مرة أخرى، يتحرك الشارع المغربي ضد ما أسماه ب»الحكرة»، أي علاقة المهانة والاحتقار التي يشعر بها من طرف السلطات العمومية، وقد عبر عن ذلك في الشعارات المرفوعة، والتي تتمحور
حول موضوع رئيسي هو رفض المنظومة السلطوية التي تتحكم في سلوك الدولة تجاه المواطن.
حصلت تغييرات كثيرة في المغرب، من أهمها تقدم الوعي بحقوق الإنسان والمواطنة داخل المجتمع، كما أعلنت الدولة عن المفهوم الجديد للسلطة، وتم تبني قوانين إصلاحية ودستور متقدم، غير أن المنظومة الفعلية لم تتغير.
هناك شعور قوي لدى الأغلبية بأن التغييرات التي أنجزت ظلت فوقية، ولم تنفذ إلى عمق المنظومة الراسخة في بنية وعقلية السلطات، والتي ظلت، تقريبا، كما كانت، على مستوى الواقع الفعلي في الحياة اليومية وليس في الشعارات وعلى الورق.
رغم وجود عدة ميكانيزمات، من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتمثيلياته الجهوية، والمندوبية السامية لحقوق الإنسان وديوان المظالم… وكل الترسانة القانونية، غير أن علاقة المنظومة السلطوية بالمواطن لا تتأثر بهذه الميكانيزمات والقوانين، حيث ظلت عاجزة عن تعديل وتصحيح هذه العلاقة التي لم تتغير بشكل جذري، حيث ظلت مطبوعة بالطابع القمعي، لا يستحضر فيها القانون إلا كإجراء بعدي، من أجل تبرير وتمرير الإجراءات المتخذة.
حقيقة أن هناك مجهودات بذلت من أجل تغيير هذه المنظومة، لكن الأحداث التي تحصل من حين لآخر، تؤكد أن التغييرات مازالت محدودة، وتحتاج إلى برنامج شامل ومتواصل من الإصلاحات القانونية والإدارية، والتي لا يمكن أن تنجح بدون إرادة سياسية لتحقيق التحول الضروري، في علاقة السلطة بالمواطن.
التغيير الفعلي لم يحصل ولن يحصل، بمجرد تبني بعض النصوص أو إنشاء بعض الهيئات، رغم ما لكل هذا من أهمية، لكنه غير كاف، بالمرة، حيث لا تكتسب المواطنة الفعلية بالنصوص والهياكل، فقط، بل بتغييرات سياسية وإدارية ديمقراطية عميقة، يعلو فيها القانون فوق كل شيء، وتحاصر فيها صلاحيات رجال السلطة، بمساطر صارمة، وتقف فيها العدالة على مسافة موضوعية من الجميع، وغيرها، مما يجعل المنظومة غير قابلة لأن تنتج «الحكرة»، بهذا الشكل، ودون أن يتمكن المواطن من فضحها وتوجد آليات ناجعة للتصدي لها، خاصة عندما تصل إلى حدودها القصوى، مثل ما حصل في قضية بائع السمك بالحسيمة، الفقيد محسن فكري.
تعليقات الزوار ( 0 )