فاطنة سرحان
27 دجنبر 2013
الضجة المفتعلة :
الضجة المفتعلة التي يريد البعض إثارتها حول بعض مضامين كلمة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي خلال افتتاح المؤتمر السابع للنساء الاتحاديات،ليست إلا الشجرة التي يراد بها إخفاء الغابة. ذلك أن هذه الضجة التيتركز على المطلب المتعلق بفتح نقاش حول الإرث يقصد بها التعتيم على المطالب الأخرى. غابة من المطالب والمؤاخذات على نهج سياسي وقانوني يحتقر النساء المغربيات ويهضم حقوقهن ولا يهتم بمطالبهن العادلة. أين تكمن الخطورة على الدين الإسلامي وعلى عقيدة المسلمين في مطلب يهدف إلى إنصاف المرأة في الإرث في ظل دولة الحق والقانون ينص قانونها الأسمى على المساواة بين المرأة والرجل ؟ فالنساء الاتحاديات طالبن كذلك ب :
– إلغاء القوانين التي تميز بين النساء والرجال
– إقرار عدالة جنائية من أجل النساء
– إخراج قانون إطار مناهض لعنف النوع
– التنصيص على الحق في الإجهاض
– ضرورة منع تعددالزوجات و تجريم تزويج القاصرات.
– تطوير الإطار القانوني المرتبط بالصحة الإنجابية بضمان المجانية والولوجية
– مراجعة نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يضمنلذوي حقوق المرأة العاملةالتمتع بمعاشها بعد وفاتها
– اعتماد سياسات تشغيل موجهة للنساء لمحاربة تأنيث البطالة
– محاربة تشغيل الطفلات القاصرات في البيوت
– تجريم المفاضلة في الأجور بين العاملات والعمال في القطاع الخاص
– اعتماد آليات متخصصة في تفتيش الشغل
– الاعتراف بالعمل المنزلي كعمل منتج يدخل ضمن الناتج الخام لاحتساب المالية العمومية،
إلى غير ذلك من المطالب التي لا يمكن إنكار مشروعيتها…
ما يتناساه البعض :
إن الذين يريدون تهييج العواطف النبيلة للمغاربة باللعب على الوثر الحساس لمشاعرهم الدينية يغالطونهم…
يغالطونهم لأن الإرث ليس المجال الوحيد الذي جاءت فيه نصوص قطعية.
فالقانون الجنائي المغربي ومنذ 1962 تاريخ صدوره الغى الحدود وأحل محلها قانونا وضعيا يتماشى والتقدم الحاصل في المجتمع الإنساني :
– فأقر السجن وألغى بتر اليد بالنسبة للسارق « والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم( المائدة 38). وحسنا فعل المشرع، وإلا نظرا لعدد حالات السرقة التي تعرض أمام المحاكم لوجدنا أنفسنا بين أعداد لا تحصى من المعطوبين.
– وضع عقوبة سجنية للزاني وألغى الجلد «والزاني والزانيةفاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة» (سورة النساء) وحفاظا على الأسرة جعل من الخيانة الزوجية شأنا خاصا وترك عقابها بيد الزوج المتضرر، الذي له الحق في رفع الدعوى والتنازل عنها وحتى إيقاف العقوبة بعد صدور الحكم.
– وألغى حد القذف «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً?» (سورة النور: آية 4)
وقانون الأسرة الذي استغلمغالطو المغاربة المطالبة بتعديله لتهييجهم وحشدهم ضد المطالبات والمطالبين بملاءمته مع تطور المجتمع ،كما هيجوهم ضدالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية, ونعتوا المساندين لها بالمارقين وذهب ببعضهم العمى إلى الطعن في عقيدة الوزير السعدي الذي عرضها للنقاش على المغاربة. قانون الآسرة ألغى أحكاما كان البعض يوهم المغاربة بأنها من الثوابت وأن المس بها هو مس بعقيدتكم الإسلامية، كالحرية المطلقة للزوج في التعدد وولاية الزواج على المرأة الرشيدة وواجب طاعة الزوجة لزوجها وحرمان المرأة من حقها في الأموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية ورفع سن الزواج بالنسبة للفتاة.
هل في المطلب خطورة على الدين والعقيدة ؟
من هنا يكون من حقنا مساءلة المغالطين عن خطورة المطالبة بفتح نقاش حول الإرث على الدين والعقيدة بالمقارنة مع ما سبق من الأحكام القرآنية التي لا يأخذ بها القانون المغربي ؟ أليستالحدود هي الأحكام التي» يجب الوقوف عندما قدر فيها بلا زيادة ولا نقصان». نحن في الاتحاد الاشتراكي وككل القوى التقدمية والحداثية لسنا مع تطبيق الحدود…
لكن من حقنا مساءلة هؤلاء المغالطين للمغاربة بادعائهم الغيرة على الإسلام وعلى الدين الاسلامي ،المتشبثين بالنصوص، عن حالة الشرود التي جعلتهم :
– من جهة، يقبلون بالتنازل عن الحدود التي تعتبر من حقوق الله ويثورون عند مناقشة الإرث الذي عرفته اللجنة الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية والتي كان العلماء أغلبية فيها بأنه « انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة.» (المادة 323)، و الشرع المشار إليه في هذه المادة ليس الشريعة بل القانون كما هو متضمن في مدونة الأسرة، والتي بعد التصويت عليها من طرف البرلمان أصبحت قانونا وضعيا قابلة للتعديل والنقاش كسائر القوانين الأخرى. وهذا هو مطلبنا.
– من جهة أخرى،يصوتون بالإجماع على مدونة الأسرة التي حققت للمرأة المغربية مكاسب فاقت مطالب جمعيات المجتمع المدني ومنحت للمرأة حقوقا اكثر مما كانت تنص عليه الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. أكثر من ذلك أن المعارضين لتعديل مدونة الأحوال الشخصية والذين حشدوا المليون متظاهر ضد المطالبة بالتعديل، أصبحوا اليوم ينسبون لهم ما حققته المرأة المغربية من مكاسب.
مقارنة مع ما سبق ماذا تمثل المساواة في الإرث في حياة المسلم وأين تكمن خطورتها على عقيدته ؟ فالتركة كما عرفتها مدونة الأسرة ليست سوى «مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية». فالهالك قد لا يترك أي شيء قابل للقسمة. و ما هو موقف المعارضين من المسلم الذي يلجأ لتقسيم أمواله في حياته بالتساوي بين أبنائه وبناته حتى لا تظلم بناته بعد مماته ؟ هل يجوز من الناحية الدينية الطعن في عقيدته ؟
دواعي وأسباب مشروعية المطلب
إنمطلب الاتحاديات في مؤتمرهن السابع بمساندة الكاتب الأول بفتح النقاش حول الإرث هو مطلب مشروع أصبحت تمليه أوضاع الأسرة المغربية سواء ككيان أو كأفراد.
ككيان، تتعرض الأسر المغربية للتشرد لمجرد أن الهالك (أما أو أبا) لم يترك من الورثة إلا البناتواللواتي ليس من حقهن إلا الثلث مهما كان عددهن، فيأتي عاصب من طرف الهالك ويطالبهن بنصيب لا مشروعية له فيه إلا القرابة بالدم، وقد يكون ترتيبه في أقصى درجات القرابةولم تكن تجمعه بالهالك ولا بالعائلة أية صلة لا مادية ولا معنوية. في جل الحالات يجبر العصبة عائلة الهالك على بيع سكنها أو اقتسام محتويات البيت رغم بساطتها دون مراعات لظروفها الاجتماعية.
كأفراد، هل التمييز بين المرأة والرجل في الإرثلازال له ما يبرره في ظل مجتمع أصبحت أكثر من 20 في المئة من أسره تعيلها نساء كزوجات أو كبنات وأكثرها بوجود رجل في البيت ؟ أين نحن من مسؤولية الرجل المالية التي يمكن أن نبرر بها هذا الفارق في النصيب ؟
لا أحد يمكنه أن ينكر مساهمة المرأة بجانب الرجل في الإنفاق على الأسرة، وعندما يعجز الزوج بسبب المرض أو البطالة تخرج المرأة للعمل وتصبح المعيل الوحيد للأسرة. إذن مسؤوليتها المالية في هذه الحالات تضاهي مسؤولية أخيها الرجل، فلماذا التشبث بالفارق؟
لا أحد يمكنه أن ينكر بأن الفتاة المغربية قبل الزواج تساهم في تنمية أموال الأسرة خصوصا في الأسر ذات الدخل المحدود، تساعد الوالد على تشييد بيت أو اقتناء شقة تأوي العائلة، تنفق على أخيها العاطل وليس العكس. فهل من العدل عند وفاة الوالد أن نتشب بالفارق؟
إننا في الاتحاد الاشتراكي لما طالبنا بفتح النقاش حول الإرث لم يكن في نيتنا فتح نقاش ديني أو فقهي حول ما هو ثابت وما هو متحول في القرآن الكريم، فالمجال له أصحابه ومختصيه من العلماء الأجلاء.نحن نطالب بفتح نقاش هادئ ورزين حول مقتضيات مدونة الأسرة التي لم تعد تساير التغيرات التي طرأت على المجتمع المغربي. ذلك أن المشرع لما قنن أحكام الأسرة في المدونة لم يستثني منها الإرث الذي أصبح بذلك جزءا لا يتجزأ من هذه المنظومة القانونية التي يجب أن لا تتعارض في أحكامها مع دستور 2011، الذي نص على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.
لا لتحويل اهتمام الرأي العام عن مشاكل المغاربة اليومية
إننا لا نقبل في الاتحاد الاشتراكي أن ينتهز البعض هذه الفرصة لتحويل اهتمام الرأي العام عن المشاكل التي يتخبط فيها المغاربةيوميا مع حكومة أصبح همها الأول هو التملص من التزاماتها. لا نحتاج لدروس ممن تحججوا بانعدام الكفاءات النسائية لذا تنصيب الحكومة الأولى بوزيرة واحدة والذينعينوا في الحكومة الثانية خمسة نساء, خمسة نساء استطعن بقدرة قادر في أقل من سنة اكتساب الكفاءة والمؤهلات العلمية لتبوء مسؤوليات وزارية… والأمثلة كثيرة
مطلبنا كنساء في الاتحاد الاشتراكي مطلب مبدئي : إقرار المساواة بين النساء والرجال في بلد نحبه، نعتز كنساء بالانتماء إليه ولا نريد عنه بديلا…
تعليقات الزوار ( 0 )