عودتنا الجزائر في مختلف خرجاتها الأمنية الضيقة والتي تسربها عبر المكلفين بامتياز في صحفها الصباحية، النظر الى كل تحركات المغرب من مختلف الواجهات ، بأنها تحركات آتية من اجتماعات سرية للرد على السياسة الجزائرية الخارجية، من أجل محاصرة استراتيجيتها في المنطقة، معتبرة أن الجزائر الغنية بالبترول والغاز قادرة على الرد، بأسلوبها في تحريك اللعب الصغير في مخيمات تندوف. وهي المخيمات المحاطة بالمليشيات وبالقوات الجزائرية، أو كما سماها شارل سان برو “بالمعسكرات الحقيقية للاعتقال” ، ضد إرادة شعبنا المحاصر هناك في ظل صمت مطبق للمجموعة الدولية ، كما عدم حياد منظمات غير حكومية ومفاوضين يكيلون بمكيالين، وتنقصهم النزاهة والشفافية.

وقد يبدو للمراقبين الدائرين في هذه الحلقية الضيقة أن المغرب يقوم بردود أفعال إزاء تحولات استراتيجية في المنطقة، وأنه يسابق الزمن من أجل الظفر بالقيادة الإفريقية ضد جارتنا التي حرمت أبناء وبنات الشعب الجزائري من حقهم في التنمية والديمقراطية، وهو الحرمان الذي مس حقهم في الصحة والسكن والتعليم والأمن، وباقي خدمات القرب، بل مسهم في خبزهم اليومي وفي استنشاق هواء نقي في مواقع الضوء في المدن الكبرى دون ذكر تلك المدن الهامشية المهمشة، بفعل زمن استمر حتى وشم شعبنا المغاربي هناك بكثير من خيوط الألم التي قتلت الأمل، وأجحظت العيون وأخفت الابتسامة وأعلنت عن موعد قادم يزيد شعبنا المقهور مرارة الانتظار لموت محتمل.

كل هذا الدمار في الانسان ينمو عند النافذين في تراب جارتنا المتوجهين الى شراء الأصوات في المنتظم الإفريقي، بغية الجلوس على المقعد الأول في القارة السمراء.

وهي مقاربة لا تعي قراءتها أن المغرب غادر هذا ” الهراء” في لحظة دقيقة وحساسة في تاريخ المنطقة، وهي مغادرة لا تعني رد الفعل المجاني أو الانفعالي، بل اقتناعا من المغرب بأن سياسة جيراننا في المحيط الإقليمي ستؤدي الى أفق مسدود أمام شعوب تواقة الى مستقبل تنموي ديمقراطي، وهي الشعوب التي ستقف يوما ضد تهريب ثرواتها واستعمالها في توسيع دائرة التخلف والإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وضد السياسة التي وضعت خرائط الممارسات غير المسؤولة في شراء البشر واستغلال أوضاع الفقراء من قارتنا السمراء كما توظيف ترسانات الأسلحة للاستقواء الممركز في يد جنرالات الحرس القديم، الذي يبدو أن الزمن البيولوجي لم يعد يسعفه في ممارسة القهر المبني على خرافة العجائز، ذلك الزمن الذي وشم وجه البشر والحجر والشجر في منطقة تكاد تكون منسية من مرور كناس الصباح المختفي.

لهذا نقول إننا لم نذهب الى إفريقيا -في استراتيجيتنا الجديدة التي تستثمر ذاكرة علاقة المغرب بمحيطه الافريقي وتجدد العلاقة في قراءة متأنية وهادفة ومتوجهة للمستقبل ضمن قناعاتنا في بناء مدن للسلام- لأننا نريد الرد على جارتنا باعتبارها غريمتنا في المنطقة أو أن عداء يحركنا لفعل ذلك أو بسبب ملف صحرائنا الذي لا ننكر فيه استياءنا من سلوكات الجزائر وعدائها ضد وحدتنا الترابية منذ عقود خلت- لكنه استياء مقرون بنفسنا الطويل لأننا أصحاب قضية- بل ذهبنا الى افريقيا بمخطط مبني على مبدأ راسخ في تقوية التعاون جنوب-جنوب، في كافة المستويات السياسية والاقتصاديةَّ والاجتماعية والأمنية، بما فيه خير لشعوب المنطقة بعنوان عريض يؤمن بربط التنمية بالديمقراطية، وبأن ترسانة السلاح الآتية من فائض البترول المستعمل خطأ في قتل الأبرياء والإصرار على الدفع بسقي رمال الصحراء بدم الشهداء ، سنحوله الى أداة لغرس الأشجار وبناء السكن ووضع المشاريع الكبرى لجلب الاستثمار لبناء إقليم تحترم فيه الوحدة الترابية لدول المنطقة، وتتكتل فيه الأوطان للتعاون على النهوض بجنوب مهترئ بأيادي استنزفت خيرات شعوبها من أجل الدفاع عن “دولة بخيمة ومعزة”، تمارس فيها كافة الخروقات وتنهك فيها الحقوق بالحصار والسجن والتعذيب والاغتصاب والحرمان من التنقل والعمل  كما الحرمان من الحصول على أوراق الهوية، وهي دولة بخيمة يمارس فيه العهر بمختلف أوجهه ضد إرادة أبنائنا وفلذات أكبادنا ونسائنا وعجائزنا وضد أرواح دفنت قهرا هناك، وهي خيمة منتجة للدولار ولكل عملات الدول التي تعي مصير أموال مساعداتها، أو التي لا تعي ذلك أمام تراكم التقارير المرفوعة من المكلفين بالفعل برفعها الى من يهمه الأمر مع الدفع القبلي لإنجازها، هؤلاء الذين يبدو أنهم لم يقنعوا الأمين العام للأمم المتحدة  الذي قال  إنه ” لا يعرف سوى القليل من الأشياء حول وضعية حقوق الانسان بمخيمات تندوف “.

لهذا نحن اليوم في إفريقيا من أجل غرس الأمل في نفوس سكان الجنوب، مع التنمية ضد الإرهاب ، مع السلام ضد الحرب، مع الحياة ضد الموت، مع الكرامة ضد الاستعباد، مع العدالة ضد الظلم، مع التسامح ضد التطرف، مع الحوار ضد التهديد، مع الحرية ضد الاحتجاز، مع تقرير المصير بالمفهوم السليم لهذا التقرير في المصير الذي يكون للشعب المعني بمصيره ، لا أن يقرر فيه المستعمل لوضعه والمتاجر في مصيره في سوق أصبحت مفضوحة ، كما أصبحت وشمة عار في جبين  من خولت لهم أنفسهم أنهم قادرون على بيع الوهم في جميع المحطات الزمنية الإقليمية والدولية.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

أوجار بين الحكامة و السندان

الملك يريد عملية إحصائية للسكان بمناهج خلاقة

الحكومة المغربية تهرب التشريع المالي

المستقبل يبدأ من … الآن من أجل نَفَس ديموقراطي جديد