يتوجه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذه الانتخابات، إلى عموم المواطنين ببرنامج انتخابي له ميزتان أساسيتان، تتمثل الأولى في كونه منتوجا سياسيا واقعيا، ذلك أنه مجموعة من الالتزامات والتدابير الواقعية، والتي جاءت كإجابات موضوعية لكل الأسئلة المطروحة على المغرب اليوم، بينما تتجسد الثانية في كون التزامات الاتحاد الاشتراكي، ليست مجرد شعارات ووعود انتخابية، بل هي تدابير قابلة للتنزيل وللتفعيل وللتطبيق.
إن قناعة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والمتمثلة في تقديم عرض سياسي موضوعي وواقعي، تفرضها أدبياته السياسية، وأطروحته السياسية، ومساره النضالي الطويل، الذي عكس دائما وفي كل محطاته، التزام الاتحاد الاشتراكي بجعل الدفاع عن مصالح الوطن وقضايا الوطن، وانطلاقا من تحليل ملموس للواقع الملموس، النقطة الأولى على أجندته السياسية، وهو ما يعكسه الشعار المركزي لبرنامجه الانتخابي اليوم، ” المغرب أولا “، كما تمليه الوضعية الاستثنائية الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، والتي تسببت فيها وبشكل مباشر جائحة كورونا، والتي أرخت بظلالها القاتمة على الوضعية الاقتصادية بالمغرب، ومنها على الحالة الاجتماعية للمغاربة، وهي الوضعية التي فرضت على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وانطلاقا من هويته السياسية، ومن كل الزخم النضالي والفكري الذي راكمه منذ نشأته، أن يبذل مجهودا سياسيا ومجتمعيا لاقتراح تدابير واقعية من أجل العمل على التخفيف من آثار هذه الأزمة، وهو ما تجسد في برنامجه الانتخابي.
إن ما يميز البرنامج الانتخابي للاتحاد الاشتراكي، عن باقي البرامج الانتخابية التي طرحتها باقي الأحزاب السياسية، ليس فقط كونه رزمة من التدابير الواقعية والقابلة للتطبيق داخل أجندة زمنية محددة، تجاوزت منطق الوعود الانتخابية، والشعارات الفضاضة المروجة لأرقام ولالتزامات يعرف ذوي الاختصاص والمهتمين أنها مجرد دعاية انتخابية لعروض سياسية يستحيل تنزيلها على أرض الواقع، بل ما يميزه أيضا، هو كونه منتوجا لمجهود اتحادي خالص، عكف الاتحاديات والاتحاديون على صياغته طيلة شهور، وانطلاقا من مقاربة تشاركية، حيث ساهم في النقاشات والندوات التي نظمتها اللجنة الوطنية لصياغة البرنامج الانتخابي، مجموعة من الباحثين والدارسين والمهتمين، من سوسيولوجيين واقتصاديين ورجال قانون ومختصين في مجالات متعددة، وهذا ما جعله برنامجا مؤطرا بقيم ومبادئ الاتحاد الاشتراكي، ومنطلقا من تحليلات علمية للواقع، ومتضمنا لالتزامات وتدابير واقعية.
فبخلاف الأحزاب السياسية الأخرى التي التزمت بتجاوز حالة الانكماش التي يعيشها الاقتصاد الوطني بتحقيق نسب نمو مرتفعة، خلال السنة الأولى من الولاية الحكومية القادمة، وهو ما أكدت وتؤكد على استحالته كل المؤسسات المختصة الدولية والوطنية، وانطلاقا من مسؤولياته أمام المغرب والمغاربة، جاءت مقترحات الاتحاد الاشتراكي لإنعاش الاقتصاد المغربي محددة إجمالا في هدفين اثنين بأفقين اثنين، يتمثل الأول في أفق مداه متوسط، وغايته ضمان العودة إلى نسبة النمو التي كان يحققها المغرب قبل الجائحة، بالإضافة إلى العمل على الحفاظ على مناصب الشغل المتوفرة حاليا، وإحداث رجة مقاولاتية مضمونها خلق 30 ألف مقاولة صغرى ومتوسطة تضمن إحداث مناصب شغل جديدة، ويتمثل الثاني في أفق 2026، بهدف واضح وهو تحقيق نسبة نمو تراوح %6 ، وبطبيعة الحال بعد تحقيق إقلاع اقتصادي طيلة السنوات التي تسبق هذه السنة، وذلك بالالتزام بمجموعة من التدابير التي تهدف إلى تسهيل تزايد التنافسية على الأمد القصير باعتماد عدد من الإجراءات الهادفة إلى تقليص كلفة الإنتاج فيالقطاعات الكثيفة من حيث اليد العاملة وتعزيز المبادرة الخاصة في قطاعات الإنتاج التي ستسمح للدولة بتسريع تحديثها الاقتصادي والمنافسة في الأسواق الدولية للسلع والخدمات ذات الكثافة التكنولوجية العالية والعمالة الماهرة، ثم إعادة النظر فيالدور الذي يجب أن تلعبه الدولة لتسهيل هذا الانتقال خاصة في مايخص التحفيزات المعطاة للخواص لدفعهم إلى الاستثمار على شكل خدمات عمومية تسمح بزيادة إنتاجية عوامل الإنتاج الخصوصية داخل القطاعات الحيوية الاستراتيجية، وضمان التنمية الاجتماعية لمجموع المغاربة، خاصة الفئات الأكثر هشاشة عن طريق إقامة شبكات اجتماعية لهذا الغرض، هذا وبالإضافة إلى تدابير عديدة أخرى.
ومن أجل ضمان حق جميع المغاربة في خدمة صحية عمومية ذات جودة عالية، خصوصا مع ما فرضته أزمة كورونا من ضرورة إقامة منظومة صحية قوية، فإن الاتحاد الاشتراكي ومن أجل تأهيل منظومة الصحة بالمغرب، التزم بمجموعة من التدابير أهمها اعتماد رقم تعريفي وملف صحي رقمي موحد لكل مغربي، بهدف تسهيل تثبيت حق جميع المواطنين في الصحة وفي الاستفادة من وسائل الوقاية والتطبيب والعلاج، وكذلك الرفع من أعداد الأطباء والمهنيين المتخرجين، من أجل تجاوز العجز الحاصل في الموارد البشرية في القطاع، وذلك باعتماد مخطط استعجالي يستند إلى توظيف كل الخريجين من الكليات والمعاهد.
وفي ما يتعلق بالتزامات الاتحاد الاشتراكي بخصوص تأهيل المدرسة المغربية، وجعلها مدرسة لتكافؤ الفرص، مدرسة منفتحة على العالم ومحققة للارتقاء الاجتماعي، فقد تضمن البرنامج الانتخابي للحزب رزمة من التدابير، والتي لا تحتاج لتطبيقها إلا شرط توافر إرادة سياسية حقيقية، وذلك من أجل ضمان الإدماج المدرسي الكامل، بغاية تحقيق معطى صفر طفل في الشارع في أفق 2026، وهو ما يستوجب العمل الجاد من أجل القطع مع ظواهر الهدر المدرسي والانقطاع والتكرار في الوسط المدرسي، كما يراهن الاتحاد الاشتراكي في هذا السياق على تدبير أساسي، متمثل في عصرنة التعليم الأولي وربطه بالتعليم الابتدائي لتكريس الاستمرارية التربوية.
وقد تضمن البرنامج الانتخابي للاتحاد الاشتراكي أيضا، في ما يتعلق بالنهوض بأوضاع المجال الثقافي، مجموعة من المقترحات، عكست تملكه لتصور واضح للمجال عكس جميع الأحزاب السياسية، يتمثل في تنزيل مخطط المغرب الثقافي، محكوم بنفس الفلسفة التي حكمت المخططات التي سبق وانخرط فيها المغرب في مجالات أخرى، كمخطط المغرب الأخضر أو المغرب الأزرق مثلا، وذلك من أجل إفراز قطب ثقافي منتصر للفكر الحر وللإبداع، يحمي الهوية المغربية، ويعزز التنوع الثقافي الذي يميز المغرب.
ولأن الرهان اليوم هو رهان تحقيق التنمية، ونظرا لأنه لا تنمية بدون إشراك كامل للنساء
ومن دون القطع النهائي مع كل أشكال الحيف والعنف ضدهن، فقد أعلن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن المدخل الأساسي لتأهيل وضعية المرأة المغربية، هو المدخل القانوني، حيث يقترح تحديث كل القوانين التي تكرس الوضعية الدونية لها من جهة، وتحيين القوانين التي لم تساير تطور المجتمع من جهة أخرى، وخصوصا مدونة الأسرة وقانون مناهضة العنف ضد المرأة، ثم قانون الشغل، كما يلتزم الاتحاد الاشتراكي ومن أجل تحقيق مبدأ المناصفة، إقرار قانون لضمان تمثيلية النساء في أجهزة الهيئات المدنية والنقابية، كإجراء يضمن تكريس وشيوع المبدأ.
وتجسيدا لدفاعه المبدئي عن قيام الدولة القوية، التي لا تعني في أدبياته غير دولة المؤسسات القوية، ودولة الحق والقانون، ومن أجل تعزيز مؤسسات الدولة وترسيخ الحقوق والحريات فيها وفق منظور عصري وحداثي، فإن الاتحاد الاشتراكي ومن خلال برنامجه الانتخابي يقترح مجموعة من الالتزامات أهمها على مستوى ترسيخ الحقوق والحريات، المراجعة الشاملة للقانون الجنائي وفق تصور عصري حداثي، مراجعة تتجاوز منطق التعديلات الجزئية، وعلى مستوى إصلاح منظومة العدالة، ولغاية إقرار عدالة قوية ومنصفة كشرط ضروري لدعم تحقيق التنمية وصون كرامة المواطن، يقترح الاتحاد الاشتراكي ترسيخ الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة، وتكريس ضمان الحق في المحاكمة العادلة، أما في ما يخص تعزيز بناء الجهوية المتقدمة، فإنه يقترح جعل الجهة الفاعل الأساسي والأول في العملية التنموية، بالإضافة إلى ضمان التوزيع الجهوي العادل للاستثمار العمومي.
هكذا وانطلاقا من مجموعة من التدابير الدقيقة والواقعية والقابلة للتحقيق، وبشعار واضح يجعل المغرب أولوية الأولويات، يتوجه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبعيدا عن كل أنواع الدعاية السياسية والانتخابية، إلى عموم المواطنين لينخرطوا معه، في عملية تصويب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي خلّفتها جائحة كورونا.
الكاتب : فتح الله رمضاني
بتاريخ : 30/08/2021
تعليقات الزوار ( 0 )