فشلتم في الصناعات الفلاحية واعتمدتم تصدير المواد الخام وإعادة اقتنائها بالعملة الصعبة
كشف رئيس الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين عن هشاشة القطاع الصناعي الوطني وعدم قدرته على ضمان الأمن الصناعي وعن هشاشة البنيات الصناعية وعدم قدرتها على التنافسية دوليا. وقال يوسف إيدي لرئيس الحكومة الذي مثل أمام مجلس المستشارين لمناقشة «المنظومة الصناعية كرافعة للاقتصاد الوطني «، بأن اللقاء يأتي في سياق ظرفية دولية بالغة التعقيد، يشهد فيها النظام العالمي، ببعديه السياسي والاقتصادي، تحولات جذرية غير مسبوقة، نتيجة استمرارية الحروب في شرق أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط مع تأزم الأوضاع فيه، خصوصا ما يقع في الحرب على غزة ولبنان، إضافة إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية في عدة مناطق التي تزيد من توسع رقعة النزاعات ذات الطابع المسلح، والأزمة الطاقية العالمية، وتداعيات التضخم، كلها عوامل تفرض علينا إعادة النظر في نموذجنا الصناعي وخياراتنا الاستراتيجية المرتبطة به في ظل ثنائية الممكن والمتاح ووفق منطق التوزيع العادل للمجال الصناعي. وفي خضم هذه التحولات العميقة، ونحن نتحدث عن المنظومة الصناعية كأحد أهم الأسس لتعزيز اقتصادنا الوطني، يتعين علينا أن نطرح سؤالاً جوهرياً: أين نحن من السيادة الصناعية الحقيقية؟
وأوضح إيدي أن الحديث عن السيادة الصناعية لا يمكن أن يظل حبيس الشعارات والخطابات حمالة الأوجه، فبعد عقدين من الاستراتيجيات الصناعية المتعاقبة، ما زلنا نعاني من تبعية مقلقة في القطاعات الاستراتيجية، ولعل نظرة متأنية على واقع قطاعاتنا الصناعية الرئيسية تكشف عمق هذه الإشكالية:
ففي ما يتعلق بقطاع السيارات، ورغم تصدرنا للقارة الإفريقية بقدرة إنتاجية تتجاوز 700 ألف سيارة سنوياً، إلا أن هذا النجاح الكمي يخفي هشاشة بنيوية، فنسبة الإدماج المحلي في المكونات التكنولوجية العالية الدقة لا تزال متواضعة، حيث نجد أنفسنا عاجزين عن إنتاج المكونات الحيوية كالمحركات والأنظمة الإلكترونية المتقدمة، كما أن يافطة «تم تجميعه بالمغرب» لا تزال داخل المخيال العام لأغلب المغاربة، حيث يفضلون السيارات المستوردة على التي يتم إنتاجها في بلدهم، الأمر الذي وجب معه تعزيز ثقة المواطنين في المنتوج المحلي سواء كان ذاتي التصنيع أو تم تجميعه على التراب الوطني. ومن جهة أخرى وفي ظل التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية، فنحن اليوم نواجه خطر فقدان مكتسباتنا إذا لم نسارع إلى تطوير قدراتنا في مجال تكنولوجيا البطاريات والمكونات الإلكترونية الدقيقة.
وبخصوص قطاع الطيران، فرغم نجاحنا في استقطاب أكثر من 140 شركة عالمية، إلا أن معظم نشاطنا الصناعي يقتصر على تصنيع مكونات بسيطة نسبياً. نحن نفتقر إلى القدرات في مجالات التصميم والهندسة المتقدمة، مما يجعلنا في موقع المنفذ وليس المبتكر في سلسلة القيمة العالمية.
ويزداد الوضع قلقا عند الحديث عن قطاع الصناعات الغذائية، نظرا لما يمثله من تحديات تتجاوز مجرد تأثيره على الميزان التجاري. فبلدنا، ورغم وفرة موارده الفلاحية وقدرته على إنتاج مجموعة واسعة من المحاصيل، لا يزال يعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية المصنعة، ما يعكس ضعف قدرتنا في الصناعة التحويلية، وبالتالي فتصدير المواد الخام واستيرادها بعد التصنيع يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد، حيث تُفقد قيمة مضافة كبيرة في عملية التصنيع التي تُساهم في خلق فرص عمل قارة، وهو ما يؤدي من جهة أخرى إلى استنزاف مالي متواصل وعبء على الميزانية العامة.
وأضاف رئيس الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية أن التأثير لا يتوقف عند الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد إلى تهديد الأمن الغذائي الوطني، حيث أن الاعتماد على الاستيراد في تلبية احتياجاتنا الغذائية يجعلنا عرضة للتقلبات في الأسواق العالمية، سواء من حيث الأسعار أو توفر المنتجات. هذه التقلبات، إلى جانب التجاذبات السياسية والاقتصادية العالمية، قد تُضعف قدرتنا على تأمين احتياجاتنا الأساسية في فترات الأزمات، وهو ما قد يُعرض بلادنا لضغوط كبيرة وقد يفاقم من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ولعل الدرس الأقسى جاء من قطاع الصناعة الدوائية. فرغم امتلاكنا لثاني أكبر صناعة دوائية في إفريقيا، فقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن هشاشة سيادتنا الدوائية، وعجزنا في بداية الأزمة عن إنتاج أبسط المستلزمات .
وفي سياق مناقشة الأبعاد الاستراتيجية لمنظومتنا الصناعية أستحضر مبادرة الأطلسي التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله لتفتح آفاقاً جديدة أمام صناعتنا الوطنية، خصوصا الصناعة التحتية والحديدية والطاقية والبحرية، لكن الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية تتطلب تغييراً جذرياً في مقاربة الحكومة لها، سواء حكومة اليوم أو حكومة الغد، على اعتبار أن تنفيذ هذه المبادرة التي من شأنها أن تغير كافة الموازين وتعيد تشكيل منطقة الساحل سواء سياسيا أو اقتصاديا، لم يعد مقبولاً معها أن نكتفي بدور «المصنع المنخفض التكلفة» للدول الأخرى، وعليه نحن بحاجة إلى استراتيجية صناعية جريئة تضع التحكم في التكنولوجيا والابتكار في صلب أولوياتها.
وأكد إيدي على ضرورة الاستثمار المكثف في البحث والتطوير، مع تحفيزات قوية للشركات التي تستثمر في الابتكار وإعادة هيكلة منظومة التكوين المهني والتعليم العالي لتركز على المهارات التقنية العالية والتكنولوجيا المتقدمة. ثالثاً، تطوير صناعة وطنية للمعدات والآلات الصناعية، بدءاً من المكونات البسيطة .
وأضاف أن التحديات التي نواجهها اليوم لا تترك لنا خيار التردد أو التأجيل، نحن أمام مفترق طرق تاريخي: إما أن نتخذ خطوات جريئة نحو سيادة صناعية حقيقية، أو نظل في موقع التابع في النظام الصناعي العالمي، وهذا الأمر الذي لا نظن أنكم تقبلونه ولا أحد من المغاربة سيقبله، وهنا أستحضر معكم ما جاء في رسالة جلالة الملك، أعز الله أمره، في الدورة الأولى لليوم الوطني للصناعة حيث قال جلالته « كما ينبغي الاستعداد الكامل لولوج عهد صناعي جديد، يتخذ من مفهوم السيادة هدفا ووسيلة» انتهى المنطوق الملكي. وعليه فالمطلوب اليوم برامج واضحة وإرادة سياسية قوية وتعبئة وطنية شاملة، تستجيب لرؤية جلالة الملك وطموحات الشعب .
إن مستقبل بلادنا الصناعي لا يمكن أن يبنى على أساس المزايا التنافسية التقليدية من يد عاملة رخيصة وقرب جغرافي، نحن بحاجة إلى بناء مزايا تنافسية مستدامة قائمة على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجهنا اليوم، وهذه هي المعركة التي يجب أن نكسبها من أجل مستقبل أجيالنا القادمة.
تعليقات الزوار ( 0 )