في الدول الديمقراطية الحزب وجد لممارسة الحكم وللتفاوض وتطبيق البرامج والمعارضة هي وضعية استثنائية وليست قاعدة

أوضح عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد بنعبد القادر أن الانتقال المجتمعي من المفاهيم التي يجب اعتمادها بشكل أدق وأقوى عوض الحديث عن الانتقال الديمقراطي الذي أصبح يثير العديد من التساؤلات والنقاشات حول متى سيتم المرور لمرحلة أخرى وهل تحقق هذا الانتقال أم أنه جسر لا ينتهي ؟ وأضاف بنعبد القادر الذي استضافته الشبيبة الاتحادية بتطوان ضمن الجلسة الثانية من برنامجها «مؤانسات رمضانية»، ليلة السبت 18ماي الجاري بمقر الحزب، «أنه منذ 20 سنة والجميع يؤطر نقاشاته حول الانتقال الديمقراطي الذي هو مجرد نتيجة للانتقال المجتمعي بحكم الحماس الكبير الذي صاحب حكومة التناوب بقيادة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، إلا أن هاته النقاشات تراجعت تدريجيا وبدأت تتسرب بعض الخيبات التي تشير إلى بطء هذا الانتقال ومعوقاته وجيوب المقاومة والمنهجية الديمقراطية، وبالتالي أصبح هناك اعتقاد بأن عملية الانتقال الديمقراطي عملية معقدة بطبيعتها وتتداخل في تشكيل مساراتها ونتائجها عوامل عديدة، وهذا ماتؤكد عليه العديد من الدراسات والأبحاث بخصوص هذا الانتقال»، وفق تعبير ذات المتحدث .
الانتقال المجتمعي في نظر محمد بنعبد القادر لا يحتاج لقرار سياسي لكنه يظل مخاضا انتقاليا صعبا كذلك، حيث يوضح المتحدث هاته النقطة أن الأسرة والزاويا والقبيلة كبنيات تقليدية كانت تتولى التأطير والتنشئة السياسية والاجتماعية وترسيخ حب الانتماء وحتى العصبية. وحاليا، يضيف المسؤول الحزبي، أصبحت هاته البنيات تعرف حالة من التآكل والتراجع عن الأدوار التي قامت بها في مرحلة معينة، بالمقابل لم تعوض بمؤسسات جديدة وحديثة التي لا تزال في حالة مخاض، الشيء الذي أوجد فراغا كبيرا وارتباكا واضحا داخل المجتمع المغربي، وذلك مرده إلى البنيات الحاضنة للقيم والأخلاق التي لم تعد تتسم بالنضج والرسوخ .
المتحدث ذاته عاد ليؤكد أن الظاهرة الحزبية في المغرب لا تزال جديدة مقارنة مع نظيرتها بأوربا مستحضرا تجربة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني التي تزيد عن 100سنة مسجلا أن منطق القبيلة بالمغرب ما زال هو السائد في العديد من المناطق، وأن الطريق لتأسيس ظاهرة حزبية حديثة ومنظمة بشكل عقلاني لايزال طويلا وشاقا، والعديد من المجتمعات عاشت هذا الانتقال الذي كان صعبا ويزداد صعوبة عند البعض حينما تشرع البنيات التقليدية في الانهيار والتلاشي ولا يقابل ذلك صعود بنيات حديثة، وهو ما يصعب من عملية الانتقال المجتمعي التي تختلط فيها معطيات كثيرة تفرز انعدام الثقة في المؤسسات وفي العمل الحزبي.
المتحدث نفسه توقف عند دراسة قام بها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية حول الثقة في المؤسسات والحكومة والإعلام والتي خلصت إلى وجود أزمة في العمل السياسي بشكل عام، مؤكدا «أن ذلك لا يعني أنه ليس هناك تراكم قوي على مستوى بناء المؤسسات»، فالمغرب، يقول بنعبد القادر، يتميز بكونه له سلطة مؤسساتية عوض سلطة مجردة مستحضرا العديد من المؤسسات الكبرى كالوسيط، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مجلس المنافسة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الهيئة العليا للسمعي البصري، وهاته المؤسسات هي من بين أهم المؤسسات الموجودة في أعرق الدول الديمقراطية، والتى تساهم في تحقيق حكم القانون والشفافية والمساءلة، وهذا يوضح أن الدولة تشتغل وتبني مؤسسات لكن في المقابل هناك خصاص كبير في بناء ما أسماه المتدخل «مؤسسات المجتمع « ويتضح من خلال أشكال التضامن الذي لايزال تقليديا ،حيث أن 90 في المئة من الشباب يضعون الثقة في العائلة وهو ما يدل على أن هاته المؤسسة أصبحت بالنسبة لهم الملاذ الأخير رغم أنها لم تعد تنتج القيم  المتعارف عليها».
هاته الوضعية، يؤكد عضو المكتب السياسي للحزب، تخلق نوعا من الارتباك وتساهم في عدم الثقة في العمل السياسي، علما أن جميع الدراسات تعتبر أن من ضمن  المؤسسات الديمقراطية الليبرالية هناك مؤسسة واحدة هي المؤسسة الحزبية التي لها تأثير كبير في إدارة عملية الانتقال، متسائلا هل النموذج الحزبي لا مناص منه أم هو ثانوي يمكن الاستغناء عنه وتقديم بديل له ؟
وتابع المتحدث قائلا « في كل ديمقراطيات العالم هناك عداء يكنه الإعلام والوسائط الاجتماعية للظاهرة الحزبية وللعمل الحزبي من خلال العديد من الانتقادات التي توجه إليها متهما إياها بالانعزال والانطواء «، وأكد بنعبد القادر « أن العمل السياسي والحزبي لا بد منهما لإنجاز الانتقال المجتمعي شريطة أن يواكبا التطور الحاصل في أدوات الاتصال والرقمنة وما يعرف بثورة الاتصالات والعولمة، ومن هنا تبرز أهمية الحزب والدور الذي يجب أن يلعبه والتأثيرات التي يطرحها  .
هذا وعرج عضو المكتب السياسي للحزب على الشأن الحزبي للاتحاد الاشتراكي مشيرا إلى أن « مشاركة الحزب في الحكومة أفرزت ثلاث توجهات حيث هناك من اعتبر أن الحزب ما كان عليه الدخول في الحكومة حتى وإن كان قد شارك فيها في بعض المحطات لكن حاليا عليه الرجوع إلى قاعدته ومكانته الطبيعية ( المعارضة)» ، بنعبد القادر انتقد أصحاب هذا التوجه لأن في الدول الديمقراطية تعتبر المعارضة استثناء وليس قاعدة ووجود أحزاب هو من أجل ممارسة الحكم والتفاوض وتطبيق البرامج، لكن عندنا، يضيف عضو المكتب السياسي، «نعتبر أن المكان الأصلي للحزب هو تواجده في المعارضة وهذا يدل على أننا لم نتخلص بعد  من تلك الأفكار التي تعشعش -في ما عبر عنه- في الجينات الاتحادية «.
أما التوجه الثاني، يضيف وزير اصلاح الإدارة والوظفية العمومية،  فهو مع المشاركة في الحكومة لكن مع ضرورة الاستمرار في التعبير عن المواقف الثابتة من خلال التواجد مع الجماهير الشعبية في نضالاتها واحتجاجاتها (نموذج حكومة عبد الله ابراهيم ) ،في حين يؤكد ذات المتحدث « على وجاهة التوجه الثالث الذي يرى أن الحزب متواجد في المؤسسات عن جدارة واستحقاق وهناك اختزال ديمقراطي يبنى على حسابات معينة تحاول بعض وسائل الإعلام تمريره، علما أن الديمقراطية لا تشتغل بمثل هذا المنطق بل تشتغل وفق اعتبارات أخرى، مستحضرا تجربة دولة الشيلي التي تترأس برلمانها ابنة أليندي الرئيس الأسبق  وبالإجماع رغم أن حزبها حصل على أدنى ترتيب. مشيرا إلى أن « هذا التوجه يرى أن الحبيب المالكي الذي يشغل رئيس المجلس الوطني للحزب يقوم بمهامه  كرئيس مجلس النواب بشكل فعال وقوي، وكذا الدور الكبير الذي يقوم بها وزراء الحزب، بالمقابل ماهي الإضافة التي يتم تقديمها للحزب من طرف مناضليه للنهوض ببرامج التنظيم وممارسة التعبئة المطلوبة؟».
وختم بنعبد القادر عرضه بالإشارة إلى أن « المؤتمر الأخير وكباقي المؤتمرات، باستثناء المؤتمر الاستثنائي، لا تكون هناك إسقاطات على المستقبل حيث يتم الاشتغال على مواضيع تظهر بشكل طارئ وتتم مناقشة قضايا ذات طابع ظرفي عوض الحديث عن الاستراتيجيات».
هذا وحضر اللقاء وزيرة الإسكان السابقة في حكومة ثاباتيرو الاشتراكية والمستشارة الحالية لسفير إسبانيا بالمغرب ماريا تروخيو ومصطفى عجاب، عضو المكتب السياسي للحزب، والنائب البرلماني عن دائرة تطوان محمد الملاحي، ومحمد اسريحن، عضو الكتابة الجهوية، وأنس اليملاحي، الكاتب الجهوي للشبيبة الاتحادية، وفادي الوكيلي عسراوي، الكاتب الإقليمي للشبيبة الاتحادية، الذي أدار هذا اللقاء، وزكريا الكوهن، عضو الكتابة الإقليمية، بالإضافة إلى الحضور المتميز  لمناضلي ومناضلات الشبيبة الاتحادية بتطوان الذين تفاعلوا مع جل الأفكار التي طرحها الوزير محمد بنعبد القادر خلال عرضه، بتدخلات انصبت على الوضع الحزبي والسياسي والإكراهات التي يعاني منها الشباب، كما تم التطرق إلى المضايقات التي يتعرض لها مناضلو الشبيبة الاتحادية في بعض المواقع، خاصة داخل جامعة عبد المالك السعدي.

الكاتب : مكتب تطوان: عبد المالك الحطري  

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

في البيان العام للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية

بحضور الكاتب الأول الاستاذ ادريس لشكر : الجامعة السنوية للتقدم والاشتراكية تناقش «السياسة أولا.. لإنجاح المشروع الديموقراطي التنموي»

الكاتب الأول يترأس اجتماع المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية

ندوة للحزب بالمحمدية على ضوء التطورات الدولية والاقليمية الأخيرة