عبد الحميد جماهري
جاءت كورونا وعرت كل مواطن القوة والضعف في بلادنا…
عرت هشاشتنا الاجتماعية
وهشاشتنا الاقتصادية
وهشاشتنا المجتمعية
غير أننا، لسبب ما قد يكون بفعل الحماس الوطني، كدنا نقول بأننا تجاوزنا معركة الفساد، وأنه
اغبر
غاب
غرق
وأنه في هذه المرحلة لن يساير كورونا.
كانت بعض الأصوات تبدو متفردة، مثل ذئب وحيد، وهي تصيح، من داخل الصمت الوطني الشامل، المحاط بالأزقة، والمتراكم في الإدارات وعلى المنعطفات، تذكرنا أحيانا بأن هناك من لا يستسيغ أن يموت الفساد ويضمحل بفعل الحجر المضروب على كل شيء.
كنا مع ذلك نسمع بأُذُن لا تسمع..
ونريد أن نرى بأعين لا ترى…
كنا ننزه الفاسدين من أن يصلوا إلى درجة يمكن أن تنتصر فيها غرائزهم على معركة بلد بكامله…..
كنا شبه متيقنين، بسذاجة لا تضاهى، أن الوباء لن يساعدهم على المحافظة على عاداتهم، والحال أن كل عادات البشرية قد تغيرت.
كنا مخطئين؟
كلا، كنا حالمين فقط أو قُلْ كنا مشغولين بالحرب!
فنحن بلاد تواجه الجائحة بروح عالية، والمغاربة كلهم على أهبة نزال..
وحقيقة الأمر، أن أجهزة الدولة، عليها أن تنازل الجائحة، وأن تجد السرير للمرضى، وأن تجد حبات الكلوروكين، وتجد إيرادات للفقراء والمهمشين، وتسعف المقاولات للبقاء على قيد الحياة، وأن تحافظ للدولة على وارداتها قصد ضمان المقاومة…
اتضح أن عليها أيضا أن تخوض معركة ضد عاهات مستعصية على الشفاء بدورها، ضد وباء نعرف تفاصيله
ونعرف جينومه، ونعرف من ينقله ومن يصاب به ومن يتأثر بانتشاره…
وباء الفساد الذي لا يبدو أن الوباء المستجد قتله.. واتضح أن له تكيفا عضويا ووظيفيا معه…
في قضية القاضي ورجال الأمن الذين سايروه، ما يشبه التنبيه إلى أن الحرب التي نخوضها، لها أثرياؤها..
هناك أثرياء يولدون في الجائحة كما يولدون قبلها..
تماما كما يولد أثرياء في أوقات السلام قبل الحروب..
ويولدون أثناء الحروب وبعدها.
والذين يغتنون من لحظات المعركة، هم كالذين يخونون.. تماما كما ورد في قاموس ملك البلاد، وهو ينبه إلى السلوكات اللاوطنية، التي تطعن المغرب وأبناءه وبناته في الظهر…..
نعتقد، دوما، بتسليم شبه ميتافيزيقي، أن المغاربة، عندما تكون بلادهم في مواجهة عدو شرس، يتولون كلهم حماية ظهرها.. ويتولون تقوية جبهتها، لكن، الواضح أن هناك نوعا من المغاربة يكون على التاريخ أن يعيد نفسه معهم في الكثير من اللحظات الصادمة.
وكما كان هناك من تعامل مع العدو في معارك التحرير، وفي الدفاع عن السيادة، هناك من يتعامل بـــالعدو
في مواجهته…
وفي الدفاع عن المناعة…
غير أن من حسن حظنا في الحالات التي نتابعها، اليوم، أن المتابعين بشبهات الفساد يصلون إلى المحاسبة، بعد أن تحركت أجهزتهم وقطاعاتهم ضدهم، كما في النيابة العامة أو في الأمن، وهو بذاته حكم أولي على أنه ليس لهم من يحميهم، وأنهم منبوذون أولا في أوساطهم التي يعيشون فيها…
الأوساط التي تعتز بأنها تخوض حرب الوجود ضد كورونا، باعتزاز كبير وبتفان كبير، وبمجهودات تفوق الخيال..
ومن حسن حظنا أيضا أن المعركة لم تجعل صوتها هو الوحيد الذي تخفت الأصوات الأخرى أمامه، بل أيضا كل صوت يندد بظلم أو بتعسف أو بفساد..
وسيبقى العنصر الحاسم، في قضية محاربة الوباء، هو أن تكون المناعة شاملة، وأن لا نغفل الفاسد فيها، لأنه نقال كبير للأوبئة وللفيروسات، وأيضا يستطيع تقوية مناعة الفيروسات التي تنخر الجسم المغربي…
الفاسد دوما طاغية أعمى، يعتبر البلاد ملكية خاصة، هو الوحيد الذي يستطيع تفسير حاجياتها إلى ذكائه الملعون في الاغتناء اللامشروع…
وهو دوما على أهبة أن يطعن ويختفي ويذوب في الزحام،
في حركة الإدارات وفي ضجيج الشوارع وفي التشابه العام،
وهو دوما يعتبر بأنه الواحد المتفرد من بين كل زملائه،
وحده يعرف كيف ينصب الفخ للحظ وللثروة، بذكاء أعمى…
ولا يرى أن إخوته يخوضون الحرب
ويقاتلون
ويتعبون ليل نهار ويسهرون ويتحملون ما لو وضع على كتف الجبال لانهدت..
وهو في غروره الأعمى…لا يراهم
ولا يرى البلاد التي تراه…
تعليقات الزوار ( 0 )