بعد بسم الله الرحمان الرحيم «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون».
إخواني أخواتي أيها السيدات والسادة ضيوفنا الكرام.

باسمي الخاص، و باسم أخواتي وإخواني في لقيادة الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وقواعده ، أحييكم جميعا ، وأشكر لكم هذا الحضور النوعي الكبير ، الذي يجسد اليوم، مثلما كان الأمر بالأمس في جنازته المهيبة ببوجديان حيث يرقد جثمانه الطاهر، الوفاء والعرفان لهذا المناضل الفذ الذي اجتمع الناس حوله حيا ، ويجتمعون عليه اليوم و هو في دار البقاء، و أنا أرى هذه الجموع الغفيرة التي تملأ أسفل القاعة كما تملأ أعلاها.

حضوركم اليوم بهذه الكثافة ، و بهذه النوعية، وبهذا التعدد في المشارب السياسية والنقابية والجمعوية، وفي المؤسسات التمثيلية، من كل فئات المجتمع، يشكل خير عزاء للإتحاديات والإتحاديين قبل أسرته في فقدان هذا الرجل الشهم المخلص، وعربون محبة ووفاء لروحه الطاهرة ، أصدقكم القول أن هذا الإحتضان النبيل خفف عنا لوعة الإشتياق ، و ألم الفراق.

أيها السادة.

في نهاية السبعينات وفي أوج النضال الإتحادي بعد المؤتمر الإستثنائي للحزب والتحضير للمؤتمر النقابي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل والحركة الطلابية التي لعب فيها الفصيل الحزبي أدوارا رئيسية، عاشت بلادنا حملة قمعية كبيرة ، وصلت إلى حد حصار المقرات الحزبية و النقابية و الطلابية والإعلامية، إذا كانت القوات القمعية التي حاطت بكل هذه المقرات والتي أحاطت بمنازل المناضلين، مما جعل الإتحاديات والإتحاديين يبحثون لهم عن مقرات للقاءاتهم وإجتماعاتهم للتنسيق بينهم. وأتذكر أن المرحوم بإعتباره من منسقي النقابة الوطنية للتعليم كان يحضر ضمن ثلة من الإخوان في لقاء شبه نصف شهري للعاصمة من أجل معالجة ملفات نساء ورجال التعليم ، كانوا يأتون من الجنوب وأتذكر هنا الأخ الوثيق ومن الشمال ومن الوسط ومن الشرق وإخوة كثر من الدار البيضاء، كانوا يأتون إلى الرباط، في هذه المرحلة تعرفت على الأخ مصطفى تغمده الله برحمته وأسكنه فسيج جناته ، لأن عندما يأتي هؤلاء إلى الرباط، كان لزاما على الإخوة في العاصمة توفير مكانا للإجتماع و التنسيق، وقتها تعرفت عليه وتعرفت على ماضيه النضالي وما تعرض له من إعتقالات في السابق.

تعرفت من خلاله ومن خلال الإخوة المنسقين في النقابة الوطنية للتعليم أن المرحوم كان من الشباب المؤسس للإتحاد الوطني للقوات الشعبية في نهاية الخمسينات، وأنه كان من المؤسسين للنقابة الوطنية للتعليم سنة 1965، عندما إستعصى التعايش في إطار الإتحاد المغربي للشغل، حيث شكلت النقابة الوطنية للتعليم، إلى جانب النقابة الوطني للبريد التي كان يقودها الشهيد الكبير عمر بنجلون ، النواة الصلبة للبديل النقابي الدي لن يتأسس بشكل رسمي إلا بعد ميلاد الكنفدرالية الديمقراطية للشغل في نهاية السبعينات ، و الذي كان كذلك المرحوم مصطفى القرقري أحد مؤسسيها.

هكذا يكون الرجل واحدا من الرواد الذين ساهموا في مسارات التأسيس للمشروع الإتحادي و كذلك للبديل النقابي ، بقي حاضرا و فاعلا في كل المحطات الحزبية و الجماهيرية و المؤسساتية إلى اليوم الذي لقي فيه ربه في نهاية سنة 2015

لقد شكل الحاج مصطفى القرقري في كل هذا المسار الطويل من الكفاح والتضحيات درعا قويا لحماية الحزب، والدفاع عن قيمه ووحدة صفوفه، وأدى ذلك ثمنا باهظا من حريته وراحته وماله ورزقه عائلته.
لقد توطدت علاقتي بالرجل ، عندما إلتحق بالفريق البرلماني للحزب بمجلس النواب خلال الولاية التشريعية 2002-2007 ، التي كنت رئيسا له حيث كان الفقيد منتخبا عن إقليم العرائش ، كان واحدا من أنشط نواب الفريق من حيث دوام الحضور ، و من حيث المبادرات العديدة في طرح قضايا و مشاكل المواطنين ، لقد جسد – كما قال أخونا عبد الواحد الراضي – بحق النمودج في كل المستويات التمثيلية الإنتخابية التي تولاها منذ إنطلاق المسلسل الديمقراطي سنة 1976 ، من خلال عضويته في الجماعة الحضرية للعرائش، ثم رئاسة جماعة بوجديان، ورئاسة المجلس الإقليمي للعرائش ، و عضوية مجلس جهة طنجة تطوان منذ تأسيسها و إلى غاية الإستحقاقات الأخيرة.

لقد جسد في كل هذه المستويات نمودج المنتخب النزيه ، الفاعل ، المبادر ، و الحريص على خدمة الصالح العام و قضايا السكان بكل جرأة و شجاعة ، كان رحمة الله عليه مداوما على الحركة ، و يمكن أن أجزم أنه قضى ثلثي حياته على الطرقات ، غير عابئ بحق نفسه عليه في الراحة ، و بحق أسرته عليه في الرعاية ، كل ذلك من غير طمع في تعويض أو شكر ، لم يجمع من الدنيا إلا خدمة الناس.
سيداتي سادتي أيها الحضور الكريم.

يشهد كل من عرف الفقيد أن بيته كان لأزيد من أربعين سنة بيتا لكل الإتحاديين ، فيه تنعقد الإجتماعات الحاسمة ، فيه كذلك يتحصن قادة سياسيون و نقابيون مطاردون من أجهزة القمع أيام المحن و الشدائد ، في ذلك البيت قد تصفى الأجواء و تبرم المصالحات بين المناضلين فيما بينهم ، و إليه يلجأ بنو قبيلته لفض ما قد يحدث بينهم من خصومات ، حيث جسد المرحوم نمودج المغربي الأصيل في كرم الضيافة ، و في إصلاح ذات البين.

كان بيته عامرا و بيت ضيافة و كرم ، كما كان مكتبه للمحاماة ملاذا للمظلومين و المضطهدين، لم يكن في مشواره المهني يعبأ للأتعاب ، قدر ما كان حريصا على الدفاع عن الحق و القانون ، لم يكن يهاب في الإٌنصاف لوما، وكان في ساحة العدل شجاعا ومقداما، كان نموذجا للمحامي النظيف ، يقدس بذلة المحاماة، ويقدر الكفاءة والنزاهة.

كل هذه الشمائل و غيرها ربما لا أستطيع الإحاطة بها أمام هذا الجمهور الكريم و في هذا المقام ، جعلت الرجل ناجحا ليس في مساره السياسي و المهني ، بل استطاع أن يجعل من أسرته الصغيرة نموذجا للأسرة الصالحة، حرص رغم كل إنشغالاته على تعليم بناته وولديه، فكانوا جميعهم عند حسن ظنه ، حيث تمكنوا جميعهم من التألق في حياتهم الدراسية والأسرية ، و هم اليوم في غيبته قيمة مضافة من حق الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية أن يفخر بها ، هنيئا لك أخي مصطفى أنك خلفت وراءك ذرية صالحة تدعو لك ، و هنيئا لك سيدتي أرملة الفقيد على تعبك و تضحياتك و صبك أثمر هذه الثلة من الأبناء الذين يحق لك و نحن معك أن نفتخر بهم، و نعتبر أن المرحوم في وجودهم لم يمت.

أيتها السيدات، أيها السادة، إخواني أخواتي.

أستسمحكم في ختام هذه الكلمة أن أخلع عني معطف الكاتب الأول و بما تمليه علي من تكلف ، و أن أبوح أمامكم أني في صبيحة يوم 24 دجنبر 2015 عندما قرأت أول رسالة قصيرة على هاتفي من أحد الإخوة تبلغني خبر وفاة المرحوم المصطفى القرقري ، لم أصدق الخبر ،اتصلت بأحد أفراد العائلة فأكد لي الخبر ، لم أتمالك نفسي و غالبتني الدموع ، وأنعيت الخبر لزوجتي وأبنائي الحاضرين ، عم البيت حزن كبير، كان ألم العائلة ذلك الصباح في مثل ألم أرملة وأبناء الفقيد ، لأن الرجل نفذ إلى قلبنا و وجداننا جميعا كعائلة ، مثلما نفذ إلى قلب عائلتي ، لقد توطدت علاقتي بالحاج مصطفى خلال السنوات العشر الأخيرة ، لدرجة جعلته مألوفا في منزلي ، يدخل دون تكلف و دون حاجة لاستئذان ، يأكل على مائدة أبنائي و بناتي، لم تكن زياراته تنقطع ، قد يصل صباحا ، مثلما قد يصل في وقت متأخر من الليل، كنت أقف إحتراما لروح الشباب التي تسكنه حتى يوم وداعه ، كان سندا قويا لي في أصعب الظروف يطرق باب بيتي ، و كان حضوره مصدر قوة جعلتني أزداد شغفا به ، كنت أستنير برأيه في اللحظات الصعبة ، لما عرفت عنه من حصافة الرأي ، و من قدرة على تحليل الأوضاع ، لم يكن في تحليلاته طوباويا أو منفعلا أو حالما بل كانت تحليلاته تتسم بالواقعية السياسية تمنح لكل معطى و لكل نقطة قيمتها دون زيادة أو نقصان ، لقد فقدنا أخا عزيزا و صديقا معينا على الشدائد ، فقدت فيه المؤنس و المخلص ، وفقد الإتحاد الإشتراكي مناضلا صلبا وفيا ، و ذراعا حصينا قويا ، مناقبه لا تحصى و لا تعد ، و قضاء الله لا يرد، فقد أخلص لحزبه و وطنه ، جازاه الله عنا أحسن الجزاء.
« يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي و أدخلي جنتي « صدق الله العظيم

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني

في البيان العام للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية