السيد سفير دولة فلسطين السيد جمال الشوبكي

والسيد سفير دولة  ليبيا السيد عبد المجيد سيف النصر

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

الحضور الكريم،

 

الإخوة أعضاء مجلس “اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية في العالم العربي”، إنه لمن دواعي اعتزازنا و تفاؤلنا أن تحتضن الرباط عاصمة المملكة المغربية انعقاد الدورة الأولى لمجلس “اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية في العالم العربي” و أن يستضيف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية  أشغال هذه الدورة، التي تنعقد في ظرف عربي دقيق، تطبعه مجموعة من الأسئلة، المرتبطة  بأوضاع الدول العربية، السياسية والاقتصادية و الاجتماعية، وهي الأسئلة التي يتوجب علينا، أن نجد لها إجابات واقعية، تفضي إلى تجاوز واقع يفرض التساؤل و التفاؤل ثم العمل والنضال.

 

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

أما التساؤل و التفاؤل، فيعبر عن مسؤوليتكم كشباب عربي، في تشخيص أوضاع الدول العربية بكل جرأة وموضوعية، لكن بروح وطنية بناءة، ورؤية تفاؤلية واعدة، وفي سياق هذا المنطلق القويم، فإن مسؤوليتكم كقوة شبابية حية، ديمقراطية وتقدمية، تفرض عليكم استيعاب حقائق الوضع الراهن بالمنطقة العربية، في أبعاده السياسية و الاجتماعية والجيوسياسية، في اتجاه الرصد الدقيق لمجموع التحديات التي تتربص بالعالم العربي، والتي يشكل رهان البناء و الحفاظ على قوة الدول، ووحدتها، واستقرارها أهم تحدي فيها.

في هذا السياق، فإنه لا يسعنا إلا أن نقر أن ما شهدته و تشهده مجموعة من الدول العربية، من تأجيج للنزاعات السياسية، وإحياء للنعرات الطائفية والعشائرية، إنما السبب الرئيس فيه هي أجندات جيو-سياسية،  لا تبغي غير الاستحواذ والهيمنة على مراكز القرار السياسي و الاقتصادي في هذه الدول.

هذه الأجندات، التي وجدت في ما آلت إليه الأوضاع بعد ما عرفته سنة 2011 من احتجاجات وانتفاضات، في مجموعة من الدول العربية، الجو السليم  والمناسب والذي تمثل في الهوة التي نتجت بين السلفيين الإسلاميين من جانب و الإصلاحيين التحديثيين من جانب آخر،  والتي تجسدت في صراعات و انقسامات مذهبية سياسية، أدت بشكل مباشر، إلى خلخلة شروط التماسك و الاستقرار المجتمعي في هذه الدول.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

إنه لمن الموضوعية، القول بأن ماعرفته سنة 2011 من حراك و احتجاجات بعدد من الدول العربية، قد كان لحظة حقيقية، ترجمت إرادة شعبية حازمة لتغيير الأوضاع الاجتماعية، وتقويم الاختيارات السياسية، وتحقيق المطامح الشعبية بهذه الدول، لكن من المسؤولية أيضا، الاعتراف بأن مسارات تلك الدينامية الشعبية، بمجموعة من الدول العربية الأخرى، قد انعطفت عن غاياتها الحقيقية، التي عبرت عنها الشعارات و القيم التي ميزتها في بداياتها، نحو ” اللامسؤولية” و “اللااستقرار السياسي” و” اللاتماسك الوطني ” مؤدية إلى نشوء أوضاع لا مميز فيها غير الانقسامات و الحروب و الصراعات المذهبية، وغير تغول الطائفية والقبلية العرقية والدينية.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

أما العمل و النضال، اللذان يجب أن يحكما كل النقاشات و الحوارات التي ستستوعبها أشغال مجلسكم، فإنهما ينصبّان على مسؤولية ودور الشبيبة العربية الحاملة للواء الاشتراكية والديمقراطية، في المساهمة الفكرية والميدانية بهدف محاصرة كل الأسباب  التي أفضت بالوضع بمجموعة من الدول العربية إلى ما هو عليه اليوم من تشرذم و تخبط، من جهة، وفي بناء مشروع مجتمعي نهضوي بديل من جهة أخرى.

فمن المعلوم أن المشروع المجتمعي في حقبة ما قبل دينامية 2011، كان يراهن، على إنجاز قضايا وطموحات قومية، حيوية عامة، تمثلت في  قضايا التحرير  والتحديث، ولكنه تغافل عن القضايا الوطنية التي تشكل الأرضية الصلبة لربح هذه المعركة، أي معركة التحرير والتحديث، و في طليعتها قضية بناء الدولة الوطنية، وإقرار الديمقراطية في مقوماتها الشاملة، التمثيلية و الجهوية  والتشاركية التي تمكن الشعب حقا و حقيقة من المشاركة في اتخاذ القرار السياسي و التنموي والبيئي و في تفعيله، ثم تكريس قيم الحداثة و التحديث و بناء دولة المؤسسات و دولة الحق والقانون، و الاهتمام بقضية التنمية الاقتصادية،  والاجتماعية والبشرية الشاملة، التي تستهدف تنمية الإنسان و صيانة كرامته.

وكما تعلمون، فإن التجربة المغربية، في مجال الإصلاح الدستوري، والبناء الديمقراطي المتواصل، و الجهد التنموي الشامل، و التأطير الحكماتي لمختلف مؤسسات الدولة و أجهزة الإدارة، والانفتاح الاقتصادي المضبوط، و الانخراط المتعدد في ديناميات التعاون و الشراكة على كافة المستويات و الأصعدة العربية و الإفريقية و الأوروبية والدولية، هي تجربة مستمرة ومتواصلة و رائدة بمكتسباتها الدستورية و الحقوقية، والديمقراطية والتنموية والبيئية والاجتماعية و الأمنية، وهي  لتشكل نموذجا حيّا لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الوطنية القوية، القادرة التي تستمد قوتها من إقرار الحقوق و إعمال سلطة القانون،  والتجاوب مع نبض الشعب.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

إن المطروح على كل قوى التغيير اليوم، وفي كل الدول العربية، هو النضال لأجل بناء الدولة الوطنية القوية، والقوة هنا لا نعني بها الضبط و التدخل، أي أن الدولة القوية المراد الدفاع عنها وبناؤها، ليست تلك الدولة الضبطية المتدخلة، بل المقصود هو الدولة القوية بمؤسساتها، الدولة القوية باستقلالها الاقتصادي  والسياسي، الدولة القوية بهوامش الديمقراطية الواسعة و احترام الحقوق فيها، الدولة القوية بقدرتها على تحقيق التنمية.

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

إن المهام المطروحة علينا اليوم كاشتراكيين – ديمقراطيين، والمنسجمة  والمرتبطة بمهامنا التاريخية و المتمثلة في النضال لأجل الديمقراطية، لا تعني غير الدفاع عن نموذج الدولة القوية، فالديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا في دولة وطنية وقوية، ولا تعني أيضا، غير الانخراط في إصلاح أوضاع بلداننا، من خلال المساهمة في التفكير في نماذج تنموية ناجعة، قادرة على الارتقاء بأحوال شعوبنا الاجتماعية، فالديمقراطية لا تتحقق أيضا مع انتشار الجوع و الفقر  والأمية.

هذه المهام هي مطروحة عليكم أنتم كشباب أكثر من أي فئة عمرية غيركم، أولا على اعتبار البنية الشابة لكل الدول العربية، مما يجعلكم المعني الأول بحاضرها وواقعها،  وثانيا على اعتبار أنكم المحدد الرئيس والمسؤول عن مستقبل هذه الدول، وثالثا لكونكم شبابا اشتراكيا ديمقراطيا حاملا لهمّ التغيير فيها، ومسؤولا عن بنائها وتقدمها، وهذا ما يفرض عليكم، كشبيبة ديمقراطية اشتراكية عربية، ومن ضمنكم منظمة الشبيبة الاتحادية، التي تشكل قطاعا حيويا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،  التحلّي بقوة الالتزام الفكري و صدقية الفعل الميداني، من أجل الوقوف سدا منيعا أمام كل النزعات التي تراهن على استمرار تخلف بلداننا، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال  تقويم كيان الدولة الوطنية،  وتصليب عودها، بالديمقراطية و الحقوق والتنمية، و تعزيز انخراطها في العمل الجماعي العربي، على قاعدة الثوابت و القواسم المشتركة التي تجمع الدول العربية، وهي ثوابت التضامن الفعلي السياسي و الميداني، في مواجهة ثلاث تحديات مصيرية، متمثلة في تحدي الإرهاب  الجهادي وما يطرحه من مخاطر وجودية، و تحدي الاحتلال الإسرائيلي و ما يمارسه من عدوانية، وتحدي الفرقة والشنآن العربيين، وما يمثلانه من تهديد للعمل الجماعي و التضامن العربي.

إذ يشكل التصدي الحازم و العاجل لهذه التحديات الثلاثة، فاتحة انفتاح الدول العربية على عهد جديد يؤطره الاستقرار السياسي، و يليه مناخ سياسي وجيو سياسي جديد.

 

أيتها الأخوات أيها الإخوة،

في الأخير، أجدد الترحاب بكم في بلدكم، وأتمنى لأشغال مجلسكم، كامل النجاح والتوفيق، و إلى الأمام على طريق المزيد من التعبئة و النضال و التقدم.

 

                                                           والسلام عليكم

 

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني

في البيان العام للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية

الكاتب الأول يترأس اجتماع المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية

انتخاب الاخت فتيحة سداس في أعلى هيئة تقريرية خلال مؤتمر التحالف التقدمي بالشيلي