السياسة الجنائية ليست عقيدة جامدة : لا وجود لأي «بلوكاج» بسبب نقطة الإثراء غير المشروع
استضاف برنامج « حديث مع الصحافة « الذي يقدمه الزميل عبد الله ترابي على القناة الثانية ، مساء الاحد الأخير، محمد بنعبد القادر ، وزير العدل ، الذي عرف مشاركة كل من الزملاء مريم بوتروات (عن موقع الدار) و محمد لغروس (عن موقع العمق) ،حيث خصصت الحلقة للحديث عن اسباب تعثر القانون الجنائي وإصلاح منظومة العدالة بالمغرب ، إضافة إلى مجموعة من المواضيع السياسية والاجتماعية.
وعلى مدى ساعة ، تحدث محمد بنعبد القادر ، وزير العدل، عن السياسة الجنائية بالمغرب والاختلالات التي تعرفها ، مشيرا إلى أن «الفكر الجنائي الجديد يتحدث عن السياسات القطاعية التي يمكن أن تكون سياسة جنائية وقائية»، مبرزا أن «عددا من القوانين لا جدوى من ورائها، وعدد من البنود والقوانين فيها تضخم» .
في هذا السياق ، أشار إلى أن «السياسة الجنائية ليست عقيدة جامدة، بل فيها مذاهب ، فهناك فكر جنائي أنواري وهناك فكر جنائي عقابي وهناك شعبوية جنائية»، مضيفا أن «الحكومة في إطار الانسجام والوضوح يجب أن يكون لديها رؤية، ومتفائل أن يتم التوافق حول هذا القانون».
ونفى وزير العدل محمد بنعبد القادر وجود أي «بلوكاج» بخصوص مشروع القانون الجنائي بسبب نقطة الإثراء غير المشروع ، معتبرا في نفس الوقت هذه النقطة «نقاشا مفتعلا».
وذكر بنعبد القادر في هذا السياق، بما سبق أن صرح به بمجلس المستشارين، خلال تعقيبه على سؤال تقدم به الفريق الاشتراكي حول «أسباب تأخر إخراج مشروع القانون الجنائي»، على أن الحكومة الحالية لم يسبق لها مناقشة الموضوع مطلقا على طاولة المجلس الحكومي، وبالتالي «لا يمكن الحديث عن أي خلاف داخل الحكومة على نقطة معينة بمشروع القانون الجنائي».
كما أبرز وزير العدل أن العرض الذي قدمه حول السياسة الجنائية بالمجلس الحكومي، «قمت به لأقول بأنني غير متفق مع المقاربة التجزيئية كل مرة يتم إدخال 3 أو 4 مواد حسب الظرفية». وزاد قائلا: «ألا نستحق بعد ستين سنة منظومة جنائية برؤية جديدة. الآن هناك تجزيئية هل أنت مع الرضائية؟ هل أنت مع الإثراء غير المشروع؟ هل أنت مع الإجهاض؟ بدون أية رؤية».
تفاصيل محاور هذا اللقاء ، كالتالي :
– هناك الآن، نقاش تشريعي وسياسي حول مشروع القانون الجنائي أو ما يسمى تقنيا مشروع التعديل الجنائي الذي تقدم به وزير العدل السابق سنة 2016، فإلى حد الآن، لم يتم التصويت عليه، ويقال بأنه يوجد في حالة بلوكاج ،رغم أنه يتضمن ابوابا فصولا مهمة منها: قضية الإثراء غير المشروع، الإجهاض، بالإضافة إلى قضايا أخرى…،
الأستاذ بنعبد القادر، نريد معرفة تصوركم بخصوص هذا الموضوع ،قبل ما ندخل في نقاش باقي محاور هذه الحلقة ؟
– هذا موضوع به أسئلة مشروعة، لتنوير الرأي العام، وفيه العديد من المساءلات تتوجه إلى المؤسسات.
شخصيا، من الناحية المؤسساتية يمكن أن أقول لكم، بأنني غير معني بالموضوع، لكن سأجيبكم لأننا لابد من تنوير الرأي العام، لكي أقول لكم بأن مشروع القانون موجود في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وبأن السيد رئيس مجلس النواب الأستاذ لحبيب المالكي، في لقاء صحافي بمناسبة اختتام الدورة التشريعية، طرح عليه نفس السؤال، حيث في جوابه ميز مابين القوانين ذات طابع تقني قطاعية، وأخرى ذات طابع مجتمعي،تتطلب نوعا من التوافق والإنضاج، وبالتالي، في تقديره نظرا لخصوصية مشروع القانون الجنائي، من الطبيعي أن يأخذ من الوقت الكافي لكي يكون قانونا ايجابيا وفعالا، وبالتالي من هذه الزاوية ليس هناك تعثر، بل هناك بحث عن توافقات، وهذا وقع حتى داخل الفرق النيابية داخل لجن العدل والتشريع… والأمور اليوم، مطروحة داخل مجلس النواب، والفرق تشتغل على إيجاد الصيغ التوافقية النهائية.
– على اعتبار بأن القانون الجنائي من أهم القوانين المجتمعية، لأنه يتضمن العديد من الأمور التي تهم الحياة اليومية للمواطن المغربي، وبصفتكم كوزير للعدل، ماهو رأيكم في هذه القوانين، هل يجب سحبها من البرلمان، أو إعادة النظر فيه ، أو يتم تعديلها من داخل البرلمان أو الفرق النيابية.إذن، ماهي الصيغة التي ترونها مناسبة للتعامل مع هذا القانون؟
– إجابتي في الموضوع، سأستحضر فيه اعتبارين أساسيين : أولهما، نحن لسنا في بداية الولاية التشريعية ولا في بداية عهدة الحكومة ، وبالتالي لو كنا في البداية، سيكون آنذاك مخطط تشريعي ترتب فيه الأولويات في إطار البرنامج الحكومي.
أما من الناحية المسطرية، فبعد أن حددت آجالات لتسلم أو إيداع تعديلات الأغلبية والمعارضة، عادة يتم دعوة الوزير المعني بالقطاع، آنذاك سأحضر الى لجنة العدل والتشريع لتوضيح موقفنا في الموضوع، وبالتالي نحن لسنا في وضعية الحسم، وهل هناك سحب ام لا، لأن الموضوع غير مطروح حاليا، كما يتردد ببعض المواقع الإلكترونية والصحف.
ومن خلال السؤال الذي طرح علينا بمجلس المستشارين، مؤخرا، عن أسباب هذا التأخر ، أقول بأن لا الحكومة الجديدة للدكتور سعد الدين العثماني، ولا الحكومة المتجددة بعد التعديل، لم تطلع على هذا القانون.
– في ظل استمرارية الحكومة يبدو أن هناك دخانا معينا، يفترض بأن هناك نار في الأسفل ،وبأن كل الدفوعات التي تقدم الآن تخفي أشياء مسكوت عنه لا يراد لها أن تقال.. لدى جل المتتبعين للموضوع يتحدثون عن السحب…
ثم هناك مسألة استمرارية المرفق العام بحيث الحكومة الحالية ورثة مشاريع وقوانين على الحكومات السابقة وانخرطت فيها، اليوم، ما يتم الدفع به، بما يتعلق بالقانون الجنائي ، نعتقد أنه يذهب في تجاه السحب أو هناك اعتراض ؟
– نحن نتحدث اليوم، في إطار المؤسسات ، وبالفعل هناك من يختلق هذه الحرائق، لكي يفتعلوا قضايا غير حقيقية في السياسة.الحكومة لم تفتح بعد أي نقاش، وإذا ما فتح أكيد ستجد حلا للموضوع.وهنا أعطي نموذجا بقانون الإطار الخاص بالتربية و التكوين ، الذي مر بالعديد من المراحل في المجلس الوزاري والحكومي.. وفي الأخير وجدت الصيغة التوافقية ،وتم اعتماده.
الآن، ومن باب احترام المؤسسات والجدية ، من المفروض على وزير العدل، أن يحضر باسم الحكومة إلى اجتماع لجنة العدل والتشريع، لمناقشة قانون من هذا الحجم، الذي هو مرتبط أساسا بالقاعدة المعيارية للضبط الاجتماعي وبالوظائف السيادية للدولة في الأمن ، وفي ترتيب العقوبات، وفي ردع الجريمة، لأنه يعد قانونا مهما بعد الدستور….
كما أوضح أنه عند وضع هذا القانون، انأ لم أكن في الحكومة، وبالتالي إننا لم نتحدث عن السحب، ومن الصعب أن نتحدث عن النوايا ، بل دعونا نقول ما نقول أمام ممثلي الأمة بالبرلمان.كما أؤكد أنه إذا ما اجتمعت مع لجنة العدل والتشريع بالبرلمان، فالمفروض أن أتحدث باسم الحكومة…
– الوزير الذي وضع هذا القانون لازال عضوا بالحكومة الحالية، وبأن الأغلبية الحكومية لازالت مستمرة . في حين نجدكم تتحدثون على أن الحكومة لم تتطلع، وسلفكم وزير العدل السابق محمد اوجار، قدم المشروع أمام البرلمان، وناقش معهم..
في حين، انتم طلبتم، بشكل غير رسمي من البرلمانيين الاطلاع على التعديلات من أجل الإجابة، لان الفرق البرلمانية طرحت 325 تعديلا، بمعنى أن هناك وجهة نظر أخرى، تقول بأن البرلمان ينتظر رد الحكومة على هذا الموضوع .. ؟
– في الحقيقة، يقال كلام كثير في الكواليس، الشيء الذي يعطي بعدا غير حقيقيا لهذا النقاش، الذي هو عادي وطبيعي.
لكن، ما أريد توضيحه، هو ان ثلاثي وزراء الحكومة الحالية، لم يسبق لهم أن ناقشوا هذا الموضوع.وبالتالي نحن أناس مسؤولون وحرصون على جودة التشريع، ولا يمكن لي مناقشة الموضوع مادام النقاش لم يفتح، وبالتالي هذا الموضوع لم يسبق له ان أثير في المجلس الحكومي.
وللتوضيح ، كذلك، فإن العرض الذي قدمناها داخل المجلس الحكومي بصفتي كوزير العدل ،حول السياسة الجنائية، كان مضمونه ، هو وضع صورة أمام أعضاء الحكومة من خلال سؤال هل الحكومة تتوفر على سياسة جنائية، وماهي السياسة الجنائية، ومن هم الفاعلون الاساسيون لها، ومن هو الذي يهيئ السياسة الجنائية، ومن يشرعها و يقيمها، وماهي مبادئها ومرجعياتها وفلسفتها، هل هي سياسة عقابية، زجرية، ادماجية، إصلاحية، وهل هي محتكمة للدستور، والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان ومحاربة الجريمة والإرهاب والاتجار في البشر وغسل الأموال…
اذن، العرض الذي قدمناه تمحور حول كل هذه العناصر، ومن هذا المنطلق أؤكد أنه لما سنتفق على التوجهات العامة للسياسة الجنائية بمقتضى الدستور والتطورات المجتمع المغربي ،آنذاك، نقول، انه طبقا لهذه السياسة، سنعدل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية..
لهذا ، أوضح مرة أخرى ، أن عرضي كان يتمحور حول السياسة الجنائية العامة.
الآن، هناك قانون تعديلي يشمل حوالي 80مادة من أصل 600 مادة، هذا نفسه يطرح سؤالا على الحكومة الحالية…
– لماذا هذه المواد، وليس مواد أخرى، من القانون الجنائي ؟
– أكيد أنكم على علم بأن هناك قانونا استغرق ثلاثين سنة ، لم يخرج إلى حيز الوجود إلى حدود الآن، في نظركم لماذا هذا التأخر، فقط لأنه قانون يستدعي أن تتحقق حوله توافقات مع الفاعلين الأساسيين .واليوم ،نسجل أن هناك مبادرة للنقاش بخصوصه…
في هذا السياق، لا أريد أن يفهم من كلامي أن نبني قراراتنا على هذا النموذج ، بل أقول أن القانون الجنائي الذي يعود إلى بداية الستينيات، والذي عايش ستة دساتير، وواكب مجموعة من التراكمات والمكتسبات التي عرفها المجتمع المغربي.وساهم في ردع الجريمة ومحاربة السلوكات التي تمس بالنظام العام، عليه أن يجيبنا على ماهو مفهوم النظام العام، اليوم..اذن، هناك العديد من الاسئلة التي يجب ان نطرحها ،وأخرى ان نعيد طرحها.
– عندما نقول بأن هذا القانون لا يعنيكم كوزير، هل يعني هذا هل ستناقشه من منطلق حساسيتكم السياسية كوزير ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي له نظرة ومرجعية معينة بخصوص الحريات الفردية، الفلسفة الجنائية للمغرب…
اذن، بأية حساسية ستعيدون النظر في القانون الجنائي؟
– نحن موجودون في هذا الحكومة بمقتضى برنامج حكومي، وأنا ما أطرحه، مع العلم أن هذه المسألة تتجاوزني كشخص، فالحكومة ومكوناتها لها الحق بأن تطلع على هذا القانون، وأن هذا الموضوع لم يسبق ان نوقش داخل الحكومة، ونظرا لحساسية هذا الموضوع، كم من مرة الفرق النيابية بمجلس النواب طالبوا بالتأجيل من أجل بلورة قناعاتهم، حيث في النهاية وصلوا إلى اداع التعديلات… في حين الحكومة الحالية لم تفتح النقاش في هذا الموضوع .
(…) وأعيد التذكير، هناك قوانين تمس جميع شرائح المجتمع والدولة في وظائفها السياسية ومثل هذه القوانين تستدعي التوافق، ولا يفرض فيها الرأي على الآخر،
وهناك من يبحث على الأسباب من أجل أن يخلق نوعا من الاصطفاف المصطنع حول هذا القانون، وهذا شيء خطير.
ولكي نبقى في إطار المؤسسات، وما اؤكد عليه أن الحكومة الحالية ستطلع على هذا القانون، وستعطي التوجيهات اللازمة التي سينفذها وزير العدل.
(…) والحكومة من حقها ان تحاط علما، ولم اقل ان هناك سحبا، واستغرب لحالة الاستنفار لتقويم وافتعال أمور غير حقيقية…، وبالتالي لا أحد تكلم عن السحب، ولا الطعن ، و كل ما قلته ان الحكومة يجب ان تحاط علما، لأنني وزير مسؤول، وبالتالي لا يمكن ان أتصرف داخل لجنة العدل والتشريع بمنطق القبول والرفض، لبعض التعديلات باسم الحكومة، وأظن أن هذه حكومة كل المغاربة، ولابد ان نكون حريصين على جودة التشريع، وعلى حسن المسؤولية، والعمل المؤسساتي الذي يطبعها.
– النقطة الأساسية في مشروع القانون الجنائي التي تحوم حوله العديد من التساؤلات، هي قضية الإثراء غير المشروع، هل بالفعل، هذه النقطة هي سبب كل هذه المشاكل التي تعترض خروج هذا المشروع… ؟
– أوضح من جديد، انه في المجلس الحكومي، لم يثر أي نقاش حول القانون أو أي مقتضى من مقتضيات هذا القانون، وبالتالي لا يمكن القول بأن هناك خلافا بخصوص نقطة معينة في المشروع..
أما فيما يخص اجتماع الأغلبية الحكومية، وهل ناقشت القانون الجنائي فيما بينها، وكيف سيتم التعامل مع الموضوع .. في هذا الصدد ، اسألكم هل لكم ما يفيد بأن هذه الأغلبية في اجتماعاتها ناقشت قضية الإثراء غير المشروع…، ما أعرفه حسب علمي ، ليس لي تأكيد بأنها ناقشته.
أما أن نحول نقاشا مؤسساتيا، ونجعله يركز على نقطة معينة مفتعلة، لكي نميز ما بين من هم مع الفساد ومن هم ضد الفساد ،اعتبر الأمر، خطيرا للغاية.
– المعاقبة بالسجن للأشخاص الذين ثبت في حقهم الإثراء غير المشروع، ماهو تصوركم لهذه النقطة، وهل يجب الحفاظ عليها بمشروع القانون الجنائي كما هي؟
– في الحكومة المعدلة التي كنت فيها على رأس وزارة إصلاح الادارة والوظيفة العمومية ، اشتغلت على مشروع قانون بتعاون مع قضاة المجلس الأعلى للحسابات.
والآن، هذا القانون شبه جاهز، والذي يتعلق بالتصريح بالممتلكات، حيث حاولنا فيه الجمع بين العديد من المقتضيات، لكي نصوغ قانونا نحدد فيه من هي الفئات المعنية به، و ماهي شكليات ايداع التصريح، والجهة المعنية بتسلم الإيداع، وماهي مآلات التصريحات…، ثم هناك قانون آخر، يتعلق بحماية الموظفين المبلغين على الفساد، وقانون آخر يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الفساد والرشوة ومحاربتها.
هذا العمل قمنا به، وأنا مسؤول عن السكرتارية الدائمة للاستراتيجية الدائمة على محاربة الفساد، بالتالي لما اشتغلنا على هذا الملف لم نسعى الى خلق بطولات.
إذن مع كل هذه القوانين الثلاثة التي اشتغلنا عليها بشكل هادئ وبتنسيق ، ماذا تغير الآن، لماذا هذا النقاش المفتعل بهذه الدرجة.
وأؤكد لكم، أن الكل منخرط في محاربة الفساد، ولا يمكن لأي أحد أن يقول اعتبارا لألف أو باء، انه بطل مغوار في محاربة الفساد..
هذا نقاش مفتعل، لن أدخل فيه ،وأنا موقفي هنا لا يهم، ولست مؤسسة شخصية، انا عضو داخل حكومة، وهذه الحكومة تسهر على تجويد القوانين، وعلى دستوريتها، وعلى انسجامها، وعلى جودة وآثار القوانين، وانذاك ستشرع ما يلزم في إطار تعزيز النزاهة في المرفق العام ومحاربة الفساد… وهذا ورش كبير مستمر… وهناك مجهودات مهمة تقوم بها النيابة العامة والمفتشية العامة، وبالتالي لا يمكن أن تقف البلاد عند هذا النقاش، الذي اعتبره نقاشا مفتعلا ، ولن يكون مفيدا.
– ماهي وجهة نظركم ،كوزير العدل ، في قضية الإثراء غير المشروع ؟
-هل تطلبون مني، كوزير ينتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي الحكومة، وتسائلونني هل أننا مع الإثراء غير المشروع…
في نظركم ، هل هذا سؤال، القانون قانون، وكل ماهو غير مشروع فهو غير مشروع.
أما فيما يخص التفاصيل، أقول لكم حينما أشرع، فهناك مقتضيات أخرى، يجب استحضارها منها الدستور، انسجام القوانين..، ومن بعد تكون المحاسبة لما يخرج القانون.. أما أن تأتي عند فاعل سياسي وتطلب منه رأيه عن الإثراء غير المشروع…. في رأيكم هل هذا سؤال يطرح؟!
– المقصود ليس الإثراء غير المشروع وحده، بل نتحدث عن الآراء التي اعطيت فيه، حيث هناك من طالب بالعقوبات السجنية..
– من خلال هذا السؤال، يظهر لي أنكم تخلطون مابين نقاش راج في إحدى المؤسسات، وتطلبون مني أن أجيبكم عنه. وأعتقد ، أن هذه المسألة ليس لها قاعدة ولا موضوع لأجيبكم عنها .
– هذا الموضوع لم يثر داخل حزبكم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية..
– حزبنا له ناطق رسمي، يصدر بلاغاته ، ولنا مواقفنا. لكن الأساسي ، أن الحكومة لم تفتح نقاشا في هذا الموضوع، ولما يفتح النقاش ستطلعون على موقف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .
وأن نأتي ، ونقوم بالمسألة، بمنطق هل أنت مع أو ضد، فأنا أعتبر هذا لا يدخل في إطار تنوير الرأي العام…
– ببضعة أشهر سابقة ، كانت هناك مطالب، تتعلق بإعادة النظر في مجموعة من القوانين الموجودة في القانون الجنائي، ولم يتطرق لها هذا التعديل، والمتعلقة بالحريات الشخصية، كحذف فصل 489 الذي يجرم العلاقة الرضائية بين الراشدين ، فماهو موقفكم ورأيكم، في هذه المطالب المتعلقة بهذه القوانين التي تعاقب وتجرم مجموعة من الأمور التي لها علاقة بالحريات الفردية ؟
– لما قلت لكم منذ البداية، أنني حريص وسأبقى في انسجام تام مع تقديم عرضي بالحكومة على السياسة الجنائية.
في هذا السياق، أذكركم بمداخلة للأستاذة عائشة لخماس، عن الفريق الاشتراكي بالبرلمان في 10 ماي 2016، التي تقول فيها أثناء مناقشة مشروع قانون على تعديل القانون الجنائي : « في كل مرة تأتينا الحكومة بواسطة احد وزرائها لإثارة قضية من القضايا لإضافتها للقانون الجنائي، لذلك نسائلكم، هل سيأتينا قانون جنائي كامل وشامل يتضمن فلسفة جديدة، غير الفلسفة التي اعتمد في إصدارها منذ مايزيد عن 40 سنة «.
فأنا كنت حريصا تجاه الحكومة، ولما قدمت هذا العرض، لم أتحدث لا على المسطرة ولا القانون.
والكل يعرف بأن القانون الجنائي في بداية الستينيات تحكمه رؤية يجب أن نوضحها، فهل هو قانون شرعي أو وضعي، وذلك لكي لا يكون هناك ترقيع أو «بريكولاج» ، وهل هو منسجم مع مبادئ الدستور، وما اقصده بمبادئ الدستور، الباب الخاص في الدستور الحالي المتعلق بحماية الحقوق والحريات..
اذن ، لما قدمت هذا العرض، جاء من أجل التوضيح بأنني غير متفق مع المقاربة التجزيئية ،لأنه في كل مرة ندخل ثلاث أو أربع مواد حسب الظرفية.
اليوم، أتسأل معكم ، هل أصبح مقبولا انه بعد 60 سنة، ألا نستحق منظومة جنائية متكاملة برؤية جديدة.
الآن نلاحظ هناك تجزيئية، بحيث نقول هل أنت مع الرضائية، مع الإثراء غير المشروع، الإجهاض…أي دون أن تكون لنا رؤية واضحة ، والحال أن السياسة الجنائية ليست عقيدة جامدة، بل فيها مذاهب، فهناك الفكر الجنائي الأنواري، ثم هناك الفكر الجنائي العقابي، وهناك الشعبوية الجنائية، وبالنسبة لي، على الحكومة، في اطار الانسجام و الوضوح يجب أن تكون لها رؤية، وآنذاك يمكن ان أسأل على كل هذه المواضيع…
– ولكن إذا نظرنا إلى التنافر الذي تعيشه الأغلبية الحكومية، فلن نتمكن من التساؤل حول هذه المواضيع..
– لا بالعكس، الدستور يوحدنا، وليس هناك تنافر داخل الأغلبية ، الدستور يقر بالحريات والحقوق، ويقر بقرينة البراءة، ويتحدث على عديد من المقتضيات التي يجب ان يتضمنها القانون الجنائي، بما فيها البعد الدولي في السياسة الجنائية.
(…) لابد من التوافق، والمغاربة بعبقريتهم يسعون إلى التوافق، وأظن لنا دستور توافقنا عليه وصادقنا عليه بالإجماع ، كذلك ، قانون التربية الذي كان خطوة حاسمة في تطوير منظومة التربية والتكوين صودق عليه بالتوافق.. أنا متفائل، لأن هذا الموضوع سنتوافق حوله ، وسيخرج للوجود.
– لماذا دائما نبحث عن التوافق والأغلبية ، في الوقت الذي كان من المفروض أن نخوض تمرين الديمقراطية للحسم في العديد من القضايا ؟
– لأن عملية التشريع بالمغرب ، لا تعني فقط ان تشرع للقوانين لتضعها في الرفوف، بل يجب أن يطبق، وأن تكون له فعالية وجدوى وجودة.. اما الإسراع باخراج القوانين لكي نرضي اعتبارات ظرفية ،فهذا غير مقبول، لأنه إذا أردنا إخراج القوانين، يجب ان تكون مفيدة وتحقق النجاعة ومنسجمة، وتخلق نقلة نوعية في تطور المجتمع…
ونحن الآن، نصدر أحكاما مسبقة، وكما قلت ، الحكومة لم تفتح هذا الموضوع، وبالتالي لا أعرف لماذا تلحون أن تكون هناك سرعة في إخراج هذا المشروع..
- إذن، نحن نتحدث على أربع سنوات ..
– أظن، لا يمكن أن تسألونني عنها، لأنني لم أكن في المسؤولية، بل السؤال من الأفضل أن يطرح على وزراء العدل السابقين.. لكن يمكن ان تسألونني على مدة ثلاثة اشتر التي قضيتها في المسؤولية.
– كوزير للعدل ، هل بدأت تظهر وتتكون لديكم ملامح السياسة الجنائية الجديدة ؟
– من خلال العرض الذي قدمته حول السياسة الجنائية بالمجلس الحكومي، حاولت أن اظهر فيه ، أن هناك العديد من الاختلالات في السياسة الجنائية الحالية.
وانه هناك تضخما تشريعيا في النصوص الزجرية، وهي موجودة في العديد من القوانين التي ليس مجالها هو الجنائي.
وهذا التضخم في الحلول الزجرية، يرتبط أساسا بمقاربة عند حدوث أي مشكل نخرج له نص قانوني زجري، في الوقت نفسه هناك مقاربات كثيرة، بحيث الفكر الجنائي الجديد يتحدث على السياسات القطاعية، التي يمكن ان تكون سياسة جنائية وقائية، بحيث اذا كانت لدينا سياسة الشغل هادفة ومهيكلة،هي في حد ذاتها سياسة جنائية، ثم هناك نموذج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي جاءت من أجل محاربة الهشاشة ، في نظركم ،أليست على المدى الاستراتيجي سياسة وقائية… ، في حين هناك بعض المجتمعات أخذت منحى الفلسفة العقابية الزجرية، يعني اي مشكل اجتماعي ذو طبيعة اقتصادية أو اجتماعية يتعلق بالإقصاء والتهميش، أو بعدم المناصفة على الصعيد التراب الوطني يخلقون له نصا زجريا..
إذن ، كل هذه التفاصيل موجودة في النص الجنائي بالمغرب، ثم كذلك هناك العديد من القوانين لاجدوى من ورائها، أي هناك عدد من القوانين والبنود بها تضخم لهذا نؤكد على ضرورة بناء فلسفة جديدة، التي تحتكم للدستور أولا، ولا تتحدث على سياسة جنائية التي تحتاط من الحقوق والحريات لحماية نظام عام مفترض، بمعنى أن هذا النظام العام الاجتماعي، القيمي، اقتصادي..،يجب أن لا يكون افتراضيا.
ومن منطلق المادة الأولى في الدستور التي تقول « تستند الأمة في حياتها العامة على أربعة ثوابت اساسية، وهي: الملكية الدستورية، الدين الاسلامي السمح، الوحدة الوطنية المتعددة الروافد، والاختيار الديمقراطي الذي اصبح من الثوابت»، أعتقد أنه من يتحدث معي اليوم، بأن النظام العام يجب حمايته باسم السياسة الجنائية بما فيها الحريات والاختيار الديمقراطي، فهذا له تفسير واحد وهو أننا أمام فكر دستوري ضعيف، حيث نضع دستورا ونقوم بتشريعه بمرجعيات أخرى.
الآن، السياسة الجنائية التي سألتموني عنها، هل اتضحت لي عوالمها، اقول لكم نعم ، لكن يجب أن ترتكز على دستور المملكة المغربية.
– وعلى ماذا كانت ترتكز السياسة الجنائية السابقة؟
– على القانون الجنائي التي لم يكن يحترم الدستور، لأن القانون الجنائي لا يتضمن المقتضيات الدستورية، التي يجب مراجعتها، ولما نفتح هذا الورش ستتابعون أطواره.
– هناك تصدعات داخل الأغلبية الحكومية لأنها لم تستطع ان تبني مواقف محددة في البرلمان وان تشتغل بتجانس..
– داخل الأغلبية ليس هناك تصدع ، بل اجتمعت وتناقشت حول المنهجية ، بالتفاعل مع مشروع قانون مطروح على البرلمان، وقررت عقد اجتماع موالي مع وزير العدل.
– ألم تستطع الحكومة أن ترتب صفوفها وتخرج بمواقف محددة..
– أعتقد بأن هذه الأمور طبيعية، ومخضات التشريع هذه هي طبيعتها.. فالحكومة تجتمع كل أسبوع، وتخرج القوانين والمراسيم، وبالتالي ليس هناك تصدعا في صفوفها .
تعليقات الزوار ( 0 )