بديعة الراضي 

لم يكن حصاد في موقع يحسد عليه وهو يحاول أن يكون منسجما مع خطاب حكومة بنكيران في وجود تبريرات لغيابها أمام فاجعة كلميم في مسلسل صور الجهات المنكوبة أمام الفيضانات التي عرفتها بلادنا.

بدا وزيرنا في الداخلية متلعثما، وغير مقتنع بكلامه وهو يحاول أن يمارس لغة رئيس الحكومة المنطلقة من «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وهو الكلام المنطلق من الورق الذي وصله بعدما تم اقتطاعه من دفتر والي كلميم. وهو الوالي المحصن الجالس فوق برجه العاجي، المحاط بكل وسائل الدفء بالنكهة الصحراوية بامتياز، وبنخوة التحرك على مهل كي لا يكسر البيض الذي افترش رؤوس نعامه. لم يبرح الوالي العظمي داره ،واكتفى بعدم الإجابة على هواتفه، مع الرد فقط على وزيره في الداخلية محمد حصاد، ناقلا للرجل معطيات مغلوطة، جعلت هذا الأخير في موقف «الأعمى في الزفة» وكأن الأمر يتعلق بخطأ قام به سائق حافلة أو تاكسي، كان ينبغي تأديبه ولكن القدرات الإلهية نابت عن حكومتنا الموقرة ، فنال السائق جزاءه غرقا في المياه التي أرادها الله أن تعلن قيام الساعة، ولا دخل للإنسان الموجود على الأرض للوقوف دون الحد من كوارثها على الأقل.

هو الموقف الذي جعل رئيس الفريق الاشتراكي إدريس لشكر يصف خطاب الوزير بالخطاب النابع من دولة في المريخ، تجهل عمق ما حدث في بوابة الصحراء كلميم والمناطق المجاورة لتغجيجت. وهو الموقف الذي انعكس على وجه حصاد -كما سجلت ذلك كاميرا دار البريهي- وهو يدير حجم المعلومات الخاطئة في رأسه التي مدت إليه من طرف الوالي العظمي المحصن داخل أسوار بيته من يوم النكبة الى حدود يوم الثلاثاء، وهو اليوم الذي غادر فيه فراشه المريح جدا ليمتطي المقعد الخلفي لسيارته الرباعية الدفع منبها سائقه إلى المرور فقط من الطرق المبتعدة عن الخطر، خوفا على حياته من انزلاق في التربة المبللة التي غادرها الماء بعدما حصد عشرات الضحايا من أبناء الشعب الأبرياء. وهو الفراش الذي اتكأ فيه على الجانب الأيمن- قبل خروجه الطارئ بعد سماع ما خلفته أكاذيبه، التي تسربت الى لسان الوزير من تقاريره المزيفة ، من احتجاج على لسان المعارضة في الجلسة الشفوية بالغرفة الأولى-وهو يدير هاتفه النقال ذو الرنة الموسيقية الهادئة البعيدة عن أنين أسر الضحايا التي لم تستطع تحمل الفاجعة وهولها، لينقل حديثه إلى إحدى اليوميات المغربية معبرا لها عن حجم تفكيره في كرسي الولاية الذي أفرغه من موقعه التدبيري والتنسيقي مع كافة الشركاء في الإقليم والجهة، محولا إياه إلى كرسي للتباري الحزبي وكان الرجل يرأس حزبا محليا يخرق القانون في حملة انتخابية قبل أوانها، مهمتها الانتصار لقبيلة دون أخرى من أجل كسب الأصوات وتبوء مقعد يجمع فيه بين صفة الوالي والبرلماني ورئيس الجهة والإقليم، ورئيس دولة وهمية في مشهد هجين، يذكرني شخصيا بمقال كتبته عن عبد العزيز المراكشي، والذي عنونته ب»دولة من خيمة ومعزة»، وهي الصفة التي لا أستبعد أن الوالي العظمي مازال متأثرا بها، في حنين ملموس إلى سياسة الخيمة والمعزة التي كرسها تجار الانفصال في مشهد تغيب فيه دولة المؤسسات وتحضر فيه دولة الأشخاص المسيرة بالمزاجية والتحكم في الرقاب والعباد ، وتقطع فيها الرؤوس التي أينعت ويحاصر فيها الإنسان دون إرادته، وتغيب فيها وسائل الاتصال ليستطيع الحاكم نقل كل مغالطاته لمن يهمهم الأمر، وهي المغالطات التي تذكرني بأساليب المتاجرين بمعاناة شعبنا في تيندوف في السوق الدولية باسم حقوق الانسان، في الوقت الذي تنتهك فيه الحقوق في مشاهد تسربت بعضها من هواتف ضمائر أيقظها حجم الانتهاك وبشاعته.

نسى الوالي العظمي أنه يحلم وأن الحقيقة المرة أكبر من أوراقه ومن جمله المسائية بامتياز، وأن وزيره في الداخلية سيكون مضطرا الى الاستماع إلى نواب المنطقة في الغرفتين، وأن كلمات النائب محمد بلفقيه عن الفريق الاشتراكي لم تكن نابعة من أوراق مسطرة لدعاية سياسوية -كما اتهمنا العظمي بذلك في جريدته المسائية- بل هي كلمات مزجت بدموع الرجل وهو ينقل للنواب والحكومة ما عاشه بالفعل وهو يرى الضحايا «يسلمون الروح لمولاهم» وهم يستنجدون في غياب تام للسلطات المحلية، تلك التي لم تجد منسقها الذي ظل خارج التغطية لاعتقاده أن الهواتف المتكررة والرسائل المستعجلة التي وصلته تباعا من برلماني الفريق الاشتراكي في الغرفتين هي مجرد حملة انتخابية ستعود نفعا على أعدائه في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

غاب عن ذهن الوالي العظمي أن الاتحاد مدرسة، وأن السياسة أخلاق وأن الوطن أكبر منا جميعا، وأن موقفه السلبي تجاه من حلف اليمين على حمايتهم في المنطقة لن يقف عند حدود غروره، وأن دستور المسؤولية والمحاسبة سيجعلنا الى جانب باقي القوى الحية الحزبية والمدنية والإعلامية نطالب اليوم بلجن لتقصي الحقائق والوقوف عند حيثيات ما وقع ليلة الفاجعة المتبوعة بالإهمال، وعدم اتخاذ التدابير اللازمة للحد منها والبحث في المانع الذي غيب التعاطى مع الفاجعة بروح المسؤولية، كما البحث في دوافع الاستهتار بحقوق وسلامة المواطنين، خصوصا وأن فرق الإغاثة لم تصل الى عين المكان في الوقت المناسب كما أنها لا تتوفر على المعدات الضرورية.

ولن نقف عند هذا الحد، بل سنطالب بفتح تحقيق نزيه وشفاف حول البنيات التحتية في منطقتي بويزكارن وكلميم التي عرفت غشا واضحا في بنائها، وعدم احترام الجودة وضوابط السلامة في تشييدها التي بينتها الفاجعة، وكشفت عن الاستنزاف الواضح للمال العام في مشاريع مغشوشة من طرق وقناطر وقنوات صرف المياه والسدود التي تعتبر كابوسا حقيقيا للساكنة المحيطة بها. كما سنحقق في خطورة المنزلقات التي ترتكبها الأيادي الممتطية للنعرات الذاتية المؤججة للخلاف في صفوف النخب السياسية والمدنية والقبلية، مع الاستعمال المفضوح لمعاناة المواطنين وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، وعدم التوجه إلى ما هو أهم من أجل رؤى استباقية من موقع المسؤولية لكافة الكوارث التي تترصد بلادنا بيد الطبيعة أو البشر.

لهذا نقول لمحمد حصاد: نقدر ارتباكك، لكن ننبهك مرة أخرى الى أن المظلوم يبلغك رسالة من تحت الماء الذي جرفه قهرا في غياب منسق السلطة المحلية في كلميم الذي أبلغك بهتانا، فشيء من الحذر- يا وزيرنا في الداخلية – من أوراق في دفتر من تطاول كذبا على أرواح البشر والشجر والحجر، واكتفى بالدفاع عن ريعه الإداري السلطوي ليكتبه بالبنط العريض وبصورته الخاصة في جريدته المسائية ضد كل من رفع في وجهه كلمة “لا” من أجل وحدة الوطن ضد الانفصال في مشروعنا الديمقراطي الحداثي المتوج بدستور الجهوية الموسعة، والعمل التنموي الهادف إلى النهوض بمنطقة بكاملها نتوجه بها للمستقبل في إطار سيادة المغرب على كافة أراضيه. اللهم اشهد فقد بلغت.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

أوجار بين الحكامة و السندان

الملك يريد عملية إحصائية للسكان بمناهج خلاقة

الحكومة المغربية تهرب التشريع المالي

المستقبل يبدأ من … الآن من أجل نَفَس ديموقراطي جديد