رسالة الاتحاد
تتوجه النساء الاتحاديات إلى مؤتمرهن الوطني الثامن، وقد راكمن تجربة نضالية لنصف قرن من الزمن، كانت في خدمة القضية المركزية للنساء في المجتمع، ولأجله.
وتعد هذه المحطة أكبر من مجرد محطة تنظيمية تتجدد فيها الهياكل وتطرح فيها خرائط الطريق وتستشرف الآفاق، بل هي لحظة تاريخية تستعيد فيها المرأة الاتحادية ما تحقق من مكاسب بفضل نضالها، وما فجرته من أسئلة سرعان ما أصبحت مفاتيح لتطور المجتمع تبنتها كل مكوناته، بل صارت المرأة الاتحادية مرآة المجتمع الناهض والنابض بقوة الإصلاح، وكان من نتيجة الديناميكية النضالية للنساء أن تكرست قضية المرأة والأسرة في المغرب كعنوان بارز وعريض للتحديث الذي حصل وللحداثة التي يجب أن تكتمل في البلاد.
نحن ندرك من خلال ما تراكم أنه لم تبق القضية في مستوى الخطاب المطالب بالإصلاح، بل انتقلت إلى ما بعد عتبة الإصلاح نفسه، عندما تراكمت المكتسبات التي صارت تدفع المغربيات والمغاربة نحو جيل جديد من الإصلاحات يقوي من البعد الحضاري لهذا الإصلاح.
ومن باب البعد الحضاري لهذه العملية، يجب ألا نغفل بأن إصلاح أوضاع النساء والأسرة، تطلب إِعْمال العقل الإصلاحي وتفعيل الثقافة التجديدية، بما يعني ذلك من فهم سليم ومتجدد وحامل مشروع الإصلاح، للثقافة الدينية، وتفكيك خطابات الجمود وتكريس الدونية في كل مستوياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وبل المجتمعية برمتها.
ولعل قوة الدفع الرئيسية التي اكتسبها المغرب من تاريخه الوطني الطويل تمثل في »إمارة المؤمنين«، التي لعبت الدور المركزي في الحفاظ على ثوابت الأمة، وفي الوقت ذاته كانت قوة لترشيد التاريخ والدفاع عن الإصلاح وإقناع مكونات الأمة به وضروراته المتعددة الأبعاد.
ومن عناوين التطور العميق في المجتمع أن سايرت الحركية النضالية للبناء الإرادة الملكية في تطوير أوضاع النساء.
ومما لا تغفله عين المتابعة الرصينة والموضوعية هو أن القضية صارت مشتركا إنسانيا للمغرب برمته، ضمن جرد ثقافي لكل المكابح وحل إشكالاتها. بل لن نغالي إذا ما قلنا إن المغرب سك طريقا للمسلمين في مغارب الارض ومشارقها في تناول قضية شائكة تدور حولها وداخلها رهانات وصراعات ومقاربات تصل إلى الحدية أحيانا والقطيعة أحيانا أخرى…
أمام المؤتمِرات هدف آخر يتجلى في ترصيد ما سبق، وتقوية الحضور النسائي، وتحديد جدول أعمال تاريخي للمستقبل القريب في قضية المغربيات، كما له أهداف شرطية، إذا شئنا القول، يكون تحقيقها شرطا لآخر أكبر وأكثر ثورية في المستقبل، ومن ذلك ما نبه إليه الخطاب الملكي في عيد العرش من قضايا قصور تشريعي ومؤسساتي مرتبط بالوضع العام للأسرة المغربية…
لقد أثبتت المنظمة الاتحادية أنها بؤرة الفعل التقدمي الذي ظل في الجانب الصحيح من التاريخ، وقوة رافعة لتحسين أوضاع المرأة وتحقيق حضورها العادل والتحرري، وأنها أحد ركائز العمل المستقبلي في قضايا المرأة، ودينامو للرفع من وتيرة الإصلاح والتحديث والعدالة…
وهي، أي المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، في ذلك جزء من البنية الفكرية والتنظيمية والثقافية للاتحاد، كحزب وطني تقدمي، يُعرِّف نفسه كقوة إصلاحية ذات وظيفة تاريخية تحتاج إلى القوات الشعبية…
وبذلك فإن التفكير اليوم، ومن خلال المؤتمر، لا بد أن يستحضر هذه الوظيفة والشكل الجدير بأن يجسر المسافة بين المطلب والتحقق، بين الفكرة والواقع، والعمل بشكل تنظيمي تطوري يكون أفضل واسطة في الترافع عن قضايا المرأة وتصليب الحركة النسائية بالفكر والتنظيم الاتحاديين كجزء من منظومة قيم كونية اشتراكية ديموقراطية تحتل المرأة دوما موقع القلب فيها… وختاما نتمنى النجاح للمرأة الاتحادية في مؤتمرها الذي سيكون، ولا شك، سندا قويا للمرأة المغربية وقوى التحرر في معركتها من أجل الحداثة والمساواة والكرامة والحرية…
تعليقات الزوار ( 0 )