عبد السلام المساوي

لماذا كل هذا الهجوم على عبد الإله بنكيران الآن؟.. وماذا فعل لكم بنكيران؟ وأي ذنب تحسبونه عليه؟ وأي جرم ارتكب في حق الوطن حتى تطالبون برأسه؟… أليس هو رئيس الحكومة الذي انشغل بأسلمة الدولة، قبل توفير الفرص الكريمة للمواطنين للعيش… أليس بنكيران من يعمل على إقناعنا بأن فكرة الجماعة الدينية أكبر من فكرة الوطن، وبأن الولاء للجغرافيا الإسلامية أكبر من فكرة السيادة، وبأن صناديق الاقتراع أكبر من الديموقراطية ذاتها… أليس بنكيران من كفر حركة 20 فبراير، وانتهزها فرصة لاغتصاب شعاراتها كجسر للوصول إلى الحكومة التي أصدرت قانونا تنظيميا واحدا ألا وهو قانون التعيين في المناصب السياسية والقطاعات الحساسة… أليس بنكيران من يؤمن بأن مرحلة الوصول إلى الأجهزة التنفيذية والتشريعية ما هي إلا مرحلة انتقالية يتم فيها الاستيلاء على الدولة وأجهزتها على طريقة استنبات كل شروط الخلافة، دون إشراك المعارضة في القرار، ودون الوفاء بالمشاريع الانتخابية، وكذلك بدون استحضار أن الشرعية ليست فقط نتائج الانتخابات، بل هي الآلية التي تتضمن حماية التعدد السياسي والفكري المجتمعي، وهو من يستمر في التجني على الديموقراطية فكرا وسلوكا فقط لأنه مدجج بسلاح “الشرعية”… أليس بنكيران من يعلم قبل غيره أن وصول البيجيدي إلى الحكومة لا يفسر بانخراط طوعي وشعبي مع هذا الحزب بالنظر إلى أن العزوف أفرغ الساحة لتملأها أصوات أنصار بنكيران فقط، بدليل أن حزب العدالة والتنمية لم يحصل سوى على مليون صوت وما يزيد قليلا (تحديدا مليون و200 ألف صوت)، أي ما يمثل 3.3%من مجموع سكان المغرب، بمعنى أنه من أصل 100 مغربي لا نجد سوى 3 مواطنين وراء هذا الحزب. وحتى إذا اعتمدنا منطق الكتلة الناخبة (13 مليون ناخب)، فإن بنكيران كزعيم حزب لا يمثل سوى 7.6% من المسجلين في اللوائح الانتخابية. فهل والحالة هاته يحق للمرء أن يطمئن إلى وجاهة، بل ومشروعية القرار السياسي، علما بأن رئيس الحكومة لا يمثل سوى 3% من السكان؟!

ماذا تريدون من بنكيران أكثر من إضحاك الناس ورواية النكت “الحامضة” والخروج عن المألوف، “حلايقي” من الطراز الرفيع، ويريد أن يعجب الناس به بأي ثمن، وهو لذلك يحرص على أن يظهر بأنه يأكل طعامهم ويمشي في أسواقهم، وبأنه رجل بسيط و”ولد الشعب” ويصلي في آخر الصفوف فوق حصير! وبأن المنصب الحكومي لم يغير فيه شيء.. ونسي أن رئاسة الحكومة تقتضي أن يخرج من جلبابه الحزبي والدعوي ليكون حاضنا لكل المغاربة.

أليس بنكيران من باع الأحلام للمغاربة، رفع شعارات طنانة في حملته الانتخابية… وما كاد حبر كلمات خطاباته وشعاراته يجف حتى انقلب على كل شيء… ماذا تريدون من بنكيران أكثر، وفي عهده لجأ المغرب إلى طلب أكبر قرض في تاريخ البلاد من الصندوق الدولي ناهز 6 ملايير دولار.. وتم رفع الأسعار بشكل مهول.. ووقع انخفاض عائدات السياحة.. وتم تسجيل ارتفاع العجز التجاري.. ووقع ارتفاع في سعر المحروقات.. ووقع تراجع في مداخيل المهاجرين.. وسجل المغرب ارتفاعا مهولا في قتلى حوادث السير.. وارتفعت الحركات الاحتجاجية بالمدن والقرى بشكل رهيب ويومي.. وتراجع الاحتياطي من العملة الصعبة بالبلاد… وتمت مصادرة حق الإضراب وخنق الحريات وإجهاض الحقوق.. وأكبر إنجاز كان هو تعطيل تفعيل دستور 2011… ماذا تريدون من بنكيران أكثر من هذا… كفاكم كذبا وتزويرا.. واتركوا بنكيران يتم مهمته المباركة.. فالمغاربة مازال فيهم للأسف نفس.. ودعوه يكتم هذا النفس…

وماذا تريدون من بنكيران أكثر، وهو الذي يبكي كل ليلة في صلاته لأنه لم ينجز كل ما وعد به، ولم يركع أنف المعارضة في التراب.. ولم يطوعها ولم يدمرها، وهي المعارضة “الزنديقة” التي تنطق “سفاهة”.. وتجهل بأن “ديالو اللي كبير..” وأنه “خليفة” الله في الأرض.. وأن فتوحاته وصلت قناة محايدة جدا وبريئة جدا، وهي قناة الجزيرة التي مازالت تبشر بالخلافة الإخوانية.. وسقط الغنوشي، وسقط مرسي.. وكان الأمل في بنكيران.. فهو الإخواني الوحيد على قيد الحياة بعد الاندحار في مصر وتونس وفي… من هنا تتم استضافته كعريس.. ويتم الاحتفاء به “كملاك مقدس”.. إنه “ولي” الله وصاحب كرامات.. فبفضله أنعم الله على المغرب بأمطار الخير.. هدية من عند الله لحزب العدالة والتنمية.. وإذا لم تكف المعارضة عن “سفاهتها” فإن بنكيران سيدعو الله يرفع المطر.. وهكذا سيكون الجفاف عنوان المغرب إن انتصرت المعارضة وانتصر المشروع الديموقراطي الحداثي…
دعوا بنكيران يرأس الحكومة، ودعوه ليحقق المعجزات، فالله “يحمي” حكومته، بل إن حكومته “هبة إلهية” للشعب المغربي.. أطيعوا بنكيران، فطاعته من طاعة الله، ومعارضته معارضة للقدر الإلهي.. وذلك خروج عن الدين وكفر بالله تعالى…

ماذا تريدون من بنكيران، فهو يزيد، والمغاربة يطالبونه بالمزيد.. راضون كل الرضى عن زياداته، ويخافون أن ينحرف فيزيد في الأجور.. إنهم راضون عنه لأنه شجاع في إصدار قرارات التأزيم، وما عجز عنه سابقوه قادر هو على إنجازه.. أقصى ما يمكن أن يحلم به، هو رئيس حكومة.. وهذا حلم تحقق بفضل انتفاضات شعوب الربيع العربي.. انتفاضات وقف لها بنكيران بالمرصاد.. عارضها في العلن وباركها في السر، فهي من أوصلته إلى رئاسة الحكومة.. ولتعلم المعارضة أن المغرب مستقر مادام بنكيران في الحكومة، وإذا رحل فإن المغرب سيغرق، وستعود حركة 20 فبراير..

بنكيران أو الجحيم…
لماذا كل هذا الهجوم على عبد الإله بنكيران؟ لماذا تحاسبونه؟ لماذا لا تستقبلون هذيانه الكلامي بالتصفيق كما يفعل “قطيعه” في البرلمان؟ تلومون بنكيران على هرطقاته وانزلاقاته وشطحاته وترفضون لغو كلامه، فهل تجهلون أن الفكر واللغة متلازمان بحيث لا يمكن تصور وجود واحد منهما خارج الآخر، وأن كل تصور للفكر خارج اللغة يعني القول بعدمية ذلك الفكر. إن الكلام والفكر، إذن، يغلف أحدهما الآخر، فالمعنى يحصل في الكلام نفسه كما أن الكلام هو الوجود الخارجي للفكر. لا فكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر.

تأسيسا على هذا كله، بنكيران لا يفكر، يصرخ، يقهقه، يقذف بألفاظ ويصدر أصواتا.. من لا يفكر لا فكر له، ومن لا فكر له لا لغة له.. وبنكيران بدون فكر، بدون مشروع، بدون بدائل… لهذا فهو عاجز عن إنتاج خطاب عقلاني متماسك، عاجز عن بناء نسق لغوي قوي شكلا ومعنى… وليداري ضعفه يحتمي بالاستفزاز اللفظي الحامل للعدوانية الدفينة والعنف المتأصل… لا مفر لبنكيران، إذن، من التوسل إلى العنف اللفظي ليسعفه بعدوان اللسان بغرض إسكات المعارضة، وقصد إلهاب وجدان الأتباع وإشعالهم تصفيقا وولاء وتأييدا لبنكيران الذي هو، دائما على حق.

إن اللغة ترسم الخط البياني بين الحيواني والإنساني، ولقد تفطن الخطاب السوفسطائي إلى خطورة الكلمة فجعل منها أكثر الأسلحة تداولا في المجتمع الأثيني في عصر سقراط وأفلاطون لضمان الحضور السياسي في هذه المدينة.

لماذا هذا الهجوم على بنكيران الآن؟ أليس بنكيران هو القادم إليكم من “الشبيبة الإسلامية” التي ارتكبت أكبر جريمة في المغرب، اغتيال عمر بنجلون، اغتيال الديموقراطية واغتيال الوطن… أليس بنكيران من ارتمى في أحضان الوزير القوي في زمن اليسار، ادريس البصري، أليس هو من ارتمى في أحضان المخابرات ليقود جماعته نحو محاصرة قوى التقدم والحداثة، قوى اليسار والتغيير.. ولما أنجز المهام عانق “المشروعية” كحركة دعوية، وكحزب “إسلامي” بلبوس خطيبي.. وكان الصعود إلى البرلمان، وكان الصعود إلى رئاسة الحكومة.. فلماذا تطالبونه الآن بالصعود إلى الهاوية؟ هل استنفد مهامه؟ لننتظر!
لماذا هذا الهجوم على بنكيران الآن؟ أليس بنكيران من زج لحيته، خلع نعليه ولبس الحذاء، تخلى عن عباءته وارتدى البذلة… ليتحمل المسكين مسؤولية رئاسة الحكومة، وليحقق الأمن والسلم، الاستقرار والاستمرار.. وليجنب المغرب مآلات الدول العربية التي تورطت شعوبها في “الربيع العربي”.
لماذا هذا الهجوم على بنكيران الآن؟ أليس بنكيران من تنكر لوعوده الانتخابية وشعاراته النارية.. عفا عن الفاسدين والمهربين.. غازل الأقوياء والضاغطين.. وعذب المقهورين والمأجورين.. عاقب المضربين والمحتجين.. تهكم من المعطلين وأنذر المتقاعدين…

ماذا تريدون من بنكيران؟ أليس بنكيران هو أول من حول البرلمان إلى حلقة.. أليس بنكيران من أشبعكم فرجة؟؟ دعوه يمثل.. دعوه ينكت.. دعوه يهرج… وعندما يتسلل إليكم الملل والضجر فلا تحاسبوه ولا تعارضوه، ولا تشغلوا بالكم بالقضايا السياسية والمعضلات الاقتصادية والأزمات الاجتماعية… فلكم في فضائح وزرائه ما تشتهون… “شوكولاطة وكراطة”.. فضائح أضحكتنا وأضحكت علينا الناس أجمعين عبر فضائيات كل بقاع العالم… وإذا كنتم من أهل العشق والهوى فتابعوا حلقات مسلسل “الشوباني وسمية”، مسلسل توفرت فيه كل عناصر المسلسلات المكسيكية… عشق وحب.. غدر وخيانة… جاه وسلطة… زوجة وخليلة… جنس وتعدد… لا يمكن أن نمنع امرأة.. زوجة.. أم.. جدة.. وزيرة “إسلامية” من أن تحب “الشوباني”، وهي التي فجرت رغبتها عندما كتبت “الشوباني لذيذ”، إنه “حب على سنة الله ورسوله” هكذا أفتى مفتي ديارهم، الشيخ الريسوني.

 

ماذا تريدون من بنكيران؟ تريدون أن يكون ديموقراطيا وأنتم تعلمون أن فكرة الإسلام السياسي تتعارض مع الديموقراطية، ولا يمكن لأحد أبدا أن يرى بعكس ذلك، فالمجتمع الذي يخطط له الإسلام السياسي، لا يؤمن أبدا بالتعددية، ولا يؤمن بالرأي الآخر، تؤكد على ذلك تشريعات كثيرة تضعه، والتنظيمات والجمعيات التي تنظر له، أمام حرج كبير، فمن الحرية الفردية، إلى حرية الاعتقاد، إلى مبدأ تداول السلطة، كل ذلك لا يمكن أن يقول أحد بقبول “الإسلام السياسي” له، لأنه لو قال بذلك فهو تلقائيا يخرج من الفهم الذي يولده وهو “الولاية الإسلامية” و”إقامة الشرع والشريعة” الذي يرى بأنه هو الصواب الوحيد، بل وفكرة قيام المشروع نفسه مبنية على هذا، ومبنية على ولايتها المطلقة على الناس… إن التحصن بصناديق الاقتراع يخفي إيمان الإسلاميين بأن العملية الديموقراطية هي مجرد مرحلة انتقالية لإقامة الخلافة الإسلامية. وفي هذا السياق تصدق أطروحة “ديموقراطية المرة الواحدة”.
لماذا فشل بنكيران؟ ولماذا ينجح بنكيران؟!

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

أوجار بين الحكامة و السندان

الملك يريد عملية إحصائية للسكان بمناهج خلاقة

الحكومة المغربية تهرب التشريع المالي

المستقبل يبدأ من … الآن من أجل نَفَس ديموقراطي جديد