يونس مجاهد
هناك لازمة تتكرر باستمرار، بمناسبة وبدون مناسبة، تتعلق بموت وشيك ل»لأحزاب» المغربية، أو بغيابها، شبه الكامل في الحياة الوطنية، وقد عادت هذه اللازمة، بقوة، في الكتابات والتعاليق، حول ما يحصل في منطقة الحسيمة، حيث اعتبرت عدد من هذه التحاليل، أن تصدر بعض الأشخاص، الذين لا انتماء حزبي لهم، لهذه الاحتجاجات، دليل على صحة هذه اللازمة.
ينبغي الإشارة إلى أن الذين يرددون هذا الكلام، يخلطون بين الأحزاب، دون تمييز، منهم من يقوم بذلك عن حسن نية، ومنهم من يستوحي هذا الخلط، من التاريخ الأسود الذي عاشه المغرب، في سنوات الرصاص، حيث كانت الجهات المكلفة بالقمع، تشن حملات التسفيه والتبخيس على «الحزبية» و»التحزب»، وكان المستهدف آنذاك، هي أحزاب الصف الوطني الديمقراطي.
فالأحزاب مختلفة في مسارها النضالي وفي مرجعيتها الفكرية وخطها السياسي، و في المواقف التي تتخذها، و منها أيضا المواقف والمبادرات حول ما يحصل في الحسيمة.
غير أن الأهم من كل هذا، أمران اثنان؛ أولهما، أن الأحزاب لا يمكنها أن تقوم مقام الحكومة والسلطات، لأنها لا تملك صلاحيات التفاوض والالتزام بقرارات اقتصادية ومالية، فهذا عمل الحكومة، وموقع الأحزاب هنا يٓمُرّ عبر المؤسسات، إما من داخل الأغلبية الحكومية، أو من البرلمان، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى، المنتخبة.
ثانيهما، أن بروز أشخاص ليتصدروا حركات احتجاجية، ظاهرة ليست جديدة، بل حصلت في العديد من بلدان العالم، خير مثال لها، أحداث ماي 68 في فرنسا، التي غيرت وجه العالم، حيث سطع نجم كوهن بنديت، الألماني الجنسية، الذي لم يحصل على الجنسية الفرنسية، إلا سنة 2015 .
لم تمت الأحزاب في فرنسا بسبب هذه الأحداث، كما لم تمت في المغرب، بعد كل الانتفاضات والاحتجاجات التي شهدها منذ منتصف الستينيات، ونفس الصيرورة عرفها ميدان التحرير بمصر، وثورة تونس، وغيرها… ما يحصل هو أن أشخاصا يبرزون، من داخل المحتجين، كظاهرة مألوفة، في مثل هذه الحركات، لكن دورهم يتراجع بعد ذلك، لتظل المؤسسات قائمة، من أحزاب ونقابات وجمعيات…
لذلك، من الأفضل تجنب الأحكام المتسرعة والتي أصبحت تتردّدُ كمقدمةٍ طٓلَلِيّةٍ، لأي تحليل حول الظواهر السياسية والاحتجاجية، في المغرب. والمقدمة الطللية، في الشعر العربي القديم، كانت ضرورية، كيفما كان موضوع القصيدة، وكان أول من وجه النقد للبكاء على الأطلال، هو أبو نواس، في القصيدة التي مطلعها:
عاج الشقي على رسم يسائله – وعُجتُ أسأل عن خمارة البلد.
تعليقات الزوار ( 0 )