رسالة الاتحاد
حينما يخطئ الوزير في الأنظمة الديمقراطية، يسارع إلى الاعتذار، ويقدم استقالته، لكن وحده في المغرب، وزير العدل، يتاجر بدون حياء، في معطيات لم تكتس طابع العلنية، لما سارع إلى تجميع وثائق ومداخلات وصور ومسودة أولية لأشغال نيابية، وضعت تحت يده بصفته رئيسا لمهمة استطلاعية مؤقتة، وعرضها للبيع مقابل ستين درهما للنسخة الواحدة.
عبد اللطيف وهبي، النائب البرلماني السابق، ووزير العدل الحالي، والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في قلب فضيحة سياسية، بسبب كتابه الصادر تحت عنوان «الجريمة السياسية وحماية الطفل»، الطبعة الأولى، فبراير 2022، والذي أرفقه في القسم الثاني وملاحقه، من الصفحة 136 إلى الصفحة 208، بما أسماه «تقرير المهمة الاستطلاعية حول أوضاع المغاربة العالقين ببؤر التوتر كسوريا والعراق»، ومن الصفحة من 279 إلى 346 بمداخلات بعض المسؤولين والخبراء والباحثين والمهتمين ثم ألبوم للصور، وعمل على طبعه ونشره، وعرضه للبيع للعموم، بتسعيرة قدرها ستون درهما.
وكانت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب خلال الولاية التشريعية العاشرة، قد عملت على تكوين تسع لجان للقيام بمهام استطلاعية، من بينها المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول الوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من الأطفال والنساء والمواطنين المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر كسوريا والعراق، والتي انطلقت أشغالها يوم الثلاثاء 29 شتنبر 2020، إلا أنها لم تكتمل.
ومعلوم أنه مما يراعى في تعيين أعضاء المهمة، الخبرة والتخصص، وأن تسند رئاستها أو مقررها إلى المعارضة، على أن تعطى الأسبقية في الاختيار لطالبها، لذلك حظي عبد اللطيف وهبي، برئاستها بصفته نائبا برلمانيا عن فريق الأصالة والمعاصرة.
هذه المهمة، المسندة إليه، بصفته البرلمانية، مكنته من تجميع الوثائق المرتبطة بأشغالها، والجزء الأولي من مسودة التقرير، الذي يعده أعضاء المهمة عن المهام التي قاموا بها، ويحيلونه على مكتب اللجنة، وهي المرحلة التي لم تكتمل، لكون المهام كانت لاتزال متواصلة، لولا اقتراب موعد الانتخابات، ونهاية الولاية العاشرة، واستغله في الوقت الراهن، بصفته الوزارية، لينشره ويعرضه للبيع.
فهو ليس بتقرير، وإنما مسودة أولية، لكونه لم يحل على مكتب لجنة القطاعات الاجتماعية، ولم تناقشه، كما لم ترفع بشأنه تقريرا إلى مكتب المجلس، ولم يناقش بالجلسة العامة، لذلك، لايزال يكتسي طابع السرية، سيما أن اللجان الاستطلاعية هي لجن مؤقتة بطبيعتها، تنتهي مهامها بإيداع تقريرها، وتسترجع في أعقابه اللجنة الدائمة التي انبثقت منها اللجنة الاستطلاعية، صلاحياتها في مباشرة الموضوع الذي سبق أن كلفت به اللجنة المذكورة، وفق ما تضمنه قرار المحكمة الدستورية رقم 93/19 م.د بتاريخ 9 يوليوز2019.
وهو جزء أولي من مسودة تقرير، لكون أعمال المهمة لم تنته بعد، إذ عمل أعضاؤها على عقد ثمانية اجتماعات، أولها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ثم وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، وآخرها مع وزير الداخلية يوم 25 يونيو 2021.
وبين البداية والنهاية، التقى أعضاء المهمة مع رئيس النيابة العامة، وتنسيقية أسر وعائلات الأطفال والنساء والمواطنين المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر كسوريا والعراق، وبعض الاختصاصيين والخبراء في الموضوع، إضافة إلى بعض العائدين من بؤر التوتر، على مستوى مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مما دفع لأن يستغل الوزير تصريحاتهم وصورهم جميعا، وعرضها للبيع، في حين أن المهام المعهود بها للمهمة لم تكتمل، إذ كان من المقرر أن تجتمع مع كل المسؤولين المغاربة المعنيين بخلاصات الزيارات الاستطلاعية لأماكن التوتر، التي يحتجز فيها المغاربة المعنيون، ورئيس المرصد الوطني لحقوق الطفل، والمنظمة الدولية للاجئين بالمغرب، ومنظمة الصليب الأحمر، والمنظمات الإنسانية والإغاثية والحقوقية بالدول المعنية، والجهات الحكومية بها، وتشكيل لجنة مصغرة للتواصل مع مسؤولي برلمانات الدول المعنية (العراق وسوريا)، وهو المخطط الذي لم ينجز من طرف أعضاء المهمة.
هنا أخطأ الوزير، الذي حاول مرارا أن ينصب نفسه مدافعا عن تطبيق القانون؛ في مهمة نيابية، وطنية، ذات طبيعة خاصة، وتجاوز الإخلال بالسرية، إلى محاولة استغلال أشغالها الأولية في المتاجرة، ونسبها إليه، كأنه هو الكل في الكل، وهو المهمة في حد ذاتها، والحال أن قرار المجلس الدستوري رقم 924/2013، أكد على عدم نسبة التقارير التي تصدر باسم اللجنة إلى نائب بعينه، وبالأحرى أن أشغالها أولية.
هي أخطاء بالجملة، منها استغلال الوثائق المعهودة إليه بمناسبة مهامه، وانتهاك السرية، والتصرف في تصريحات وصور المستهدفين، ونسب خلاصات واقتراحات لجهة لم تصادق عليها، وعرض معطيات ووثائق مملوكة لمؤسسة دستورية بقصد المتاجرة فيها، في زمن يتولى فيه حقيبة العدل، وفي بلد أحد ثوابته الاختيار الديمقراطي، ومن مبادئه الدستورية الأساسية الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
تعليقات الزوار ( 0 )