سيكون من المستحيل أن يقدم حزب العدالة والتنمية المنهك ب ” الحكم “، شيئا ذا بال للمغاربة في الفترة ما بين 2021 و2025، وهي من أصعب المراحل التي سيمر منها المغرب بسبب التداعيات الحقيقية لأزمة كورونا .
فلا يمكن أن تسبح في النهر مرتين بالطريقة ذاتها، والأحرى ثلاث مرات، كما يستحيل أن تستمر دورة إنتاج الأفكار في الكيان الواحد نفسه على الإيقاع ذاته 15 سنة متتالية، وإلا سنكون أمام كائنات خارقة، وليست بشرا مثلنا من لحم ودم .
إن المغرب في هذه السنوات المقبلة بالذات، يحتاج إلى جيل جديد من الأفكار والحلول والمخارج …
أفكار سقفها كسب رهانات صعبة دشنها المغرب، بقيادة جلالة الملك، بشجاعة كبيرة، وهو يبحث عن موقع صلب في عالم متحور ومتحول، لن يقبل بالدول الضعيفة بعد اليوم .
رهان خارجي بطموح كبير في التموقع على جميع الواجهات، في إطار توجه ذكي لتنويع الشراكات، يوازيه رهان داخلي في تنزيل الميثاق الوطني للنموذج التنموي الجديد، الذي لا يطمح، فحسب، لإنقاذ المغرب من الأزمة المترتبة عن التدبير السابق، بل يحمل طموح بلد مستقل اقتصاديا ومعافى اجتماعيا ومنتج للثروة والقيم المضافة والرخاء لمجموع المغاربة، في إطار سيادة وطنية لا تقبل النقاش .
إن الكرة اليوم في ملعب الناخب المغربي الذي عليه أن يختار ويتحمل مسؤولية اختياره :
– إما أن نواصل على النهج نفسه من الأفكار والنخب والكفاءات، التي وصلت إلى نهايتها ولم تعد تملك ما تعطيه موضوعيا ومنطقيا وذاتيا .
– أو نبحث عن خيارات أخرى في أماكن أخرى في مغرب لا نعتقد أنه ولد حزبا واحدا فقط وأصيب بالعقم .
المغرب ” ولاد ” ومنتج وزاخر بالطاقات والكفاءات والأفكار، يكفي أن تكون لنا الجرأة لقبول التعدد والاختلاف والتناوب السياسي السليم .
يقول الأستاذ إدريس لشكر، في ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء ” إنه إذا كانت الحكومة قياسا على ما يجري في العالم استطاعت أن تدبر هذه المرحلة، فإنها لم تحسن تدبير الزمن السياسي …
وإن عدم تدبير الزمن السياسي، بكل مسؤولية، يرجع بالأساس لرئيس الحكومة الذي لم يكن من المسؤولية، لا على حزبه ولا على الأغلبية المشكلة للحكومة…
وما يثير الاستغراب هي الممارسات التي تم تسجيلها خلال هذه الولاية التشريعية بالبرلمان، خاصة تلك التي همت رفض مشروع جاءت به الحكومة من طرف الحزب الذي يقوده رئيس الحكومة …
فكيف يمكن أن تتصور أن رئيس الحكومة يأتي بمشروع قانون والحزب الذي ينتمي إليه يصوت ضده، فهذه الوضعية غير سليمة ولا يمكن أن نقبل هذه المسألة …
إن رئيس الحكومة لم يتحمل مسؤوليته تجاه الأغلبية حول العديد من القضايا، ولم يلعب دوره كاملا …”
ويقول الكاتب الأول في البرنامج نفسه ( إن ما أعلق على هذه الحكومة، ليس الحصيلة، بل المسؤول عنها، الذي لم يلعب دوره كاملا كما هو منصوص عليه دستوريا، وبالتالي لم تستطع الأغلبية أن تلعب أدوارها كاملة …).
يرتبط فشل الإسلاميين بطبيعة تصورهم للديموقراطية التي اختزلوها، خلال ممارستهم للحكم، كمعادل وحيد لصناديق الاقتراع، حيث صارت الشرعية الانتخابية هي سندهم في الحكم كطريق للاستفراد، ولإلغاء الاختلاف في التفكير والتدبير، ولذلك أصبح المشترك في خطاب الإسلاميين هو التصريح بأنهم إفراز لصناديق الاقتراع، وبالتالي فأي طعن في الحاكمين وسياساتهم هو طعن في الديموقراطية .
إن هذا التحصن بصناديق الاقتراع يخفي إيمانهم بأن العملية الديموقراطية هي مجرد مرحلة انتقالية في نظرهم لإقامة الخلافة الإسلامية، وتصدق في هذا السياق ” ديمقراطية المرة الواحدة ” .
لا نحتاج هنا إلى سرد الكثير من وقائع المظلومية التي يكررها الحزب الحاكم ببشاعة ويحاول توظيفها على رأس كل محطة اتخابية لربح الأصوات والمقاعد بدون تعاقد برنامجي، فقد أصبح من المعلوم بالضرورة، كما يقول الفقهاء، أن يسخن قادة حزب العدالة والتنمية محركاتهم الانتخابية بإنتاج خطاب لشيطنة المؤسسة القضائية ورجال الإدارة الترابية وخلق معارك مفتعلة تجاه الولاة والعمال واتهامهم بمحاولة استهداف منتخبيه والنيل من شعبيتهم، واظهارهم بمظهر الغول الذي لا هم له سوى الانتقام من حزب الإسلاميين .
والحقيقة أن الحزب الحاكم اعتاد على الاسترزاق بالبكاء السياسي الذي يجنبه المساءلة والمحاسبة عن تدبيره الكارثي للشأن العام، سواء أكان وطنيا أو محليا، لكن ما لا يفهمه ” البيجيدي ” أن الكثير من المياه جرت تحت جسر الدولة والمجتمع، فلم تعد الدولة بمؤسساتها الدستورية رهينة ابتزازه ومقايضته، كما وقع في الولايتين السابقتين، ولم يعد المجتمع قابلا لاستهلاك خطاب الديماغوجية والشعبوية التي فوتت على المغرب عقدا كاملا من التنمية ورجعت بنا سنوات إلى الوراء بعد استنزاف مجهود وطني في معارك سياسوية عادت بالويلات على أوضاع المغاربة .
الذين يعتقدون أن الحياة السياسية والحزبية في المغرب ابتدأت مع حزب العدالة والتنمية – رحم الله ع. الكريم الخطيب وغفر لإدريس البصري وأطال عمر البقية الباقية ممن شاركوا في فعل الولادة القيصرية للحزب إياه – لا يعرفون أنهم يعيشون في بلد / أمة، عاش قرونا وقرونا قبل أن يفكر حسن البنا في إنشاء التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي استلهم منه البعض سيرته السياسية .
لا يدرك حزب العدالة والتنمية في هذا المنعرج الذي يمر منه المغرب لبناء دولة قوية وفاعلة في المنتظم الدولي أنه يضيع فرصتين حقيقيتين، الفرصة الأولى تضييعه للتحول إلى حزب سياسي مدني يتعاطى مع الأحداث والقضايا بحس سياسي مرن وعقلاني وليس بإيديولوجية عقدية تعيقه في التوصل إلى اجتهادات واقعية. أما الفرصة الثانية فهي التحول إلى حزب بمواصفات وطنية، فكريا وترابيا، والقطع مع الفكر الأممي الذي يؤمن بالدولة الإسلامية العابرة لحدود الدول، فلم يعد الأمر يحتمل وجود حزب سيفه مع المغرب وقلبه مع أعداء الوطن، الوقت وقت حسم ولا مجال لوضع رجل هنا ورجل هناك.
الحاجة اليوم ماسة لأحزاب مواطنة، جادة وجدية تؤمن بالوطن وبالمصالح العليا للوطن، أحزاب تواكب هذا الإبداع الملكي لجلالة الملك محمد السادس، وهذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة الخيانة والانفصال واللصوصية بوطنية وبتقدير حقيقيين، تقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان السياسة، وهم كثر …لن ينسى ” البيجيدي ” عادته القديمة، ولن يفرط في سلاح أثبت فعاليته في جمع الغنائم، قبل وإبان كل المعارك الانتخابية التي دخلها، إذ أصبح المفروض في نظر الحزب استباق كل نزال انتخابي ب ” تبوريدة ” يستعرض فيها غلبته على الداخلية .
أطلق ” صقور ” الحزب نيران مدفعية الابتزاز صوب الولاة والعمال، لأنهم انتقدوا طريقة تدبيرهم ” السيئة ” للمجالس المنتخبة، ولم يجدوا بدا من إحياء شعار إسقاط الاستبداد والفساد، كأن المغرب كان دولة الحزب الوحيد، ولم تتصارع الأحزاب على شفافية ونزاهة الانتخابات .
ومارس ” صقور ” الحزب بإغلاق باب الاجتهاد لتغيير القوانين الانتخابية، لأنها تخدم مصالحهم، لتحقيق الفوز بولاية ثالثة، وإقصاء الأحزاب الأخرى، أليس هذا استبدادا ؟!
مرة أخرى يختار حزب العدالة والتنمية أسلوب ” التقلاز ” ولغة الابتزاز السياسي لمخاطبة الدولة وإطلاق حملة انتخابية سابقة لأوانها، مرة أخرى يعود إسلاميو المؤسسات لطريقتهم البشعة في ممارسة الضغط والتلويح بقضايا حقوق الإنسان واستهداف العمال والولاة والتشهير بالقضاء كما لو أنه حركة جذرية تعمل خارج الأطر المؤسساتية للنظام السياسي .
مرة أخرى يفضل الحزب الحاكم لعب دور الضحية في كل ما يجري وأنه حزب لا حول ولا قوة له أمام جبروت قوى غير مرئية بالعين المجردة .
مرة أخرى يعود حزب المصباح لهوايته المفضلة بازدواجية الخطاب التي ظلت تلازم تدبيره جزءا من السلطة طيلة عقد من الزمن، فهو مولع بالتواجد في كل الأمكنة في نفس الوقت، يريد الزبدة وثمن الزبدة، يعشق ملذات السلطة وصولجان المعارض، ولذلك فهو دائم البحث عن المبررات التي تسمح له بممارسة الشيء ونقيضه. وفي قضية عودة العلاقات المغربية – الإسرائيلية لم يجد برلمانه من ملاذ للهروب من المسؤولية سوى إشهار جدار الاختباء وراء الملك وإشهار ثقافة الإكراه من دلالات فقهية وتاريخية، لرفع الحرج عنهم بمبرر أن العثماني وقع تحت ضغط الإكراه وبالتالي فمعظم تصرفاته أكره عليها مما يبطل عنه تبعاتها السياسية .
الجميع يدرك أن حزب العدالة والتنمية لا تهمه حقوق الإنسان أو مآلات التطبيع أو القوانين المتعلقة بالاستحقاقات، ما يهمه هو الحفاظ على مصالحه الانتخابية وزبنائه الذين يصوتون عليه، حتى لو أدى به الأمر إلى التشهير بالمؤسسات الدستورية التي يقودها منذ عقد من الزمن أمام أعداء الوطن قبل أصدقائه .
إن الأقنعة التي لبسها الإسلاميون طويلا، وخدعوا بها الكثير من المغاربة، سقطت أخيرا وظهرت حقيقة عقيدتهم الخبيثة، عقيدة الدمار والتشتيت ووهم الخلافة الذي لم ولن يتحقق. وبالدارجة المغربية: ساعتهم سالات …ولم يعد لدجلهم أي تأثير لأن المغاربة بدؤوا يكتشفون، ولو متأخرين، من هم أصدقاؤهم الحقيقيون ومن هم أعداؤهم الحقيقيون .
عبد السلام المساوي
تعليقات الزوار ( 0 )