الشفافية والنزاهة في علاقة بالمصداقية موضوع تساؤل وتقييم أمام سير العمليات الانتخابية التي يفترض فيها أن تكون بالبرامج والوضوح المذهبي والفكري والسياسي وتجسيد ذلك في مخططات تعكس بصدق التوجهات يمينا ليبراليا أو يسارا اشتراكيا في أفق بناء مغرب يقطع مع كل أشكال سياسات التسليع والعبث والتضليل وتقمص الهويات متناقضة التي لايهمها سوى اعتلاء الكراسي سواء بالحكومة أو المؤسسات التشريعية أو الجماعات الترابية..
إن السياسة ليست ما رآه ويراه الناس في علاقة بالاستحقاقات التمثيلية، إنها علم ومنهج وفن في التواصل والإقناع السليم المحقق للوعي الديموقراطي الذي هو أساس بناء المؤسسات التمثيلية بالدول، باخضاعها وجوبا واقتناعا لقواعد الشفافية والنزاهة والحكامة والمصداقية قولا وعملا وتحالفات منسجمة..
إنه ليس من قيم المواطنة والسياسة في إطار مخططات «جلب» الأصوات الإلتجاء إلى كل الممنوعات قانونيا واخلاقيا وكل المنهي عنه في الخطب الرسمية وذلك بخلفية عددية لايعنيها لا الكيف ولا المبادئ ولا المنطق بل هواجسها صنع خريطة الوهم السياسوي المحبط الذي يزيد الوضع تأزيما وغموضا وينفر جزءا مهما من المواطنين والمواطنات من الاستحقاقات، فحتى قراءة نسب المشاركة التي يعلن عنها يجب أن تكون موضوع مساءلة على مستوى كل جماعة ترابية محلية واقليمة وجهوية ثم وطنيا لأن الناس والأحزاب والسلطات يعرفون الخبايا وما راج وتصرف في الخفاء بوضوح أكثر مما روج له في العلن.
إن الخطاب الانتخابوي المتعارض مع طبيعة و نتائج التحالفات التي قد تكون من غرائب اللامعقول حيث يطرح أكثر من استفهام عندما يجتمع المتناقضون والمتعارضون اللذين أثاروا النعرات والصراعات بين الناخبين كأسر وجماعات وأفراد حيث حصلت تحالفات بين من يدعي التغيير والاصلاح والانقاذ مع من كان موضوع انتقاد وهجوم ببرامج وتصريحات قبل الحملات الانتخابية وأثناءها ، ومع من كان سببا في الجمود والـتأزيم والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والادارية والتنظيمية والتنموية في علاقة بالسياسات والقرارات والاختيارات والتدبير الحكومي وكذا على مستوى الجماعات الترابية..
لهذا يجمع العقلاء والواقعيون الموضوعيون في عوالم السياسة على أن محبة وبناء الأوطان مسؤولية وطنية وعقدية وإنسانية ممنوع المساس بها، وعلى أن كرامة المواطنين وهيبتهم لايجب أن تمرغ في مرق الموائد الانتخابوية ولا التضليل السياسوي ولا توزيع «الهبات» و«المنح» و«العطايا» و«الاساءة المغطاة بالاحسان» و«الوعود بمواعيد عرقوب» باستصغار الناس واستغلال بؤسهم وخصاصهم وأميتهم المتعددة الأوجه وسعيهم المنحط لتسليع وتضبيع كل شيئ بتنكر صارخ مفضوح لمن كرمهم لله وفضلهم على كثير ممن خلق.
فالشعوب في حاجة إلى ديموقراطية حقة وعدالة شاملة، وشفافية صادقة، وتجند دائم لخدمة الوطن بعيدا عن المحسوبية والتسلق الطفيلي الذي يعيش بالغير على الغير وبكل أشكال الريع، وفي حاجة مستعجلة لانقاذ الوطن من الاختلالات التي يعرفها المشهد السياسي العام بعيدا عن الإكثار من المقولة المعروفة (قولوا الانتخابات زينة، على وزن قولوا العام زين)، فعندما يفهم البعض بأن التزكيات هي مبالغ مالية تسلم للمرشحين ، وعندما يتم التباهي بارتفاعها هنا وضآلتها إلى انعدامها هناك ،مما تسبب لمشاكل في الاحزاب التي تعتبر التزكيات مدخلا للترخيص بالترشيح وتسبب في ردود أفعال لم تشهدها استحقاقات سابقة؟!، وعندما يكون البعض من المرشحين لبناء الديموقراطية وخدمة الوطن محليا ووطنيا لامبادئ عندهم ولا استقرار تنظيمي حيث يصبحون من المتحولين والمتنقلين ما بين استحقاق وآخر، فليعلم الجميع أننا نحوم حول ثقب أسود يلزمنا أن نرفع من قوة حركتنا وسرعتنا لبناء مجتمع المعرفة والوعي وتنفيذ البدائل التنموية الناجعة والعادلة حتى نتحرر من جاذبية ثقب مظلم بالفساد والمحسوبية والتيه الذي لم يأت منه الخير عبر التاريخ..
إن الديموقراطية ليست مجرد كلام وصناديق وتمثيليات ونسب مائوية وتباه بالشفافية والنزاهة..، إنها كالهواء لايمكن العيش إلا به وبها على مدار الثواني وساعات النهار والزمن كله ، إنها لتبنى على أسس سليمة وعلمية يجب أن تكون ثقافة عامة عند الناس كافة وعرفا موثقا شعبيا ودستوريا، وفي سلوك وأفعال كل المؤسسات تخطيطا وتدبيرا وعملا لاتستقيم الأمور الأ بها، إنها ليست بالولائم والأموال !، وليست بالتقوي بطبيعة العلاقات مع السلطات !، وليست بالتمظهرات التي يسجلها الجميع في العوالم العربية والإسلامية والمتخلفة ! ، وليست بالتناور والكيد والتآمر والتضييق على المنافسين والرافضين للخضوع لإرادة لوبيات الإنتخابات والمال واستغلال الدين والمصالح الذين يستغلون نتائج سياسات عمومية تسببت في الازمات الاقتصادية والاجتماعية واثرت سلبا على القدرة الشرائية ومستوى عيش غالبية الناس وجعلت الفقر يتغول على الطبقات الشعبية ، كما تسببت في تعطيل أدوار وأعمال القطاعات التي تعتبر ضرورية لدمقرطة المال والثروات والحياة العامة بالبوادي والمدن الصغرى وحتى الكبيرة ، فكيف بالذين لايعترفون بحقوق العمال وظروف عملهم أن يكونوا مدافعين عن الديموقراطية وهم سواء مع الذين لا يحترمون ولا يطبقون القوانين والمواثيق الوطنية والدولية في علاقة بحقوق الانسان مع الشغيلة والناس؟
إن الديموقراطية يجب أن تمتزج بالحياة العامة والخاصة أفقيا وعموديا وبالمؤسسات، وما يسمى بالتمارين والتجارب الديموقراطية لايصح ولا يستساغ أن تمتد لأزيد من 60 سنة ، فإما أن نكون ديموقراطيين بعيدا عن تنزيلها بالجرعات التي لاتميت ولا تحيي وإما أن لانكون، وإما أن نكون مؤمنين ومطبقين لعدالة اقتصادية واجتماعية ومجالية وتنموية وإما ان نسير بسرعة ابطأ بكثير من سرعة متطلبات الشعب والدولة في علاقة بالشعوب والدول المتقدمة .
إن النخب الايجابية المتشبعة بقيم المواطنة والديموقراطية والحداثة تراجعت للخلف لأنها لا تقبل لنفسها أن تنخرط وتنساق مع بؤس المشهد السياسي والميوعة الحزبية زادت الوضع قتامة وتعقيدا استفاذ منه الذين يتحينون الفرص للتحكم والتسلط والتنمر والترقي.
فهل سيتسخلص الجميع الدروس والعبر مما تجمع من معلومات ميدانية تعرف بعض مؤسسات الدولة خباياها وتفاصيلها المملة كما يعلم العام البعض مما ظهر منها وما عاشه الناخبون والناخبات والمواطنون والمواطنات ؟ ، إن المطلوب ابتداء من اليوم القيام بتقييم دقيق موضوعي علمي للوضعية السياسية العمومية والحزبية والشعبية ومعالجة الاختلالات والثغرات والعيوب التي وقف عليها أهل الاختصاص في العديد من النصوص القانونية والتنظيمية، في أفق ضرورة الاعداد لاصلاح دستوري يتماشى مع متطلبات المستقبل القريب والبعيد وإعادة إصلاح وتغيير البناء السياسي والحزبي يقطع مع العبث والإرتجال والعبث ، لأن الوطن أولا وأخيرا فوق كل الشطحات الانتخابوية المصالحية التي تفسد السياسة وتشوه الوعي وتعطل وتخرج المصلحة العامة من كل ما ينتظره الكادحون والكادحات من الجماهير الشعبية التي طال انتظارها وصبرها..؟
مصطفى المتوكل الساحلي
تعليقات الزوار ( 0 )