خدوج السلاسي
للمئة يوم الأولى في عمر الحكومة أهمية بالغة، ليس على مستوى الإنجاز الفعلي، فنحن ندرك ذلك في المعارضة، لأن الحكومة لم تبدأ بعد بشكل فعلي في تنزيل البرنامج الحكومي المقرون بالميزانية المعتمدة، وأي معارضة متسرعة في هذا الاتجاه هي خارج المعارضة السليمة، التي أعلناها منذ البداية. أردناها معارضة مسؤولة قادرة على النقد وتقديم البدائل الممكنة، واعية بالمهام والأدوار الدستورية الموكولة إليها، ويقظة أي قوية الحضور وملتقطة لنقاط الاختلال، ومسجلة لمختلف الانحرافات سواء عن برنامج الحكومة وتعهداتها أو عن مقتضيات تنزيل النمودج التنموي الجديد كأرضية مشتركة بين الأغلبية والمعارضة وكمجهود جماعي تشاركي لكل المغاربة.
لذا أكتفي بالاحتكام في هذه 100 يوم الأولى إلى نقطتين اثنتين:
– مدى تمكين المعارضة من القيام بأدوارها الدستورية منذ انطلاق أشغال البرلمان. إن الأغلبية الحكومية وجدت مبتغاها في الأغلبية البرلمانية الداعمة لها، إنما دون الانتباه إلى أن أي أغلبية حكومية في العالم الديمقراطي لا تتقوى ولا تكتسي طابع الشرعية الديمقراطية إلا إذا مكنت المعارضة من القيام بأدوارها كاملة، والحال أن أغلبيتنا ومن منطلق حسابي صرف قامت بالتضييق على المعارضة، فبدل القراءة الإيجابية والمنتجة للنظام الداخلي لمجلس النواب، وبدل فتح المجال أمام الرأي النقدي والمختلف حرصا على مصالح المواطنين والمواطنات، تفضل الحكومة الاستماع إلى نفسها من خلال الأغلبية البرلمانية الداعمة لها، مما يضيق مجال أراء المعارضة واقتراحاتها ويضعف مساحة التعبيرات السياسية الداعمة للفعل الديمقراطي المؤسساتي، إذ يفترض أن تكون الغاية المثلى لكل من الأغلبية والمعارضة هي المصلحة العليا للمواطنين والمواطنات.
ومما يؤكد هذا التوجه العددي الجاف والعنيد هو عدم قبول تعديلات المعارضة على مشروع قانون المالية: فهل يعقل ألا يكون ضمن أكثر من سبعين تعديلا تقدمت به المعارضة مجتمعة تعديلات تستحق أن يستجاب لها لإضفاء طابع ديمقراطي تشاركي بين كل من الأغلبية والمعارضة. ومن جهة أخرى، خلال 100 يوم الأولى فوتت الحكومة على نفسها فرصتها الأساسية لإعطاء إشارات أولى قوية في استرجاع ثقة المواطنات والمواطنين في الفاعل السياسي، وكذا في توفير شروط الإصلاح ومراعاة المناخ النفسي والاجتماعي للمواطنين خصوصا في هذه الظرفية الوبائية العسيرة، نتيجة تداعيات الوباء الخطيرة صحيا واجتماعيا واقتصاديا، ونتيجة سخاء كبير في الوعود الانتخابية، لم يكن للمغاربة خيار آخر إلا أن يثقوا مجددا في السياسة والسياسيين، وخصوصا منهم فئة الشباب، وجسدوا هذه الثقة من خلال نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع فكانت النتيجة هي المفارقة بين الوعود الانتخابية والبرنامج الحكومي من جهة وبين هذا الأخير وقانون المالية الذي لا يعد بإمكانيات تنزيل البرنامج، والذي يفتقد إلى الوضوح في ما يتعلق بمصادر التمويل بدل أن تشهد ال 100يوم الأولى إشارات قوية وصادقة في اتجاه بناء الثقة عند مواطنين ومواطنات انهارت أمامهم سبل الاستقرار في زمن وبائي مهدد ومتقلب، وفي اتجاه تجديد العزم على محاربة الفساد ومراقبة الارتفاع المتزايد للأسعار صدرت عن الحكومة قرارات انفرادية، فجائية ولا شعبية، أعادت مقياس الثقة إلى نقطة الصفر.
ولعل اللجوء إلى المعايير الانتقائية المجحفة وتسقيف السن في الثلاثين بالنسبة لمختلف أطر الأكاديميات أبرز مثال على ذلك، مما جعل الحكومة تفشل في أول محطة من محطات استرجاع الثقة، خصوصا وإن تعلق الأمر بعشرات الآلاف من الشباب المغاربة الذين استعدوا وانتظروا طويلا فرصتهم في الشغل متفائلين خيرا بالوعود الانتخابية السخية التي قدمتها الأحزاب الثلاثة الأولى، والتي على أساسها نالت تلك الأصوات وشكلت الأغلبية الحكومية لاحقا.
كما فشلت الحكومة في توفير الشروط الضرورية لإصلاح بيداغوجي شمولي ومندمج لمنظومة التعليم العالي بكل مكوناتها، وذلك بدءا من إصرارها على تطبيق نظام بيداغوجي خاص بالباشلور في غياب المقاربة التشاركية المطلوبة في كل مراحل الإصلاح، وكذا في غياب الشروط الضرورية ماليا ومعرفيا وبشريا لتنزيل الإصلاح وتأمين شروط نجاحه.
كنا ننتظر من الحكومة، خلال 100 يوم الأولى، إشارات جادة ودالة على معالم الدولة الاجتماعية بمرتكزاتها الخدماتية في القطاعات الاجتماعية ذات الأهمية البالغة كالتعليم والصحة والشغل، وكذا في أبعادها الاقتصادية والحقوقية، إلا أن ما ميز هذه 100 يوم الأولى هو الاعتداد العنيد بالقوة العددية والتضييق على الأدوار الدستورية للمعارضة، الشيء الذي شكل تراجعا في احترام المؤسسات وخطرا على مبدأي التشاركية والديمقراطية كشرطين أساسيين لإعادة الثقة للعمل السياسي ومؤسسات الدولة. فمئة يوم غير كافية لبلورة إنجازات كبرى، ولكنها كافية من خلال الإشارات التي تبعثها لإرجاع الطمأنينة والتفاؤل إلى المواطنين والمواطنات المتطلعين إلى تغيير فعلي وملموس لأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، وهذا ما لم تنجح الحكومة الحالية في تحقيقه.
تعليقات الزوار ( 0 )