يبدو أن النساء الاتحاديات حين رفعن شعار  «الدولة المدنية  أساس المواطنة الكاملة» خلال انعقاد المؤتمر الوطني السابع، قد عقدن العزم من أجل النضال  ودعم الحوار واستمراره من أجل ترسيخ مبدأ المساواة داخل المجتمع المغربي والقضاء على كل أشكال التمييز بين الجنسين، تفعيلا لمقتضيات الدستور وانسجاما مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

فبعد فتح النقاش على مصراعيه من جديد  انطلاقا من انعقاد المؤتمر الوطني السابع للنساء الاتحاديات حول عدة قضايا تهم المساواة بين الرجل والمرأة،  نظمت لجنة المساواة وتكافؤ الفرص المنبثقة عن اللجنة الإدارية للحزب، ندوة  فكرية يوم  السبت الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط تسير في نفس الاتجاه حول «المساواة  بين الاجتهادات الفقهية والمواثيق الدولية»، استقطبت حضورا متميزا  من الفعاليات المهتمة ثم ممثلي الصحافة الوطنية.

في بداية اللقاء قدمت فاطمة بلمودن عضو المكتب السياسي كلمة مقتضبة، ذكرت فيها أن هذه الندوة الفكرية التي تجمع بين أكاديميين ومتخصصين، تأتي في إطار الدينامية التي أطلقها الحزب من أجل فتح الحوار في عدة قضايا راهنة تهم المجتمع المغربي على عدة مستويات منها السياسي، الاقتصادي والاجتماعي، وذلك عبر اللجن المتفرعة عن اللجنة الإدارية الوطنية للحزب.

وسجلت بلمودن أن «هذا الحوار الذي نفتحه كاتحاديين واتحاديات   لملامسة هذه القضايا،  يروم بالأساس طرح الأسئلة  الحارقة التي تقتضيها المرحلة من أجل البحث عن الأجوبة المناسبة خاصة في هذه السياقات الحافلة بالتطورات والمستجدات الداخلية والخارجية، خاصة وأن المغرب على المستوى الوطني يعرف قرارات لا شعبية من طرف الحكومة المحافظة الحالية التي تسعى بكل ما أوتيت لإجهاض المكتسبات التي قدمت من أجلها تضحيات كبرى على مدى سنين خلت».

وشددت في السياق ذاته على أن لجنة المساواة وتكافؤ الفرص التي تترأسها فرتات التجانية، عضو اللجنة الإدارية الوطنية للحزب، قد برمجت عدة مواضيع للنقاش واليوم تطرح موضوع المساواة  باعتباره  شعار حملة النساء الاتحاديات في مؤتمرهن الأخير في إطار المطالبة بالدولة المدنية كأساس للمواطنة الكاملة،  وذلك من أجل فتح حوار غني ومتعدد وجدي حول المساواة  بين الاجتهادات الفقهية والدستور والمواثيق الدولية.

ومن جهتها  قالت فرتات التجانية رئيسة اللجنة، والتي سيرت أشغال هذه الندوة، أن الحوار هو الوسيلة الحضارية  التي يمكن من خلالها أن نسير في أمان وطمأنينة إلى الأمام، خاصة أننا نعرف كلنا أن الحوار في القضايا الفكرية التي تهم  حضارتنا العربية والإسلامية مسألة ليست بالجديدة علينا. وأضافت فرتات أن هذا الحوار الذي نتوخاه هو الحوار الرصين بعيدا عن كل تشنجات أو تعصب فكري، والذي يقترن بالحجة والتفكير العلمي المبني على العقل.

وأبرزت رئيسة اللجنة أن النساء المغربيات يعشن مفارقة كبيرة بسبب مقتضيات الدستور الحالي الذي يتضمن ازدواجية وتناقضات واضحة، إذ نجد في ديباجته أن المغرب دولة إسلامية ودينه الاسلام، وأن المغرب مع حقوق الإنسان وأن الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية وينص كذلك على حقوق المرأة والمناصفة، ما يجعل النساء من خلال الممارسة اليوم أمام تناقضات كبيرة وانفصام في الشخصية، لذلك نريد أن نقارب موضوع المساواة اليوم من خلال مقتضيات الدستور والاجتهادات الفقهية والمواثيق الدولية.

ذ. فريدة بناني أستاذة باحثة في كلية الحقوق بالدار البيضاء وعضوة في عدة منتديات دولية ووطنية قدمت مداخلة عبارة عن مقدمة اصطلاحية منهجية، المراد منها أولا لفت النظر إلى أن هناك  ترسيخا لنوع من القداسة على الآراء الإنسانية والبشرية من خلال المقالات والدعوات والفتاوي من طرف الفقهاء والدعاة، وأحيانا من الحقوقيين أنفسهم وبعض المناضلين دون وعي أو قصد، وثانيا ضبط بعض القواعد الأصولية وإخضاعها للعقل وأخيرا مناقشة بعض الأسس المنهجية.

ودعت بناني خلال هذه المداخلة إلى  ثورة علمية لتصحيح المفاهيم وتدقيقها، خاصة المستعملة في عدد من النقاشات والمقالات وكذا مجالات استعمالها، حيث أصبحت تطلق عدد من المصطلحات والمفاهيم على عواهنها، وتكرس الفهم الخاطئ لعدد من القضايا،  وعددت في نفس الوقت  عدة أمثلة على ذلك كـ «لا اجتهاد مع وجود النص»، التي تعني في حقيقة الأمر أنه لا اجتهاد في ما توصل إليه الفقهاء. وأوضحت  بناني في هذا الصدد أن استعمال هذه القاعدة  الإنسانية من أجل قفل باب الاجتهاد،  هي خداع إيديولوجي يقال لأشخاص غير متخصصين.

كما ساقت بناني عدة مصطلحات وجمل استعملها الشيخ لمواجهة الدعوة لمنع التعدد ومناقشة موضوع الإرث تكون في عدة نقاشات حول قضايا تهم المجتمع من أجل منع الاجتهاد ،  «الدين أصبح رهينة»، «نعم للمساواة لكن لا تجاوز للخط الأحمر»، «مجتمع مسلم لا يعرف سوى ما جاء في الآيات القرآنية»، «النصوص القطعية لا يجب مناقشتها»…، وشددت بناني على أنه لابد من تدقيق للمفاهيم والتمكن من عدد من الأسس التي ينبغي الإلمام بها لضبط النقاش وأرضيته في أي موضوع فقهي.

وأشارت بناني الى أنه قد تم التمكن من رفع القداسة في التسعينيات عن مدونة الأسرة  التي كان يقال عنها أنها هي الدين وهي الشرع، موضحة في هذا الباب أن ما يطلق عليه الحكم الشرعي أو الشريعة، هو  الاجتهادات الفقهية والتي هي مجرد اجتهاد بشري إنساني وليست الشرع في حذ ذاته، لأن القرآن حمال أوجه يجد فيه المرء كل ما يطلبه، أما القراءات والاجتهادات في النص فهي بشرية وإنسانية ليست عليها أية قداسة.

وسجلت بنفس المناسبة أن  ما يتم اليوم لتعليل عدم المساواة باسم الإسلام، إنما هو اجتهادات بشرية  وإنسانية، أولا لأن القرآن ثابت وحين يتعرض للتأويل والاجتهاد من طرف العقل البشري يصبح نصا متحركا، ولكن يجب على المجتهد أن لا يدعي العصمة أو الحقيقة المطلقة، وأن الآيات القرآنية التي جاءت في المعاملات حسب التقسيم الفقهي، والتي لا تتعلق بالعقيدة وإنما لتنظيم علاقات المجتمع، في حاجة إلى اجتهاد.

ذ.لحسن بنرحو أستاذ الحقوق والذي له عدة مؤلفات منها «الوجيز في الإرث»،  قدم مداخلة حول أحكام الإرث والمدونة تناول خلالها بالدراسة والتحليل هذه الأحكام والاجتهادات، مع التأكيد في البداية على أن كل ما نتحدث عنه ويتعلق بالقانون الوضعي، هو من اختصاص البرلمان ويتدخل فيه الناس كمواطنين.

وذكر بنرحو أن الفقه كله منتوج ذكوري أنتجه الذكور لصالح الذكور، ولو أنتجته النساء سيكون نتاجا آخر، وذكر هنا في هذا السياق أن تنظيم أحكام الإرث في القانون المغربي يحتكم فيه إلى مدونة الأسرة التي هي عبارة عن قانون وضعي من اختصاص البرلمان.

ونبه بنرحو  الى أن عدد الآيات التي تتضمن أحكام تنظم علاقات الناس هي لا تتعدي  خمس عشرة آيةّ، وفي مقابل ذلك هناك 300 آية للعقل وساق مثالا على أن فرعون ذكر في العديد من الآيات، وتساءل هنا: هل فرعون أهم من التشريع والناس؟

ودعا بنرحو إلى ضرورة التمييز بين العقيدة والشريعة، فالعقيدة ثابتة  لأنها غير خاضعة للعقل ولا يمكن الاجتهاد فيها، بينما الشريعة عكس ذلك، فأحكام الإرث كلها أحكام مدنية وموجودة سابقا،  فكل الأحكام الموجودة في المدونة أحكام خلافية ولا وجود لشيء ثابت فيها وليس  كل ما هو موجود في الدين ، هو أحكام مدنية

وإنما هي اجتهادات فقهية بدون مرجعية نص والتي تصل الى نسبة 60 في المائة، في حين 40 في المائة الأخرى إما فيها نص في القرآن أو في السنة  التي تعتبر خلافية هي الأخرى، وأعطى مثال بالشيعة التي تعتبر الأصل لديها في الإرث هو الوصية، وخلص بنرحو في الأخير الى أنه كل أحكام الإرث المتعارف عليها في القانون الإسلامي  خلافية، وأن مفهوم المواطنة  هو الذي يجب أن يسمو على كل هذه الأحكام.

ومن جانبها أوضحت ذ فاطنة سرحان الأكاديمية ونائبة رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب، أن كل هذه النقاشات والانتقادات والمواجهة العنيفة لما طرحه الاتحاد الاشتراكي في ما يتعلق بالمساواة ومنع التعدد وقانون للإجهاض وأحكام الإرث، لتؤكد بالملموس على أن حزب القوات الشعبية في الطريق والاتجاه الصحيح، خاصة أن المساواة تحرج الكثير ويتخبأ  الممانعون وراء الدين في حين أن الدين براء من ادعاءاتهم.

واستغربت سرحان كيف لأشباه الفقهاء والدعاة الذين يقيمون الدنيا ويقعدونها حين نطالب بالمساواة، ولا يتكلمون حين تصادق الدولة على اتفاقيات دولية تتعارض مع ما يتوهمونه على أنه يتعارض مع الدين،  لكن تكون المعارضة من طرفهم حادة وعنيفة كلما تعلق الأمر بالمطالبة بالمساواة والحقوق من طرف المجتمع.

وانتقدت سرحان صمت المجلس الأعلى العلمي في قضايا تهم المجتمع وتنظيم علاقاته والمنصفة لأحد أطرافه الأساسية، داعية أعضاءه وعضواته للخروج إلى المجتمع ليروا الكوارث التي تحدث في قضايا الإرث، وليروا كذلك الظلم الذي ساهموا في تكريسه في هذا الباب.

المتدخل الأخير في هذه الندوة، ذ أحمد عصيد أستاذ الفلسفة، قارب موضوع المساواة من خلال التقاليد والأعراف المغربية، موضحا في بداية هذه المداخلة أن السياق الذي يجري فيه هذا النقاش الفكري والرؤية الحالية تطبعه خاصيتان أساسيتان.

وهذا ما يفسر أولا ،يقول عصيد  ، أن هناك شعورا مدركا للخطر في سياق الانتفاضات الشعبية ، سببه الخوف من الرجوع إلى الوراء والتراجع  عن المكتسبات بعد نضال دام نصف قرن من الزمن، وهو ما يفسر كذلك التكتلات السياسية الجديدة التي تعتبر دينامية جديدة هامة،  ثانيا تزايد العنف الرمزي والمادي في الكلام والخطاب والكتابة وحتى في السلوكات، سببه الرئيسي هو أن بعض الأطراف فهمت فهما خاطئا مفهوم الحرية، فالحرية ليست هي أن تقول ما تريد كالدعوة الى القتل وتصرح بذلك علانية، فهذه ليست حرية لأنه فيها مسا خطيرا بحق الآخر.

واعتبر عصيد أن النقاش حول المساواة نقاش جوهري باعتبار أن المساواة هي أساس المواطنة التي تأسست عليها الدولة الحديثة والأزمنة الحديثة، مسجلا في هذا الصدد أن هناك من لايزال يضع رجلا في الأزمنة الحديثة ورجلا في الماضي، ومرد ذلك حسب عصيد عدم الحسم في ذلك، لأن في ذلك أطرافا مستفيدة  من هذا الوضع المتأرجح بين الأصالة والحداثة. ودعا عصيد إلى رد الاعتبار للإسلام لدى المغاربة الذين كانوا يتوفرون على عادات وتقاليد غنية بثقافة مجتمعية واسعة تنظم العلاقات بين الناس، ولا يجب اختزال الأصالة في الدين لأن ذلك شيء خطير وضد المسار الديمقراطي.

وبالنسبة لعصيد الدعوة إلى الرجوع إلى الأصالة  والتقاليد المضيئة في الثقافة المغربية،  لا  ترنو إلى استعادة الماضي وهذا هو الفرق مع الاتجاه المحافظ، لا نريد العودة  الى القبائل أو نظام المخزن أو السيبة بل ما نريده دولة حديثة وديمقراطية تنتصر فيها المساواة.

وأفرد عصيد عدة أمثلة من الثقافة المغربية والعادات والتقاليد التي تفيد أن مفهوم العدالة والمساواة  كان حاضرا من قبل فيها عن طريق منظومة سواء تعلق الأمر بالتمثيل والتناوب (أمغار)، وضع القانون جماعيا، (الجماعة)، وكذلك التدرج في الحكم، وحتى في فصل الدين والدنيوي، فالفقيه لم يكن عضوا في مجلس الجماعة، الفقيه مكانه المسجد وكان غالبا ما يكون غريبا عن المنطقة ولكي لا يدخل في الصراعات التي يمكن أن تقع.

وعزا عصيد هذا الاضطراب الذي يقع في المجتمع المغربي والذي تعكسه نقاشات في الساحة ، إلى الاضطراب الحاصل داخل الدولة المغربية الذي ينتج عنه انفصام في الشخصية بحيث نعاين صراعا بين دولة تقليدانية  ودولة حديثة.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

بيان منظمة النساء الاتحاديات

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني