافة قوى التقدم والحداثة ستظل تستلهم( لا تستغل ) من عقيدة وشريعة الإسلام كل ما يساعد عل تحقيق مشروعها المجتمعي وذلك حقها وواجبها , ولن تترك الدين بقبضة المتاجرين به , ستجعله _ انطلاقا من التراكمات المعرفية المعاصرة في مقاربة الإسلام كنص وكتجربة تاريخية _ أداة تحرير وتحرر من حجر ووصاية قوى النكوص والتطرف و”الجهل المقدس” .. وللموضوع عودة إذا عاد هذا ” التحرش الديني ” بمشروعنا الديمقراطي الحداثي …
تعليقات الزوار ( 0 )